البدري الشريف المناعي
فرغت من قراءة رواية الصديق عبدالله الماي “اطفال النار” وهي رواية صادرة عن مؤسسة يسطرون للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 2021 م. والرواية تتميز بكثير من الواقعية لما يعيشه المجتمع الليبي وخاصة خلال العشر سنوات الماضية، وهي تحكي عبر بطلها الطفل مروان قصة اطفال ليبيا ضحايا العنف والحرب الأهلية التي تعيشها بلادنا.
كان يمكن لمروان أن يكون فنانا وشابا مبدعا يخدم مجتمعه ويساهم في رقيه، الا أن ظروف الحرب وما لحقها من سوء الأحوال المعيشية وانهيار احلام الشباب في العمل الشريف دفعهم الى الإنتماء الى المجموعات المسلحة لعلهم يثبتون ذواتهم عبرها ويجدون مصدر رزق سهل يوفر لهم ما يحتاجونه. وكان لوردات الحرب يقدمون لهم الإغراءات، احيانا سيارة دفع رباعي مثلا مع رشاش ووعود كاذبة فينضم هؤلاء الشباب صغار السن للحرب وكأنها لعبة ومغامرة غير مدركين لمخاطرها. هذا ما أدركه مروان بعد فترة من انخراطه في العمليات المسلحة بأن الحرب ليست لعبة وأنها مخاطرة وضحاياها هم الشباب الصغار واحلامهم، وقد أدرك ذلك عبر الطريق الصعب وتجربة الحرب القاسية ومعايشته لبشاعتها وما تسببه من خراب ودمار وموت.
قرر مروان أن يترك الحرب في أول اجازة تتاح له ويعود الى اسرته وأمه التي ربته واهتمت بتربيته بعد وفاة امه، ويعود الى اصدقائه أبناء شارعه، ويعود الى اغاني الراب التي يحبها ويتقنها وقد برع في ادائها وله الكثير من المعجبين به في حييه الذي يقطنه وفي الأحياء المجاورة.
ولكن هي الحرب وبشاعتها تحرق الأطفال وتحرق احلامهم، وشاء القدر قبيل أن يترك مروان الحرب أن يصاب هو ومجموعته وهم محتمين داخل مستودع من طائرة مغيرة على موقعهم فتصيب المخزن بقنابلها ويتحول المخزن ومن فيه الى كتلة من اللهب ويموت الطفل مروان وزملائه.
انها دون شك قصة اليمة ولكنها حقيقية وتتكرر كل يوم وللأسف ببلادنا، فنفقد خيرة شبابنا أما موتا أو يصبحون مبتوري الأطراف يعانون الألم وقسوة الحياة.
الرواية تتحدث أيضا عن خلفية هذا الضياع، وتنتقد بالخصوص العملية التعليمية في بلادنا وانهيار المؤسسات في العهد السابق، والتي مهدت الأرضية الخصبة لهذا السقوط الذي نعيشه.
الرواية بشكل عام تعتبر نوعا من التأريخ الإجتماعي لبلادنا فهي ترصد حياة مجتمعنا وما مر به من ازمات خلال هذه الفترة الحرجة من تاريخنا.