مسرح

توقف

توقف

(خمس نخلات حول بحيرة من الدم)

المشهد الأول

المسرح عبارة عن صالةٍ كبيرة مُبلطة ببلاط أسود وأبيض في أعلى يمينها خشب لتعليف الملابس .

… عمر رجل في 50 مُقعد ـ يجلس على كرسيه المتحرك .. لا يفعل شيئاً .. تمر لحظات دون أن يُبدي السيد عمر حركته .. إنهُ يتأمل في البعيد هو بالبدلة وربطة العنق .. يخرج من جيبه قاموساً

[ مدخل ( موسيقى ) ]

قبل دخول فاطمة ( شل شيء يغير )

عمر

“بولوجومي” تعدد الزوجات بولوجومي

( تدخل فاطمة أربعينية شديدة الأناقة لا تخلو من جمال

فاطمة

هل أنت بخير ؟ باستياء مفجوعة

عمر

لا يلتفت إليها بولوجومي تعدد الزوجات

فاطمة

هل تأخرتُ عليك .. كان الطريق مزدحماً . وكان ثمة حادث

عمر

بولوجومي . تعدد الزوجات

فاطمة

حادثٌ مريع … كان حادثاً مريعاً .. أنت لن تستطيع تخيلَ ذلك

عمر

بولوجومي ، مُريع أنت لن تستطيع تخيلَ ذلك

فاطمة

أنت تهذي . انت تردد كلمات هذا القاموس اللعين كالببغاء

عمر

بولوجومي

فاطمة

أنت / كان الضحية طفلاً .. لا يتعدى العاشرة / كان جميلاً .. انا لم أتوقف لأراه / ولكن الذين شاهدوه قالوا إنهُ كان كالوردة .

بعد أن نحرر أذهاننا من عناصر المبتذلة

فاطمة

لقد تأخر ، هذا الولد سيجعلني أُجن سأشيب مبكراً . هو لا يعود

أه خالد أجل خالد

ولكن المدرسة

بحيرة حمراء وخمس نخلات

لقد خرج التلاميذ منذ وقت وهو لم يعد

( يضحك )

أرجوك . أرجوك لا تعذبني ببرودك ولا مبالاتك

إنهُ ابني .. لقد تأخر .. تأخر

بولتيكنك

سيعود لا تقل شيئاً .. سيعود .. إنهُ على وشك الوصول أيها الحقيبة تلك الثقيلة اللعينة .. إنها السبب في تأخره الدائم / ربما عمر / بالتأكيد / نعم سأُعد الغذاء

كان جميلاً / وكان ثمة خيطٌ أحمرٌ من الدم يسيلُ من فمه إلى صدره / ثم يمتد يمتد مع ذراعيه النحيل / ويُكونُ بحيرة حمراء وسط كفه الصغير / أنا لم أره .. ولكنهم .

عمر

بحيرة حمراء ( يدخل في الجو )

فاطمة

وبدت أصابعهُ كأشجار نخلٍ حول تلك البحيرة / نخيل خمس نخلاتٍ حول بحيرةِ دمٍ حمراء

عمر

خمسُ نخلات وبحيرة حمراء / لا شك أنهُ مشهدٌ مثير .. جميل إلى حد الرعب

فاطمة

” تبتسم بمكر ” نعم مثير . مثير

عمر

أستطيعُ أن أتصور كل ذلك وجه الصبي .. خيط الدم والأهم .. البحيرةُ والنخلات .. يا الله .

فاطمة

صدقني .. لم أستطع أضن أتوقفَ هناك …

عمر

لستِ بحاجة لذلك / إن وقع الأمور حين لا نشاهدها أقوى .. إن ذلك يحررُ أذهاننا من عناصرها المبتذلة .

