مقدمة في كتاب الشابي وجبران – للكاتب القدير المرحوم خليفة التليسي /1955م
هذه مقدمة الحب الجميل، والإخلاص الكبير، والوفاء للأدب وفنونه، والمقدمة عميقة المعنى، ومتنوعة في المضمون، جمعت الكلمة البليغة، والعبارة الموجزة، وأنشدت سيرة شاعر ملك الأفئدة والعقول، وبحرت في قصائده الأجيال، ووقفت عنده الشعراء والنقاد، إنه الشابي شاعر الطبيعة والمشاعر الناعمة بدأت المقدمة بقول صاحب الكتاب: (لماذا أحببت الشابي؟).
سؤال رفيع المستوى يطرحه الكاتب للقارئ الذي يتمتع بسطور المقدمة والبحث عن جواب، ويجيب الكاتب قائلاً: (سؤال يتكفل بالرد عليه هذا الكتاب، ذلك لأن ما أحببته من الشابي، كان كثيراً متنوعاً لا يقف بي عند حدود الاعجاب البسيط العابر فهو لم يكن من الشخصيات التي تغنيك منها الوقفة العاجلة، ولكنه شخصية غنية، سخية إذا عدت إليها مرة بعد أخرى فلا بد أن تخرج من مصاحبتها بزاد جديد) والإجابة تظهر للقارئ عند قراءة الكتاب، والنظر في سطوره، وكان التشويق يبعث الفضول في المطالعة والكشف عن أسرار الحب للشاعر، ويؤكد المرحوم خليفة التليسي أن الشابي شخصية تحمل مميزات عديدة وتتصف بصفات كثيرة كقوله: (وأعظم ما أعجبني في هذا الشاعر الكبير صحة فهمه لرسالة الشعر وما اقل الأصوات التي تنطلق من الأعماق كما ينطلق صوته الخافت الهامس في قصائد الحب والعاصف الثائر في قصائد الوطنية) مقدمة مُحكمة في كلماتها وبلاغتها،أعطت للقاري بطاقة تعريف للشاعر وأبرز أغراضه الشعرية، والصدق في رسالته الفنية، امتزجت بالحب والإخلاص، والرشاقة في العبارة، واللغة التي تسكب المعنى النفيس في عقول قرائه.
يسرد صاحب الكتاب قصته مع الشابي قائلاً: (أول عهدي بهذا الغرّيد ذلك اليوم الذي وقعت فيه على قصيدته _ صلوات في هيكل الحب_ فتلوتها في خشوع العابد ورددتها في ضراعة الزاهد المتبتل ثم وجدني أحفظها مأ خوذا بسحر معانيها وروعة تعابيرها ورقة موسيقاها وبراعة التلوين والتصوير فيها) تمتعت المقدمة في وصف القصيدة وجمالها وبريق معانيها المؤثرة عند الكاتب خليفة التليسي الذي جمع الشكل والمضمون موجزا ومختصرا للمقام والمقال.
في المقدمة حركة الكاتب في طريقة التتبع للمحبوب، والبحث عن أشعاره، والنظر في منشوراته وفي ذلك يقول: (ومنذ ذلك اليوم أخذت أ بحث عن الشابي وطفقت أجمع كل ما يصل إلى يدي من قصائده حتى تكونت لدي مجموعة من شعره كنت حريصا عليها حرص البخيل على كنوزه لأنني وجدت فيها نغمة جديدة لم آلفها فيما كنت أقرأ من شعر وجدت الوضوح والعمق والبساطة) إنه يسعى للطموح والوصول إلى معالم النص عند الشابي،وبث فيها روح التجديد والتطور، وصار الكتاب (الشابي وجبران) دراسة متميزة غذت روافد كثيرة من أدبه، ولها حضور على المستوى العربي في الأدب العربي، وفي ذلك يقول المرحوم خليفة التليسي: (وقد قمت في سنة 1950م بإلقاء محاضرة عنه في قاعة المعارف في موسم محاضرات رابطة المعلمين، فكان لي بذلك شرف السبق إلى تعريف مواطني بهذا الشاعر العظيم الذي لم ينتشر عنه في ذلك الوقت أية دراسة، وكان اعتمادي في تلك المحاضرة على استخلاص الحقائق من شعره ودراسته في إطار الحركة الشعرية العامة في العالم العربي) إنه جهد الباحث الدؤوب على الاطلاع الدائم في شأن الأدب العربي، ونشر الجديد على المشهد الأدبي، وارتفعت مكانة المقدمة عند القراء لأنهم التمسوا مواطن الإبداع عند صاحبها، ومجهوداته الذاتية ، و تبعث الأمل في دراسات جديدة في أدب الشابي.
استمر الكاتب في العطاء والكتابة للشابي في فترات من حياته الأدبية، يؤكد قوله (وقد عدت إلى هذه المحاضرة في العام الماضي، حين وجدت إلحاحاً من بعض الأصدقاء في نشرها، فألفيتني راضياً عن الهيكل العام الذي صيغت فيه، ولكنني رأيت أن أتوسع في دراسة هذه العناصر مستعيناً في ذلك بما صدر من دراسات عن هذا الشاعر، وأن أنشرها مفصلة لكل جانب من جوانب هذه الشخصية) وضع الكاتب مفاصل الكتاب في مقدمته حتى تصبح في متناول القراء، وتكون الرؤية القريبة والبعيدة واضحة لديهم.
يقول الكاتب في موضع أخر للمقدمة: (وقد نشرت بعض فصول هذا الكتاب في صحف ومجلات طرابلس الغرب، على أن أغلب مقالات هذا الكتاب لم تنشر، وليس في هذه الدراسة شيء لم تسبق الإشارة إليه في تلك المحاضرة على نحو موجز. هذه محاولة.. حسبي منها تحية متواضعة لهذا الشاعر الذي أحببت) ففي المقدمة إشارة إلى الدراسات السابقة وأهميتها في الكتاب، ونلاحظ أن عنوان الكتاب (الشابي وجبران) وكانت المقدمة تتحدث عن الشابي دون غيره
المقدمة للأديب الراحل خليفة التليسي –رحمه الله- فهو جمع فنون الأدب من الشعر والقصة والنقد والترجمة، وأسس دعائم متينة في الأدب الليبي، وله كتب قيمة في المكتبات المحلية والعربية والعالمية، أحب اللغة العربية وأحبته حباً جماً، تراها تتلألأ مصابيحها اللغوية عند قراءة أعماله الأدبية، وحبذا أن نرى في المستقبل القريب دراسات أدبية متنوعة في مؤلفاته الثمينة.