هل كتابُ (الشراكةُ الليبية الايطالية: أسبابُها وتطورُها) الصادر للدكتورة لمياء الطيب الزليطني عن الهيئة العامة للثقافة سنة 2018م يُجيبُ عن السؤال عنوان المقال بكل دقة ووضوح؟ فهذا المؤلف الذي يقع في حوالي مائة صفحة من الحجم الكبير يستمد أهميته وقيمته المعرفية من الملحقين القانونين اللذين تضمنهما وظهرا متسلسلين فيه كالتالي:
أولاً: نص الإعلان المشترك الليبي الإيطالي الصادر بتاريخ 04/07/1998 في العاصمة الايطالية روما.
ثانياً: نص معاهدة الصداقة والشراكة والتعاون بين ليبيا وإيطاليا الموقعة بين البلدين في مدينة بنغازي بين “معمر القذافي” ورئيس الوزراء الإيطالي “سيلفيو برليسكوني” بتاريخ 30 أغسطس 2008م.
ورغم ظهور عبارة (الكتاب وفقاً لمعايير البحث العلمي والجودة العلمية) كعنوان ثانوي على الواجهة الأمامية للكتاب فإن المؤلفة لم توضح لقارئها ما الغاية المرجوة من إدراج هذه العبارة، وكذلك صفحاته لم تساعد على فهمها، ولم تبين ما المقصود بكلمتي “المعايير” و”الجودة” التي يحظى بهما هذا الإصدار، إذا سلّمنا بأن الصفة العلمية مكتسبة من طبيعة الدراسة الأكاديمية، وهي محتوى الكتاب، والتي قامت بإعدادها الدكتورة المؤلفة أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية، والموظفة الدبلوماسية العاملة بوزارة الخارجية الليبية.
إنّ الكاتبة التي لم تغفل إهداء كتابها إلى (عائلة والدتي شكراً وعرفاناً بالجميل) فإنها للأسف غفلت أن تجعل له دليلاً أو تمهيداً يسهل للقاريء عملية اختيارة ومطالعته، حيث غابت “المقدمة” عنه كلياً، أو “التوطئة” التي تتصدره وتشرح طبيعة الكتاب وتعرف بمنهجيته وتوفر نبذة مختصرة عن مضمونه.
لقد جاء كتاب (الشراكة الليبية الايطالية: أسبابها وتطورها) بالإضافة إلى الملحق المشار إليه أعلاه في فصلين فقط هما: الفصل الأول بعنوان (أسباب الشراكة الليبية الايطالية)، وتضمن مبحثين الأول بعنوان: المتغيرات البيئة الدولية وتأثيراتها على العلاقات الليبية الايطالية، والثاني بعنوان: تحولات السياسة الخارجية الليبية وتأثيراتها على العلاقات الليبية الايطالية.
أما الفصل الثاني فظهر بعنوان (اتفاقية الصداقة والشراكة والتعاون)، وتضمن مبحثين هما: القوة القانونية لاتفاقية الصداقة والشراكة والتعاون الليبية الايطالية، وتحليل اتفاقية الصداقة والشراكة والتعاون الليبية الايطالية.
ويُحسب لهذا الكتاب أنه نشر وضمَّن ووثق بين صفحاته النصوص الرسمية للإعلان الليبي الايطالي المشترك وكذلك بنود المعاهدة بكل موادها البالغة ثلاثة وعشرين مادةً، ولكن ما افتقده للأسف هو صوت الكاتبة، ورأيها وتعليقاتها على بعض المواد القانونية أو تضمينه مشاهداتها الشخصية لبعض المواقف المتعلقة بموضوع الكتاب، وكذلك تحليلاتها العلمية والتاريخية العميقة له، وتتبعها السياسي لمسارات هذين العملين المهمين في السياسة الليبية وتاريخ العلاقات الليبية الايطالية، وأعني الاتفاق المشترك والمعاهدة.
إن الإعلان الليبي الايطالي المشترك واتفاقية الصداقة والشراكة والتعاون بين البلدين تمثل تطوراً إيجابياً في أسس السياسة الدولية يمكن تلخيصه في ثلاثة نقاط مهمة وهي أولاً: الاعتراف الايطالي باستعمار واحتلال ليبيا، وثانياً الاعتذار للشعب الليبي عن حقبة الاستعمار، وثالثاً تقديم تعويضات عما سببه ذاك الاحتلال الفاشيستي البغيض.