لقد تأخر هذا الولد سيجعلني أُجن سأشيب مبكراً . هو لا يعود

أه خالد أجل . خالد

ولكن المدرسة

بحيرة حمراء وخمس نخلات

لقد خرج التلاميذ منذ وقت وهو لم يعد

أرجوك لا تعذبني ببرودك ولا مبالاتك ( يضحك )

إنه ابني .. لقد تأخر

فاطمة

موسيقى ( ربما .. )

عمر

بالتأكيد

فاطمة

سأُعد الغذاء

عمر

بحيرةٌ حمراء وخمسُ نخلات

فاطمة

ماذا تريد للغذاء ؟

عمر

لا شيئ

فاطمة

للغذاء ؟

عمر

لا شيء

فاطمة

إذن .. شاي

عمر

لا بأس .. شاي

فاطمة

( تهم بالخروج فجأة تتوقف وتعود باتجاه عمر )

موسيقى

– كم ؟

عمر

( يقاطعها ) خمسة …

فاطمة

خمسة أقصدكم ؟

عمر

نعم خمسة … أنت من قال ذلك

فاطمة

أنا لم أقل شيئاً ؟

عمر

لا شك أنك تعانين من الهذيان .. أنت

فاطمة

بل أنت من يعاني ذلك

عمر

أنتِ ( محتداً ) لست أكثر من ستين كيلو جراماً من اللحم والشحم وما تبعهما

فاطمة

ولست أكثر من مُقعدٍ وقح …

عمر

فاطمة ..

فاطمة

أرجوك عمر لا داعي لتفريغ عقدك ..

عمر

أرجوك

فاطمة

نعم / أنت تنجر إلى تفاهاتٍ وحماقاتٍ لا تحتمل

عمر

وأنت تبدين وقاحة لا حد لها

فاطمة

وأنت

عمر

وأنتِ

( لحظة صمت ) موسقى

فاطمة

كنت أسأل .. كم .. كم ملعقة

عمر

من السكر .. آه من السكر ( يضحك )

فاطمة

نعم السكر / كم تريد ملعقة من السكر

عمر ( تودد  )

أريد فاطمتين ( يضحك )

جميل أليس كذلك .. فاطمتين …

فاطمة

( تضحك ) أوه أيها الودود / ولكم أنت ظريف

عمر

ولكم أنت جميلة .. بشراسة

فاطمة

وكم أحبك

عمر

خمسُ نخلات وبحيرةٌ حمراء .. أليس كذلك ؟

فاطمة

ملعقتان .. تخرج .. ملعقتان من السكر

عمر

خمس نخلات وبحيرة حمراء .. لا شك أن المشهد متن للغاية .. المجنونة إن بإمكانها أن تكون مثيرة / نعم هي إمرأة مثيرة .. مثيرة جداً

( يخرج القاموس من جديد )

بولوجُومي .. بولوجومي تعدد الزوجات .. بولوجومي .. تعدد الزوجات

( تعود دون أن تحضر الشاي )

فاطمة

عمر

عمر

نعم .. ماذا أيضاً .. أين الشاي ( عسكري )

فاطمة

لم أحضره

عمر

لماذا ؟

فاطمة

ثمة شيء مثير .. هناك بالخارج / نعم تحت شباكنا بالضبط

عمر

مثير .. ما هو .. ما الذي يجري ( يدفع كرسيه نحو الخارج )

فاطمة

ثمة امرأة ورجل ( هناك قف على السرير )

عمر

( مندهشاً ) امرأة ورجل ..

فاطمة

نعم رجل / رجلٌ حقيقي .. في وجهه

عمر

وامرأة ؟ !!

فاطمة

امرأة .. امرأة

عمر

حقيقية

فاطمة

نعم امرأة

عمر

ولكن .. مالإثارة في هذا ؟

فاطمة

إنهما

عمر

إنهما ماذا ؟

فاطمة

يتعانقان ؟ !! في وجهه

عمر

( يتراجع بكرسيه إلى الخلف ) يتعانقان !!! هل أنتِ متأكدة

فاطمة

نعم .. متأكدة تماماً .. يتعانقان بعنف

عمر

بعنف ؟

فاطمة

نعم بعنف .. حتى يوشك أن يحطم أحدهما الآخر .. إنها تكاد تتحطم بين ذراعيه / هو رجل قوي / نعم كأنه ثور .

