سرد

رواية الحـرز (7)

يشرع موقع بلد الطيوب في نشر رواية (الحرز) للقاص والروائي “إبراهيم عبدالجليل الإمام“، على أجزاء بشكل أسبوعي!! قراءة ممتعة للجميع…

سكان مدينة غدامس (الصورة: عن الشبكة)

7

قررت زيارة الكهل الغامض..

 لكنها مدى تعلم صعوبة الوصول اليه.. فأعراف الواحة تترصدها وتكبلها.. خاصة انها سمعت بأنه نصب خيمته خارج الأسوار ولم يتحصل على إذن الدخول الا لأسواقها فقط.

  • ربما اجد عنده وسيلة استرجع بها ابني.. فأهل الكشف لهم كرامات وخوارق معروفة.

استيقظ الرضيع.. كنت الشمس قد غربت دون ان تشعر بها..
هرعت اليه.. غمغم بكلمة.. لم تفهمها.. انها المرة الاولى التي ينطق فيها شيئا ولو كان غمغمة مبهمة.. سُرت كما لو كان ابنها.. احتضنته بقوة والقمته ثديها.

لم تكن غمغمة تلك التي صدرت من الرضيع.. بل كلمة.. كلمة بلغة ما.. لغة تجهلها.. كرر ذلك في كل مرة يستيقظ فيها من نومه العميق.. كان كمن يغادر عالم ليدخل آخر.. اشبه بكلمة السر والسماح بالمرور والدخول لكهف الكنوز الذي طالما روت حكاياته الجدات.. تقول جدتها أن تلك الكلمات موجهة لحرس الكنوز من أمة الخفاء.. تلك الكلمات كفيلة بازاحتهم وابعادهم عن طريقك للوصول إلى الكنز.. هذه الغمغمة شبيهة بتلك الكلمات الغريبة صعبة الحفظ.. كل ما استطاعت فهمه من تللك الغمغمة انها تشبه لغات القادمين من بر السودان.. لكنها لا تعرف أي منها.. حتى الهوسا التي تتقنها بعض رفيقاتها لم تهتم بتعلمها.. الآن اختلف الأمر.. قد تكون بحاجة لتعلم لغة تحاور بها الرضيع.. ربما لو فهمت ما يقول لسهل عليها الوصول لرضيعها الضائع.

تذكرتها.

إنها عجوز هي الاخرى.. صار مصيرها معلقا بأيدي عجائز الواحة.. يا لها من مفارقة.. إنها تتقن الكثير من لغات أمم بر السودان..

زارتها في بيتها.. بعد أن أخلد الرضيع لنومته اليومية العميقة… أسرعت إلى بيتها.. من حسن طالعها أنها تقطن في بيت لا يبعد كثيرا عن بيتها.. على الرغم من انها تنتمي لعرش آخر.. لكن بيتها من البيوت التي تقع بين العرشين..

 استأذنت بالنزول من شرفة البيت.. جاءها الرد من تمانحت البيت طالبا منها النزول.. لم تكن وحدها كما تمنت.. لكنها لن تكر عائدة حتى تتبين معنى تلك الكلمة التي غمغم بها رضيع أمة الخلاء.

كانت معها عجوز أخرى من عرش آخر.. ليس هذا بالمستغرب على كل حال.. نظرتا إليها باستغراب.. فليس هذا وقت زيارة من في سنها لمن في سنهما.. جلست بجوارها.. شاركتهما في كثير من الأحاديث.. كانت تبحث عن مدخل مناسب لغايتها.. مر وقت طويل دون ان تتمكن من ذلك.. اخيرا قررت الزائرة المغادرة.. ما أن وصلت إلى سطح البيت حتى بادرتها العجوز قائلة:

  • من الواضح أنك لا ترغبين في الحديث امامها.. هات ما عندك.
  • ارغب في معرفة معنى كلمة أظن من امم بر السودان.

ضحكت بفم خالٍ من الاسنان… صمتت العجوز طويلا.. صمتت فور سماعها بما غمغم به الصبي.. صمت مصحوب بنظرة لا معنى لها… صمتت حتى شعرت بالخجل.. صمت العجوز اشعرها أن للكلمة مدولا سيئا.. صمتت حتى شعرت بالندم لزيارتها.. أخيرا سألتها:

  • هل نطق بها زوجك اثناء نومه؟… هيء هيء هيء.

ضحكتها منحتها شعورا بالاطمئنان.. أجابتها:

  • كلا… سمعتها وأريد ان أعرف معناها.
  • أين سمعتها؟… هذه لغة قديمة.. لم يعد هناك من يستعملها الآن..

أضافت العجوز:

  • إنها استنجاد الطفل بأمه عند قبائل بعيدة في الغابات السوداء.. كما أنها استغاثة.
  • استغاثة؟
  • طلب العون من ساحر القبيلة؟
  • ساحر القبيلة؟
  • إنه اللسان الذي تتحدث به بعض أمم الخفاء ايضا.

صمتت طمعا في المزيد من.. لم تبخل العجوز فقالت:

  • إنها أول لسان تعلمته بعد لغة قبيلتنا في بر السودان.. حتى في قبيلتنا لا يحسن هذا اللسان سوى القلائل.. هكذا كانت امي تقول… هل سمعتها بنفسك؟

اشارت برأسها.. نظرت إلى عينيها لأول مرة لتقول:

  • لا ينطقها هنا إلا ساحر أو….

قرأت الخوف في عينيها.. أضافت العجوز:

  • أو ممسوس..

همت بالمغادرة.. استوقفتها العجوز:

  • احذري يا بنيتي.. اياك وتعلم السحر… من يحسن هذه اللسان يمكنه أن يتحدث مع أمم الخفاء بكل سهولة… في هذا خطر كبير عليك أيضاً.

غادرت.

غادرت بقلب أكثر خوفا وبعقل أكثر تشوشا… داهمتها اسئلة كثيرة… لا بد ان تبحث عن اجابات لها.. عاودتها الشكوك من جديد.

مقالات ذات علاقة

حـبر وقـطـران

محمد الأصفر

رواية: اليوم العالمي للكباب – 6

حسن أبوقباعة المجبري

في العام 61

عائشة الأصفر

اترك تعليق