علاقة المسلم بآل إبراهيم عليهم السلام هي علاقة محبة واحترام، فسيدنا إبراهيم والد هذه الأسرة الكريمة هو خليل الرحمن أبو الأنبياء، نبي كريم من أولي العزم وهو جد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وفي القرآن تتعدد الآيات التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام وآله الكرام يقول الله واصفا هذا الرسول العظيم: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ النحل: 120 – 122
ونحن نرتبط مع إبراهيم وآله ارتباطا عضويا وعقديا، يقول تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران 67، 68
أما الأيام العشر الأولى من ذي الحجة هذه الأيام المباركات، أيام الحج والذكر، الطواف والسعي، منى وعرفة، الصلوات والطاعات، البذل والعطاء، فإن لإبراهيم وأسرته- خاصة زوجه هاجر وابنه اسماعيل- علاقة وثيقة بها، نسكا وهديا، خلقا وقيما.
فما طواف المسلم وحجه ببعيد عن الاستجابة لنداء إبراهيم الذي قال له ربه:( وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ) سورة الحج 27.
وما البيت الحرام والكعبة المشرفة ببعيدة عن السياق الإبراهيمي وهو الذي رفع قواعد هذا البيت وأعاد بناءه مع ابنه اسماعيل عليهما السلام، وهناك دعاء الأب وأمن الابن بدعوات مباركة كان من بينها أن يأتي في تلك البقعة المباركة نبي يكون رحمة للعالمين يقول تعالى: ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )البقرة127-129
أما سعينا بين الصفا والمروة فذاك سعي على خطى الأم الفاضلة والمرأة الصابرة هاجر عليها السلام وهو سعي نحي معه قصتها مع ابنها الرضيع إسماعيل وقد تركهما إبراهيم في تلك البقعة المفقرة استجابة لأمر ربه، فلما نفذ زادها وعطش وليدها الحبيب جعلت تسعى بين الصفاء والمروة حتى تفجر زمزم ليكون نبعا متدفقا وسقيا للحجيج والمعتمرين.
وكان السعي درسا عظيما في التوكل وكان زمزم مكافأة على الصدق والصبر، التقوى واليقين.
وفي رمي الجمار نتذكر إبراهيم وهو يقاوم وسوسة الشيطان وقد حاول أن يثنيه عن عزمه على ذبح ابنه اسماعيل لما أمره الله بذلك، ليأتي بعد الطاعة والصبر ومقاومة وساوس الشياطين الفداء بذبح عظيم، ونحن نذبح الأضاحي في العاشر من ذي الحجة نحيا مع تلك الأجواء الرائعة التي جسدت معاني الطاعة لله تعالى للأب والابن ونعيش مع الفداء العظيم ونفهم تجليات إحسان الله للمحسنين، ونحن نتلو آيات الصافات التي ترسم هذه اللوحة الجميلة والجليلة:
(وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) الصافات 99 -110 .
كل تلك المحطات المفعمة بجميل خصال هذه الأسرة الكريمة وما في سيرتها من دروس وعبر، وأسوة واقتداء نتقيأ ظلالها ونسير على نهجها ونمضي على خطها في هذه الأيام المباركات علنا ننال رفقتها في الجنة ونحن نصلى عليها وندعو لها في كل صلواتنا قائلين: (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم آل إبراهيم).