عمر

مثير / حقاً مثير

فاطمة

وهي تذوب .. تذوب بين ذراعيه / إنهُ يقبلها

عمر

يا الله .. إن الحياة مليئة بالغرائب .. رجل وامرأة يتعانقان وهو يقبلها ..

فاطمة

هي حاملٌ على ما يبدو / إن بطنها منتفخ / لابد أنه زوجها وهما متحابان بعنف / هذا واضح من عناقهما

عمر

مثير .. أجل مثير / ولكنه ليس أكثر إثارة من النخلات الخمس ( لنفسه ) وبحيرة الدم الحمراء .. تأتي إليه صامتة في وجهه ثم تلف حوله

فاطمة

( تقترب منه ضاحكة ” أنت .. أنت الأكثر إثارة “

أنت المدهش والقوي / أنت الساحر الحقيقي / أما ما عداك فهو الوهم / نعم لا شيء غيرك .. لا شيء حقيقي عداك ..

( تسمع انفجارات من الخارج )

اطلاق رصاص

ثم أصوات سيارات الإسعاف

( فاطمة لا تتوقف عن غزلها المفتعل لعمر )

منذ عرفتكُ .. ما رأيتك ولو لحظة إلا رجلاً مثيراً .. رجلاً صلباً .. فحلاً قوياً .. أسداً خصوراً

عمر

وأحببتك ( من أول نظرة ) كما يقولون / كان ذلك في السينما / نعم .. كنا نحضر عرضاً لفيلم .. ذهب .. ذهب .. ألا تذكرين اسم الفيلم

فاطمة

أجل أذكر .. نعم .. ذهب .. ذهب

عمر

نعم ذهب .. كان فيلماً طويلاً وكان ثمة حرب على الشاشة نعم بالفيلم .. الحرب كانت بالفيلم

فاطمة

لا .. لم تكن بالفيلم .. كانت الحربُ في الشواءع في الخلف .. كانت بجوار دار العرض .. أوه .. أيها العزيز أنت تنسى كثيراً / كان فيلم ذهب مع ..

عمر

( الحرب ) الحرب كانت في الفيلم وإلا لكنت وسطها / ولو كانت بالشوارع لما كنت معك بالسينما / لكنت أحارب . لقد كنت من قادة الجيش

فاطمة

نعم .. أذكر أنك كنت من قادة الجيش / ولكنك كنت بإجازة .. كنت تحضر ذاك الفيلم / ذهب مع الريح / ألا تذكر .. كان قصة حب عنيفة / بالتأكيد لم تشاهده جيداً / لأننا وقعنا في الحب قبل أن يبدأ الفيلم

عمر

نعم ولكنهُ كان فيلماً حربياً .. ولم تكن ثمة حرب إلا على الشاشة

( أصوات الرصاص تُسمع بالخارج ) قريبة

فاطمة

الرصاص كان بالشوارع

عمر

بل على الشاشة

فاطمة

كان الإسرائيليون يقصفوننا بالطيران

عمر

أنت تزورين تاريخنا .. تُسيئين لي ..

فاطمة

أنا لا أزور ولا أُسيئ لك .. ذاك ما حدث

عمر

( ولكنني كنت أحارب عندها ) .. كتب بالصحراء .. وكذا كان الإسرائيلون بالصحراء .. وكنا وجهاً لوجه نقتل منهم ويقتلون منا .. كان القتل عادياً / لم يكن ثمة إثارة بتلك الحرب .. حتى الموت كان أمرا ًعادياً

فاطمة

كان الفيلم شيقاً / كنت ترتدي بدلة ميدان .. تواجهه

عمر

وأعلق مسدساً

فاطمة

وكان الجميع .. كلُ من بالسينما ينظر إليك برهبةٍ واحتقار

عمر

( غاضباً ) ماذا ؟ احتقار .. هل يجرؤ أحدهم على هذا

فاطمة

كانوا يفعلون ذلك سراً

عمر

أنت دائماً تتوهمين ( يتوقف لحظة صمت ) ولكن ألم تسمعي انفجارات وأصوات رصاص

فاطمة

متى ..

