الأربعاء: 2/6/2021
أسعد الله كل أوقاتك، للمرة الثانية أكتب لك من مكتبي، ثمّة ما يجعلني أشعر بالقرب منك أكثر وأنا في مكتبي، لا يقطع خلوتي بك إلا بعض الزائرين، من الزملاء العابرين أو المراسلين الذين يغدقون علينا أحياناً، وحسب المزاج، كاسات من الشاي والقهوة والزهورات. على كلّ إنه لأمر جيد أن يستمر هذا الوضع.
نحن الآن على أبواب عطلة صيفية قصيرة، وأقصر من أي عام مضى، تبدأ من مساء يوم 15/6 وتنتهي صباح يوم 1/8/2021، هذا يعني من ناحية وظيفية الاستعداد لإنهاء العام الدراسي، وإكمال المهمات الإشرافية فيما يخصّ زيارات المعلمين، والشروع في أنكد حلقة من حلقات العمل، وهي تقويم المعلمين وتقييمهم، لتبدأ بعدها أعمال الثانوية العامة، لا أستطيع المشاركة في أعمال التصحيح كلها، فحسب التعليمات كل من له قريب مباشر لا يعمل في هذا الموسم. إذاً سيكون أمامي وقت طويل أقضيه في المكتب، لا عمل حقيقاً للمشرفين في العطلة الصيفية. في العادة أقضيه بالقراءة بعد إقفال كل ما يجب عليّ لإنهاء العمل من إحصائيات وتقارير ومتابعة نتائج الطلاب.
من أسوأ المواقف التي مررت بها في العطلة الصيفية وها هي العطلة الخامسة التي لا أشترك فيها في أعما ال الثانوية العامة، هو أن المسؤول المباشر يكره أن يرى أحدنا يقرأ في كتاب، إنها تولد لديه حقدا ما، أو غيرة، لا أدري. إنه يفضل أن ينشغل الموظفون على اليوتيوب وعلى الفسيبوك أفضل لديه من أن يحضر كتابا ويقرأ فيه. إلى الآن لا أدري لماذا؟ أحاول أن أفهم هذا التصرف ولكنني لا أجد تفسيرا، مهما كانت نوعية المسؤول وادعائه أنه مثقف ويقرأ الكتب. إلا أنه لا يحبذ لك أن تقرأ. إنه على العموم يفهم كلمة “المثقف” فهما خاطئا جداً.
الفراغ قاتل، ويولد الملل، لكنني لا أملّ بسبب هاذين النهرين المتجددين: القراءة أو الكتابة. أنا بطبيعتي أحب هذا كله، ولا أملّ منه. عطلة المدارس الصيفية فرصة كبيرة لمراجعة ما تم خلال هذا العام، من إخلالات ومن منغصات ومن سوء فهم، بينك وبين الزملاء وبينك وبين نفسك.
عدا هذا لقد أعددت للعطلة القادمة برنامجاً جيداً، سأعمل عليه بحب وصبر ومثابرة، سأتجه فيه نحو بناء كتب جديدة ومراجعتها، ثمة مخطوطات كثيرة في جعبتي، أشعر أنني أسابق الزمن من أجل إتمامها. أفكر فيها طوال الوقت؛ هب أنني متّ فجأة من يقوم بإتمام هذه المهمة؟
ليس لديّ أبناء وبنات مهيأون للقيام بهذا، أولادي مشاغلهم مختلفة، لا يحبونني كاتباً على ما أظن، لم يقرؤوا لي، ولم يناقشني أحدهم يوما بما كتبت أو عبّر عن إعجابه بي أو الافتخار بي كوني كاتباً. ابني الصغير، طفل ذو عشر سنوات عندما امتلك هاتفاً ذكيا اكتشف اكتشافا مذهلاً: “بابا إنت مشهور؟”، ضحكت عندما سألني السؤال، كيف يفكر بهذا وما الذي دفعه ليقول ذلك. وبعد حوار قصير، حتى لا أفسد عليه ولا يفسد على نفسه ألعابه. عرفت أنه صادف لي صورا على جوجل!
إنه اكتشاف أفرحني، ابني يعرف للمرة الأولى، صدفة، أنني مشهور! أو هكذا يتصور أن كل من له صور على جوجل سيكون مشهورا حتماً. شرحت له المسألة، وأن الشهرة ليست كما تظنّ، ولا أدري هل أدركها أم لا. منذ ذلك الحين إلى الآن لم يراجعني بشهرتي المزعومة. كيف يرى ابني الصغير “عصوم” أنني كاتب أو شاعر أو حتى مشرف تربوي، فأنا لا أزور مدرسته التي هو فيها، لا بصفتي وليّ أمر، ولا بصفتي الوظيفية. فوضعه في المدرسة جيد، سلوكاً وتعليمياً، وأظنه لا يكره المدرسة الكره الذي يجعله ينفر منها ولا ينهض مبكّرا صباحا، يستعدّ ليوم الدراسي كما ينبغي. إنه نشيط جدا، وينهض باكراً ويتناول فطوره ويستعد استعداداَ كاملاَ.
على كلّ سرقني هذا الحديث مما كنت أرغب في الحديث فيه. سأؤجل الحديث في ذلك الأمر لمرّة قادمة، حتى لا أفسد هذه الرسالة بإطالتها. أسعدني جدا أنك تقرئين الرسائل، وتردين عليها. هذا له أثر كبير جدا عليّ، ولا أخفيك سراً أنني أكون منتظراً رسالتك بلهفة حتى أقرأ الجانب المقابل من لغتي وفكري بلغتك وفكرك.
دمت ودام وهج قلبك المحب، وإلى لقاء قريب.