لذلك، ولأهمية هذا التطور التاريخي الذي حققته السياسة الليبية الايطالية فقد كان على الكاتبة – في تصوري – أن ترصد انعكاسات وتأثيرات هذه الاتفاقية في العالم، سواء من خلال متابعة ردود الأفعال عليها في الساحة الايطالية من جميع الأطراف المؤيدة للحكومة أو المعارضة لها، وكذلك في ليبيا حيث اعترض كثيرون عليها لعدة أسباب، وأيضاً على الصعيد الإقليمي والعالمي خارج الجغرافيا الليبية الايطالية، فربما تتخذها بعض الدول نموذجاً تهتدي به في سياساتها لمطالبة الدول المستعمرة باسترداد حقوقها والاعتراف والاعتذار والتعويض أسوة بما حصل في ليبيا.
إنّ غياب صوت الكاتبة في مؤلفها (الشراكة الليبية الايطالية: أسبابها وتطورها) يضع القاريء في مواجهة مباشرة مع نصوص قانونية جامدة بلا شروح، أو مسببات، أو توضيحات، وهو ما يجعلها تنتمي إلى محفوظات وثائق “الإرشيف” التاريخي، أكثر من كونها دروساً وشروحاً لطلبة العلوم السياسية والدبلوماسيين والسياسيين والمهتمين بالشأن الثقافي للاستفادة منها وتقديم تفسيرات وتحليلات قد تختلف أو تتباين معها، ولكن تظل غايتها إثراء التفكير وتأسيس منهج النقد الموضوعي.
وأخيراً من النقود الفنية التي تؤخذ على كتاب (الشراكة الليبية الايطالية: أسبابها وتطورها) للدكتورة لمياء الطيب الزليطني أنها اختارت مكاناً غير مناسب لصورة شيخ الشهداء البطل الراحل “عمر المختار” حين وضعتها في آخر صفحاته وتحديداً في الصفحة رقم (100) قبيل صفحة (المحتويات) مباشرة (ملاحظة: الكتاب يحتوي 102 صفحة)، وهذا في تصوري لا يتوافق مع موضوعية تضمينه واتخاذه رمزاً للمقاومة الليبية للاحتلال الايطالي، لأن الرمز نصاً أو صورة أو رسماً يجب أن يظهر في صدارة المطبوع، وفي مقدمة صفحاته الأولى ليمنح القاريء استحضاراً لروحه التاريخية، ودلالاته الوطنية، وامتداداته في الحاضر الذي يطالعه من خلال الكتاب الذي بين يديه، أما أن يركن الرمز في نهاية الكتاب فهذا لا أجده مناسباً من الناحية الفنية ولا الدلالية التاريخية الوطنية.
أما عند الرجوع إلى سؤال عنوان المقالة البسيطة فإننا نجد الكتاب قد وفر فعلاً نصوصاً قانونية مهمة، وبعض المعلومات التاريخية التي كانت وراء أسباب وتطور الشراكة الليبية الايطالية بأوجه تعاونها المختلفة، ولكنه ظل يفتقد الكثير من المعلومات والاستنتاجات الخاصة والمواقف التي يحتفظ بها الدبلوماسي غالباً ذخيرةً في جعبته، يكون أساسها ما يرصده وراء الكواليس وخلفيات الستارة الرسمية، والتي يعتبر كشفها لاحقاً في إصداره الشخصي مكسباً وإضافة تحسب له ورصيده العملي وبصمة هوية شخصية تميز الإصدار. ولكن في كل الأحوال فإن المكتبة الوطنية الليبية سواء السياسية أو التاريخية قد كسبت كتاب (الشراكة الليبية الايطالية: أسبابها وتطورها) مؤلفاً بين أرففها يضيف إليها جانباً مهماً من الجوانب التي تمس العلاقات الليبية الايطالية ويتيح أمام الدارسين القانونين والسياسيين نصوصاً قانونيةً للإطلاع والاستفادة، وهو بالتالي يستحق الإشادة والثناء على ما بذل فيه من جهد ومثابرة وعناء.