عمر

الآن

فاطمة

أكيد / لم أسمع / أنتي تتوهمِ الحرب حيث لا توجدُ حرب

عمر

وتتوهمين قصة حبٍ لفيلم حزبي ..

فاطمة

بل أنت المتوهمُ الأكبر

عمر

أنا المتوهم الأكبر / أنت ربة الوهم

( زخات من الرصاص )

فاطمة

بل أنت من تعيش وسط بحيرة وهم / تتوهم العقل / وأنت مجنون / تتوهمُ انتصارات وهمية / وحروب وهمية وأنت تعطي هنا

كالكلب الكسيح

عمر

أيتها الكلبة .. أنا كالكلب الكسيح ..

فاطمة

بل أشع من ذلك / لست أكثر من ميت ، مزعج يرفض الزمن .. سأدفنك .. نعم / لن يكلفني ذلك كثيراً / حفرة بالحديثة وينتهي الأمر

عمر

ضاحكاً / أين .. بالحديقة / يضحك .. تقول بالحديقة

فاطمة

نعم .. إن الأرض هشةٌ / ولن أعجز عن تعميق حفرتك .. أيها الجيفة

عمر

( يضحك ) هشة .. بالحديقة .. ولكن أين هي الحديقة ؟

فاطمة

بالخارج .. حديقة البيت / سأحتمل عن جثتك لأيام وينتهي الأمر

عمر

( ساخراً ) حديقة البيت المسكينة .. لازالت تتوهم أن لنا بيتاً به حديقة .. ولا شك أنها تزرع هذه الحديقة كل يوم وتعتني بأشجارها وزهورها

فاطمة

نعم افعل / وإلا لكنت مت منذ زمن بعيد / لولا انشغالي بحديقتي وزهوري عن سخافاتك لكنت مت ( تدفع إليه الكرسي ) متّ منذ زمن بعيد

عمر

بحديقتك وزهورك .. شيق .. ذلك شيق .. امرأة تسكنُ بالدور السابع .. وسط شقة جراء وتتوهم أن لها حديقة بها أشجاراً وزهور .. يضحك .. مُسلي .. ذاك أمر مسلي جداً

يتجه خارجاً بكرسيه

فاطمة تتجه نجو المشجب تقف ساهمة بقربه

أصوات الرصاص تُسمع ثم سيارات إسعاف تسمع مقاطع من قصيدة النبي لجبران خليل جبران ( بصوت فيروز ) والرصاص يغمر القصيدة

تسمع تدفق المياه من سيفون المرحاض ثم سمح ارتطام جسد بالأرض ثم عمر يصرخ متألماً

فاطمة تركض نحو الحمام

( من الخارج )

فاطمة

كان عليك أن تطلب المساعدة / أنت عاجز / ألن تدرك عجزك ؟

فاطمة

( تجلده )

عمر

( يضحك ) اجلدي .. اجلدي أيتها العفنة

فاطمة

( تجلده )

عمر

( يصرخ متألماً )

فاطمة

لماذا لم تطلب أن أتي بك للحمام ؟

عمر

يتألم

فاطمة

اللعنة .. لقد لطخت كل شيء بعفنك / حتى كرسيك خذ هذا الجلباب / انتظر حتى أخلع لك ملابسك التي لطختها

( لحظات يخرج عمر يزحف على أربع أنه يشبه كلب يتألم .. هو الآن يرتدي جلباباً أسود فوق البدلة وربطة العنق )

تدخل فاطمة تحمل كرباجاً

فاطمة

خراء .. أيها القذر / ألن تتعلم أبسط الأمور

عمر

( يضحك ) بهدوء

فاطمة

أتظنني شغالة لك

عمر

يجهز نفسه للجلد

لستي أكثر من ذلك .. نعم أيتها اللعينة سأعذبك .. كما عذبتني

فاطمة

سأذيقك طعم العذاب

عمر

لن تستطيعي ذلك

فاطمة

( تجلده )

عمر

( يضحك ) اجلدي .. اجلدي أيتها العفنة

فاطمة

( تجلده )

