(1)
منذ حرب ونصف
يصحو هذا الشيخ على فوهة
المئذنة
شاهراً سبّابته في وجه شيطانٍ أخرس
يشتكي الحرّ والبعوض
وحنظلاً ينمو على طرف السرير
ينزل إلى الشارع
قابضاً على مقود الوقت
ودائساً على بنزين العمر
يقتفي أثر الخبز
ويلاحق دنانير مُبتزة
في الطوابير المِعوجّة
يصغي إلى الناس
يلعنون الفوضى والساسة
وزوجاتٍ صالحات
شحيحاتٍ بالعرق
يكْنزْنه في أجسادٍ لم تتعلّم الصهيل
ولا العدْو في مسارب الرغبة
في المقهى
يجلس وحيداً
يشربُ الشاي مُرّاً
متحسّراً على سكّر الأيام
ويردّد:
(صُبّ المُرّ كان المُرّ طاب)
(2)
منذُ حربٍ ونصف
وهذه الزوجة الطيّبة
تحت حرّ الانتظار
تكنسُ أيامها
تُديرُ مذياع الذاكرة
فيأتيها صوتُ فيروز:
(بشتقلك لا بقدر شوفك ولا بقدر حاكيك)
تُشرعُ نافذة هاتفها الصغير
تُطلق سحائب الحُبّ
تبذرُ الكلمات في رحم البياض
وتنتظر
أنْ تُزهر في كفّ ساحرٍ
يمزجُ الحبر بالعرق
يكتبُ قصائد عرْقى
يتبعُ
خطوط المعنى في كفّها النحيف
يتخذُ من لوحة المفاتيح
مجاذيف رغبة
تُحرّكُ ماءها الراكد
فتحقنُ إبهامها بالقُبل
تغْرسها في قبله
وتتحسّسُ ما تبقى في حلْمتيها
من حليب الخيانة
(3)
منذُ حربين وأكثر
أقفُ أمام خارطة العالم
لاعناً أسوار الحبر
ولا ممحاة
لا نوح
لا شيء غير سفائن الورق
تجري في زُرقة الحلم
إلى بلادٍ دونما
غبار أو لصوص
بلادٍ لا أقفُ فيها على أعتاب الله
أعجنُ رغيفي بالدعاء
ولا أعيشُ العمر فيها حاطباً للريح
بلادٍ من غير صيف
تحصدُ قوائله أرواحنا
بلادٍ بنساءٍ غير صالحات
ولا طيّبات
يُطلقْنَ فئرانهنّ إلى مصيدتي
يُحببْنَ الكمائن
يعْرفْنَ كيف تُخفقُ رغوة الشهوة
وكيف تُعْصَر خمرة الليل
قيل:
(عَارٍ من يتخذُ الأيام غطاءً)
وأنا لا أجدُ غطاء غير ليالي البدينة
وفراشي
يضيقُ بأقدامي الحالمة
وهي ترسمُ دروبها
بعيداً عن ليبيا
جنّتنا المُحرقة
ومنفانا الأليف
أمّنا التي تلتهمُ أجسادنا كلّما جاعت
ولم تشبع من لحمنا النّيء
أمّنا التي لم ترضعنا
نِفطها
مُكرهين
نُسقَى حبّها في المدارس
ونبصقُه عند أوّل عتبةٍ
للبوح