يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…
39
من فوق الشرفة التي تعلو البوابة الشرقية رأى الحارس شيئا ما يتحرك في الأفق.. اخبر رفيقه في نوبة الحراسة.. وقف لينظر في الاتجاه الذي يشير اليه رفيقه:
– ربما يكونوا المستطلعين الذي خرجوا إلى وادي آوال بالأمس.
– لا أعتقد ذلك.. فالوادي يقع في الجهة المعاكسة.
اقترب حتى بدت تتكشف لهما معالم شخص يركب مهريا:
– انه رجل وحيد .
– ربما هو راع أضاع إبله .
اقترب أكثر من أسوار الواحة.. صار من السهل عليهما تبين قسمات وجهه على الرغم من اللثام الذي يخفي جزء كبير منها قال لرفيقه:
– هذه ليست سيماء راعي.
وقف أمام البوابة طالباً الاذن بالدخول الى الواحة:
– من أين كانت وجهتك أيها القادم؟
أجاب بلغة لم يتبينها الحارسان.. قال أحدهما:
– سنرسل للأعيان لنرى ما يقولون في شأنك.
قال شيئا بلغته المجهولة.. أحكم لثامه.. نزل من على دابته.. استند إلى السور المهيب.. أسرع أحدهما إلى داخل الواحة.
عاد الحارس الشاب مسرعا بعد مضي وقت.. فتحا البوابة.. وجداه يغط في نوم عميق.. استيقظ بعد أن حركه أحدهما.. فتح فجأة عينين كبيرتين مخيفتين.. استوى جالسا:
– هل وافقوا على دخولي أخيرا… لا يملكون غير ذلك هيء هيء.
– يا عماه.. لم نعتد أن نرد قادما.. اهلا بك في واحتنا.. لكنهم يملكون عكس ما تعتقد.. هيا تفضل هم بانتظارك.
تقدمه الحارس.. لكن القادم الغريب أوقفه قائلا:
– أعرف طريقي.. لا تتعب نفسك.. هم في مجلس الأعيان بجوار سوق تصكو اليس كذلك هيء هيء هيء.
سار في طريقه.. وقف الحارسان متعجبين من أمر هذا القادم الغريب.. أقفلا البوابة وصعدا الشرفة ليواصلا مراقبة الصحراء.
في مجلس الأعيان كانوا ينتظرون قدومه.. استغربوا دخوله عليهم وحده دون أن يتقدمه أحد الحارسين.. وقف في مدخل المجلس.. تحت أقواسه جلس الأعيان على المصاطب الحجرية.. جال ببصره على الوجوه المستغربة.. انتظروا إطلاقه للتحية لكنه قال:
– لن تصل القافلة.
تبادل الأعيان النظرات.. علت بعض الهمهمات.. واصل دون أن ينتظر ردا:
– لم يسمعوا لنصحي.. المبيت في وادي آوال غلطة لا تغتفر…
قال أحد الأعيان معترضا:
– ليست المرة الأولى.. اعتادت قوافلنا على الاناخة هناك.
– كان ذلك في زمن السلم بين الممالك السبعة.
استفسر آخر:
– أي ممالك يعني الغريب؟
– ممالك أمة الخفاء.. انهم يتربصون ببعضهم البعض.. قد تندلع حرب طاحنة بينهم في أي وقت .
– حرب طاحنة؟
تساءل نفس الرجل.. أجابه ببرود:
– اقتربت هدنة الألف عام على الانتهاء.. الكل يستعد.
خيم صمت على المجلس… قطعه القادم الغريب:
– ألا يدعوني أحد للجلوس؟
– أهلا بك أيها الغريب.. تفضل هنا… لكنك تحمل لنا أسوء خبر نسمعه منذ عقود… اختفاء قافلة كاملة ليس بالشيء السهل تصديقه.
– حذرتهم من مغبة المبيت في الوادي المسكون.. لكن قائد الرحلة أصر على رأيه .
سأل الجالس بجواره:
– كيف نجوت ايه الغريب؟
– الاستهتار عدو الإنسان.. الحرص لا يكلف شيئا لكن نقيضه يؤدي إلى المهالك… كل ما فعلته أني لم انصع لأمر قائد القافلة.. لا أنزل منزلاً تحتله أمة الخفاء دون إذنها.. غادرت وحدي واتجهت نحو مغرب الشمس وسرت طوال الليل.. عندما انقشع الليل وظهر النهار عدت لأجد الوادي خاليا من القافلة .
– وما سبب اختفاء القافلة؟.. اعتدنا أن لا نشعل نارا في الوادي.. كما أننا لا نتحدث فيه حين تغرب الشمس حتى تطلع من جديد.. كثيرا ما نسمع صراخهم وضجيجهم.. المحظوظون هم من يستمعون لغنائهم وهذا قليلا ما يحدث على كل حال… لا أظن ان قائد القافلة يجهل ذلك.
رد القادم الغريب:
– لم يكن ذلك كافيا.. كان عليهم تجنب المبيت بالوادي.. لقد حذرتهم.
تساءل كهل:
– هل جئت ناقلا لخبر السوء أم مفاوضا عن فاعل السوء؟.