عمر

أكثر .. اكثر .. يتألم متلذذاً

أقوى / أقوى / أقوى أيتها الخنزيرة

سأريك مقدرة العسكري على احتمال العذاب

أقوى / ستعرفين قدراتي / ستلمسين رجولتي

لقد احتملت نزيف الجراح والعطش والتشرد

بالصحراء / كان العدو أتعرفين العدو

كانوا خلفنا .. وكانت جراحي تنزف

فاطمة

تجلده .. يا كلب يا خرتيت

تتوقف عن الجلد مرهقة

عمر

( يهذي )

كان ثمة شمسٌ .. حارة .. حارة / ليست شمس الله .. كانت شمس الحرب .. وعطش الحرب وعلي / هناك وحيداً خذلناهُ جميعاً ..

احذر يا علي .. وهم يحاصرونه .. ولا أحد معه عدا أحذيتنا وكان ثمة بحيرة .. نعم بحيرة حمراء وحولها كانت نخلات .. نعم

خمس نخلات وبحيرة حمراء وسط الصحراء .. وركضنا نحوها بكل ما تبقي لنا من قوة .. لم ندركها حتى الآن / ولكنها كانت الملاذ من طيران ودبابات العدو / وعلى هنالك وسطهم وحيداً .. وبعضنا يصرح يا محمد

وأنا كنت أصرخ يا فاطمة .. ( تقترب منه )

وأقبلتي تركضين عن الصحراء .. كانت لك هيئة .. زجاجة كوكاكولا .. نعم كوكاكولا صدقيني أيتها الكلبة لو خيروني بين الجنة والكاوكوكولا في تلك اللحظة لاخترت الكوكا ..

نسيت علياً ومحمداً .. كان قد تم أسرهما وكذا حذائي .. وعدت حافياً ..

تصوري خسرنا الحرب والأحذية !!

فاطمة

يا حبيبتي / يا نابليون الكسير

عمر

واستلقيت هنالك .. وسط الصحراء .. تحت شمس الحرب الحارقة متطلعاً للبحيرة والنخلات الخمس

فاطمة

أنا بحيرتك ونخلاتك يا حبيبتي / يا مجدي التليد ( تستلقي بجواره على ظهرها )

أنا المائعة

عمر

وأنا فتاك القصيد ( يضع رأسه على ذارعها )

فاطمة

فلننسى / نحنّ لي / نحنّ

عمر

( يغني بصوت نشاز )

الى العلى

إلى العلى

يا مجدنا التليد إلى العلى

إلى العلى

إلى العلى

يا جيشنا العظيم للعلى

( أصوات الرصاص بالخارج )

تسمع من بعيد ثم تتضح أكثر لكأنها تقترب حتى تغطي على صوته تماماً يتم الظلام بتدرج بطئ .

 

اللوحة الثانية

تعود الإضاءة .. لنجد عمر يجلس على كرسيه المتحرك

يحمل كرباجاً .. فاطمة تجثو أمامه

فاطمة

ثمة برد .. الليلُ بارد

عمر

ثمة وحش .. الليل مُوحش

فاطمة

ثمة برد

عمر

ثمة

صوت انفجار ثم زخات رصاص

عمر

( الشاي .. لا شيئ أجمل من الشاي الآن )

فاطمة

الشاي .. نعم الشاي .. عندما يتصاعد البخار من كوب الشاي .. وعندما يتسامر رجل وامرأة حول كوبين من الشاي والمطر ينهم

( زخات من الرصاص )

عمر

الشاي لا أجمل من الشاي في ليالي الشتاء .. حيث المطر .. يا ألله لكم أحب المطر

( يُسمع قصيدة النبي لجبران بصوت فيروز ) ثم يغمرها صوت الرصاص

لحظات صمت

فاطمة وعمر يتأملان الفراغ

فاطمة

لست .. لست أدري ما الذي أفقد الأشياء طعمتها

عمر

وهل كان لها طعم

فاطمة

بالتأكيد .. كان لكل شيئ مذاقه الخاص .. كان لكل شيء معنى كان للشاي وللممطر وللحب / أوه الحب لقد نسينا هذه الكلمة

عمر

ولكن ؟ !!

