المقالة

ليبيا في عيون الآخرين

خريطة ليبيا (الصورة: عن الكاتب د.محمد قصيبات)

كتب الصحفي البريطاني “دافيد ونتر” مقالا عن ليبيا بعد ثورة فبراير؛ قال يومها أن الغربَ لن يفهم ليبيا لأن تاريخ الليبيين في العقل الجماعي الغربي هو أقرب إلى الأساطير منه إلى الواقع، وكان الكاتب قد عنون مقالته تلك “ليبيا أرض الأساطير والشياطين”.

في الواقع يحتاج الليبيون لعشرات السنين كي يتمكنوا من تغيير صورة وطنهم في عيون الغربيين.

لن يكون الأمر سهلا أعني أن نشرح الأمر للصم البكم الذين لا يبصرون؛ فالمواطن الغربي إذا أراد أن يدرس تاريخ ليبيا فلا شك أنه سيبدأ بتاريخها القديم وهناك سوف يقرأ ما تخيله الشعراء مثل هومير وفيرجيل ، ثم سيقرأ ما قاله المؤرخ والجغرافي هيرودوت وكذلك كتابات ديودور الصقلي

المشكلة أن الغربيين نسجوا اساطيرهم على حساب ليبيا التي كانت وقتها تمثل المجهول وكانت هي حدود الدنيا غربًا حيث تغرب الشمسُ وحيث تموت الأشياء.

(1)

أولا لابد من التوضيح أن ليبيا التي أعني ليست ليبيا الحديثة بل تلك التي وصفها الجغرافي هيرودوت والتي يقول جغرافيو القرن التاسع عشر أنه أحسن وصفها ؛ لقد كانت ليبيا وقتها تشكل ثلث الكرة الأرضية ، وكانت تمتد من واحة سيوة إلى المحيط الأطلسي الذي كان يسمى وقتها بحر الظلمات وهو كما قلنا الطرف الغربي  للعالم، ولقد قسّم هيرودوت ليبيا إلى نصفين من الناحية الجغرافية :  ليبيا الشرقية  التي تمتد حدودها من واحة سيوة شرقا إلى جبال أطلس غربا وهي أرض مسطحة تشكل الصحراء جزءا كبيرا منها وليبيا الغربية حيث المرتفعات والأرض الخضراء وهي تبدأ من  جبال أطلس شرقا حتى المحيط وظن أن القسمين يفصلهما نهرٌ كان يصب في شط الجريد (الذي هو بتونس حاليا).

(2)

لم يكن اكتشاف ليبيا والدخول إلى أعماقها أمرا يسيرا في فترة ما قبل الميلاد؛ فحتى أكبر المحاربين وأكثرهم شجاعة مثل الإسكندر المقدوني والذي أراد أن يصل إلى أطراف الأرض توقف عند حدودها ولم يذهب أبعد من سيوة غربا. ولم تكن رحلته إلى هناك إلا لغرض ديني وهو نيل لقب “ابن الآلهة” كما يقول بعض المؤرخين، ولم يكن مع الإسكندر الأكبر جيشا نظاميا بل اعتمد على 50000 من المرتزقة.

أما فرعون مصر كما يقول هيرودوت فقد أرسل بحّارا لاكتشاف ليبيا حيث ذهب البحّارُ عبر البحر الأحمر واتبع الشواطئ التي عن يمين سفينته والتف حول القارة وقال أنه وجد بلدا يسكنه المتوحشون وبعد أن اقترب من الوصول إلى مصر وكانت الشمس وقتها عن يمين سفينته لم يتمكن من النزول إلى الأرض خوفا من المتوحشين وعجّل عودته إلى مصر ولما أمره فرعون بالعودة إلى ليبيا من جديد رفض البحّار فكان مصيره الإعدام.

 (3)

تحدث الشعراء عن ليبيا فنسجوا من خيالهم ما يريدون ؛ قال الشاعر هومير أن من يذهب إلى ليبيا ينسى وطنه ولا يعود إليه وتحدث في الأوديسة عن عاصفةٍ حملت أوليس وبحارته إلى ليبيا وعندما اقترب من الشواطئ الليبية ارسل بعض البحارة لاكتشاف المكان ، ولما لم يعودوا فهم أوليس أن أمرًا ما قد حدث فوجد بحارته في حالة سكر لا يريدون العودة إلى وطنهم حتى أضطر إلى ربطهم بالحبال على ظهر السيفة وعاد بهم إلى وطنهم ، فهم أوليس أن لليبيين طعامٌ يغيب الذاكرة ويسبب الادمان فقيل عن الليبيين أنهم أكلة اللوتس ، أما الشاعر فيرجيل فقد كتب في الالياذة عن ملك اسبرطة التي أتي إلى ليبيا  لاجئا بعد هزيمته أمام أثينا ، ويقول الشاعر أن الملك الاسبرطي وقع في حب الملكة ديدو التي كانت وقتها تحكم جزءا من ليبيا (قرب تونس) لكن الآلهة طلبت من ملك اسبرطة العودة إلى أوروبا  فغضبت الملكة وأنزلت لعنتها على الغرب  قبل أن تنتحر حبا.. يقول فرجيل على لسان الملكة:

“لا حب بعد اليوم بين شعوبنا وشعوبكم
سيلتقي الجمعان
شطًّا ضد شط
وبحرًا ضد بحر
سيفُا ضد سيف والحربُ بيننا إلى الأبد”

(4)

بعض الأشياء الايجابية قيلت عن ليبيا حيث كانت المرأة الإغريقية تعاني الاضطهاد من قبل الرجال وسمعت نسوة أثينا أنّ ثمة نساء ليبيات ينعمن بالحرية يحملن اسم “الامازونات” ولكن كن أمازونات يختلفن عن أمازونات الشرق الأوسط فهن لم يقتلن ذكورهن وكنّ يتعلمن فنون الحرب والسياسة فحصلن على احترام الاسكندر الأكبر حيث كانت لهن علاقات سياسية معه ، والنقطة الايجابية الثانية أن في ليبيا خيرات كثيرة منها فواكهٌ ذهبية وأشياء أخرى تسقط من السماء وهذا مما دفع الآلهة لإرسال هرقل للبحث عن التفاحات الذهبية لكن الوصول إلى تلك التفاحات لم يكن أمرا هينا بل يحتاج إلى قوات التدخل السريع من طرف هرقل حيث أن الأسطورة تقول أن في ليبيا حاكمًا مستبدا كان يقطع رؤوس المارة الأجانب وكان على هرقل أن يتخلص من ذلك الحاكم المجرم ليتمكن من العبور نحو الغرب الليبي و كانت هناك صعوبة بالغة في قهر الحاكم الليبي والذي تقول الأسطورة أنه لا يقهر ما دام متشبثا بأرضه ، على أية حال ستعطي الآلهة هرقل استراتيجية التخلص من ذلك الحاكم المستبد.

(5)

حتى مزورو الثورات لم تسلم ليبيا من كتاباتهم حيث يدعى هؤلاء في كتاب “دانيال 11” أن المسيحَ الدجال سيحكم في نهاية العالم ومن بين البلدان التي سيحكمها تتحدث الثورات عن ليبيا بالتحديد وتقول أن الدجّال سيتحكم في أموالها وذهبها وثرواتها وأنه سيقتل الكثير من الليبيين .. تلك اعتقاداتهم.

(6)

لم يحسن الغرب التصرف مع ليبيا في كثيرٍ من الأحداث التاريخية المعاصرة فبعد هزيمةِ ايطاليا في الحرب العالمية الثانية صارت ليبيا حملا على الدول الغربية كأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون بها ؛ يقول الكاتب الانجليزي ريتشارد كافندش أن بريطانيا اقترحت تقسيم ليبيا عام 1945 على ثلاثة أجزاء ، تكون برقة من نصيب بريطانيا لتصبح فيما بعد ضمن الكومنويلث والغرب الليبي من نصيب إيطاليا ويبقى الجنوب الليبي تابعًا لفرنسا التي كانت وقتها تحتل الجزائر ولولا حكمة الملك إدريس ورفضه التقسيم لقُطّعت ليبيا أشلاءً

لقد أسهم رفض الملك لذلك التقسيم في تمكن الأمم المتحدة من الاهتمام بمنح ليبيا استقلالها كدولة موحدة.

(7)

من غرائب ما قال هيرودوت حديثه عن الكائنات التي تقطن ليبيا إذ قال أن بها كائنات لا رؤوس لها توجد أعينهن على صدورهن وتعيش فيها نسوة متوحشات هزمن أمام الأمازونات وأن بليبيا تعيش حميرٌ ذات قرون وفيها تعيش أسودُ وأيضا أفاعي بحجم الفيلة وجرذان بحجم الجبال

.. هذا قليل من كثير عما قيل عن ليبيا والذي لا يمكن اختصاره في مقالة واحدة.

لنا إلى الموضوع عودة إن شاء الله

مقالات ذات علاقة

شهيةٌ في “البيتِ لساكنه”

محمد دربي

قُتِلَ الجعد ومات إبن الراوندي (!!!…)(3/3)

أحمد معيوف

ومضات ليبية عابرة – 2

المشرف العام

اترك تعليق