فاطمة

كان قلبُ الانثى يرقص / لا يتوقف عن الرقص أبداً ( الرقص هنا )

عمر

والآن ؟

فاطمة

لست .. لست أدري .. لقد تغير كلُ شيئ

عمر

انتهى .. انتهى كل شيء

انتهى

فاطمة

تغير

عمر

بل انتهى

فاطمة

أنت من انتى

فاطمة

تغير كل شيئ تغير

عمر

انتهى .. ألا تدركين انتى .. كل شيئ انتهى .. غرق في البحيرة وظلت النخلات شواهد قبور .. هل .. تذكرين رائحة أمك ؟ رائحة أبيك ؟ لا تذكرينها .. بالتأكيد .. لا تقولي أنها تغيرت .. انها انتهت

فاطمة

أنا لم أقل إنني نسيتها ..

عمر

أنا متأكد من نسيانك

فاطمة

أنت مخرفُ كبير

عمر

وأنت عاقر تحلم

فاطمة

وأنت مقعدٌ عاجزٌ عن كل شيئ

عمر

يمسك أذنها ( أيتها الخنزيرة ـ سأذيقك طعم العذاب )

فاطمة

لن تستطيع

عمر

سأفعل

فاطمة

( تعطيه ظهرها ليجلدها ) هيا عذبني .. أجلد أيها الكلب / أيها النتن

عمر

( يرفع السوط ليجلدها ) يتردد .. ثم يمتنع

فاطمة

إجلد .. هيا .. أيها القذر / اجلدو بقوة .. بقوة ( تهذي ) بقوة بقوة أيها الكلب بقوة / أرجوك اجلد .. ( تبكي ) أتوسل إليك اجلد ..

عمر

لن أفعل

فاطمة

أرجوك .. تصرخ / ستفعل / ستفعل

امرأة .. أنا امرأة / أرجوك / أجلد

عمر

لن أفعل .. أعرف أنك تستمعين بذلك ولهذا لن أفعل

فاطمة

لقد جلدتك كما تشتهي أيها السافل / أيها الحقير / النتن / أيها الجيفة

عمر

الجيفة ( يضحك ) نعم الجيفة .. كيف بإمكان جيفة أن تجلد جيفة ؟

( يضحك )

فاطمة

تمسكه من عنقه

لا تحاول إقناعي بأنك لا تستطيع / لا تجيد جلد الجيف إلا الجيف .. أرجوك / أرجوك يا جيفتي النتنة / أرجوك

عمر / أماه

( تتلوى وتصرخ وعمر يضحك ) أصوات الرصاص وصوت فيروز يردد قصيدة النبي لجبران لحظات صمت

فاطمة

أرجوك / أرجوك يا جيفتي النتنة / أرجوك تنهض تمسكه من عنقه

لا تحاول إقناعي بأنك لا تستطيع / لا تجيد جلد الجيف

عمر

أبلغيه لقد انتهيت أماه / لا تقولي إنها تغيرت .. رائحة أمك .. رائحة أبيك انتهى / كل شيئ انتهى . غرق في البحيرة وظلت النخلات شواهد قبور ألا تدركين / كل شيء انتهى .. انتهت

فاطمة

تغير / كل شيئ تغير

عمر

يا جيفة

فاطمة

يا كلب

عمر

بل أنتِ أيتها الجيفة

فاطمة

بل أنت أيها الكلب .. أنت من انتهى

عمر

بل انتهى كل شيئ

فاطمة

تغير

عمر

انتهى

فاطمة

قلت تغير

عمر

انتهى .. كل شيئ انتهى .. لحظات صمت

فاطمة

لست .. لست أدري .. لقد تغير كل شيء

عمر

والآن ..

فاطمة

كان قلبُ الانثى يرقص / لا يتوقف عن الرقص أبداً

عمر

ولكن

فاطمة

بالتأكيد / كان لكل شيئ مذاقه الخاص / كان لكل شيئ معنى كان للشاي وللمطة وللحب / أوه .. الحب .. لقد نسينا هذه الكلمة

عمر

وهل كان له طعم

فاطمة

لست .. لست أدري ما الذي أفقد الأشياء طعمها

( صمت يتأملان الفراغ )

صوت رصاص قصيدة النبي لجبران

 

اللوحة الثالثة

عمر يجلس على كرسيه ذي العجلات

فاطمة تقف كالعادة قرب المشجب

فاطمة

( متوترة ) لقد تأخر

عمر

( يقرأ قاموس ) بولتكنيك . بولي تكنيك

فاطمة

لقد تأخر . هذا الولد سيجعلني أجن سأشيب مبكراً .. هو .. هو لايعود

عمر

من ؟ …

فاطمة

خالد .. ولدي ..

عمر

خالد ؟ ! أه خالد .. أجل خالد .. هو لا يعود

فاطمة

ولكن المدرسة .. لقد خرج التلاميذ منذ وقت .. وهو لم يعد

عمر

ولكن .. ولكن خالد

فاطمة

( تقاطعه بقوة ) سيعود .. لا تقل شيئاً .. سيعود .. إنه على وشك الوصول .. إنها الحقيقة .. تلك الثقيلة اللعينة إنها السبب في تأخره الدائم .. إنها

عمر

ولكنها ..

فاطمة

( تقاطعه أيضاً ) أرجوك .. أرجوك لا تعذبني ببرودك .. ولا مبالاتك إنه ابني أتعرف ابني .. لقد تأخر .. تأخر

عمر

نعم قرون وأنت تنتظرين

فاطمة

وأنت تردد كلمات هذا القاموس اللعين كالببغاء

عمر

وأنتي تنتظرين ابناً لا يأتي ككل عام

فاطمة

وأنت تردد كالببغاء

عمر

وأنت تنتظرين كعامر

فاطمة

وأنت مقيد على كرسيّ عجزك ككلب ميت تم ص 22

عمر

ولكن .. ولكن خالد .. لم يكن إلا

فاطمة

إلا ابني .. نعم ابني .. وهو لم يتململ في أحشائك حتى تحسي به .. لم ترضعه / ولم تلاعبه هو .. ابني أنا

عمر

هو وهمك .. وهمك أيتها الخرفة

فاطمة

بل ابني الذي من أجله أعيش / ابني أيها النتن

عمر

.. فاطمة .. لقد انتهى خالد

فاطمة

تخنقه كالمجنونة / لا .. لا لا تقل ذلك ثانية وإلا قتلتك .. أتفهم / أتفهم قتلتك أيها الجيفة .

أماه .. أين الغذاء يا أماه ؟ ( تتحرك كأنما تعود طفلاً )

إنه جاهز يا حبيبي ( تقبل الفراغ ) فقط / استحم أولاً .. ثم نتغذى معاً / أنا وأنت يا حبيبي .. ( تقبل الفراء ثانية )

عمر

( يضحك ساخرا ً )

الغذاء .. اجل أين الغذاء ؟

فاطمة

( تقترب منه ) هو جاهزٌ يا حبيبي

تقبل يد عمر أيها الصغير الودود

عمر

أماه .. أم آه ..

فاطمة

يا حبيبي ( تتكئ برأسها على ركبتيه )

عمر

يمسك رأسها بيديه .. أيتها الطيبة الودودة .. لكم نتعذب

فاطمة

وما أجمل العذاب بقربك يا حبيبي

عمر

ولكنها سنوات

فاطمة

بل قرون / قرون وأنت لا تشيخ

عمر

قرونٌ / وأنت الشابة الجميلة

فاطمة

.. وقرون )) تنهض منفعلة .. قرون من الخواء

عمر

قرون من التكرار .. من البرد والوحشة

فاطمة

من الخواء .. الخواء .. احس الخواء .. لكأنه الجوع .. نعم الجوع رحمي جائع / إنه خاو .. جائع / أتفهم / رحمي جائع / أحياناً .. احلم بك تصغر وتصغر وأمسك تتكور ويطرحني وأنام / أنام بعمق / ليس بإمكان رحم جائع أن يجعل صاحبته تنام ولذا لا أنام / عندما أحسه ممتلئ .

عمر

ولا أنام أبداً .. إلا هنالك وسط ظلام الرحم .. إم إم .. أه لقد هجرني النوم

فاطمة

لا عليك يا صغيري

عمر

إنهم لا يتعون عن مطاردتي

كان الطيران .. والدبابات .. والمدفعة .. وشمس الحرب .. إنهم لا يتوقفون عن مطاردتي .. والصحراء لا تنتهي والبحيرة والنخلات تبتعد كما السراب .. وأحذيتنا تم أسرها وأنت تنتظرين ابناً لا يأتي ككل عاقر

فاطمة

حين رأيتك أول مرة / كان ذلك بالسينما .. تذكر لا شك أنك تذكر .. قلت هو ذا .. هو ذا نابليوني الجميل !!

عمر

كنت أعلق مسدساً / وكان الفيلم حربياً

فاطمة

وأحببتك .. كان فيلماً رومانسياً

عمر

الحرب كانت على الشاشة ـ كانت مثيرة

فاطمة

الحرب كانت بالشوارع / كانت مرعبة .. وكان رحمي جائعاً

عمر

حين ابتسمتي لي .. نسيت كل شيئ .. وأحببتك

فاطمة

وأحببتك / كنت أنسب الآباء لخالد ..

عمر

وكنت أجمل الأمهات

فاطمة

يا حبيبي / إنك على وشك العودة .. سيعود

تبكي على ركبته برأسها ـ فترة صمت

عمر

ولكن خالد لم يكن إلا دمية

فاطمة

( تنهض تصفعه بعنف ) أيها القذر

عمر

دمية ( يضحك ) المجنونة .. ( دمية )

فاطمة

أيها الكسيحُ العاجز

عمر

أيتها المجنونة

فاطمة

أيها العاجز

عمر

القذرة

فاطمة

الزمح الوقح

عمر

لستي سوى عاقر تهذي

فاطمة

ولست سوى صرصار مقلوب على ظهره

عمر

ولست سوى عاقر تهذي

فاطمة

الزمح

عمر

القذرة

فاطمة

العاجز

عمر

المجنونة

فاطمة

الكسيح العاجز

عمر

دمية ( يضحك ) دمية

فاطمة

أيها القذر

عمر

دمية خالد لم يكن إلا دمية

فاطمة

تبكي ثم تتكئ برأسها على ركبتها

لحظات صمت

تهمس / حبيبي

يسود الصمت من جديد

عمر

يردد بوليتكنيك

لا شيئ يجمعني بوجهي

سوى وهمي

فهل يكفي أنت وأنا

كأننا لم نخسر الحرب

أن نرقص

وبأطراف ليست لنا

نفترض حديقة سياجها المدى

لربما نلهو قليلاً

ولربما ننسى

أننا ذوبنا زبدة العمر سدى

 

اللوحة الرابعة

عمر على كرسيه خلفه بالضبط رجل آخر على كرسي مماثل

عمر

( يخرج القاموس يقرأ )

بولوجومي .. تعدد الزوجات .. بولوجومي

الرجل الثاني

بولوجومي .. تعدد الزوجات .. بولوجومي

تدخل فاطمة وخلفها امرأة ثانية

فاطمة

( لعمر ) هل تأخرت عليك

المراة

( للرجل ) هل تأخرت عليك

عمر

بولوجومي

فاطمة

الطريق كان مزدحماً

المرأة

الطريق كان مزدحماً

عمر

بولوجومي

فاطمة

كان ثمه

المرأة

كان ثمة حادث

عمر

بولوجومي

فاطمة

أنت تهذي

عمر

بولوجومي

الرجل

بولوجومي

المرأة

بولوجومي

فاطمة والمرأة تدفعان الكرسيين

تسحب الإضاءة

انتهت

بني وليد 1993 م

مقالات ذات علاقة

مسرحية تتويج ملك – 3

حسن أبوقباعة المجبري

مسرحية خيالية

المشرف العام

في انتظار جميلة

منصور أبوشناف

اترك تعليق