حوارات

الروائى الليبى صالح السنوسى: اعتمد على الموروث الشعبى فى كتابة رواياتي

صحيفة الأهالي :: عيد عبدالحليم

الكاتب والروائي صالح السنوسي
الكاتب والروائي صالح السنوسي

صالح السنوسي، هو روائى وأستاذ جامعى ليبي، صاحب تجربة مميزة فى الكتابة السردية، يهتم كثيرا بإستلهام الموروث الشعبى البدوي، للتعبير عن لحظات إنسانية مختلفة، صدر له عدة روايات منها “الهروب من جزيرة أوستيكا ” و”حلق الريح ” و”يوم الحشر” وغيرها، كما أن له عدة مؤلفات فكرية من أهمها “العرب من الحداثة إلى العولمة” و”العولمة أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف” و”المأزق العربي.. غياب الفعل الجماعى وعنف الأقلية” حوار معه حول تجربته الإبداعية:

فى روايتك الأخيرة “الهروب من جزيرة أوستيكا نجد إبحارا فى عوالم مختلفة، ماهى منطلقاتك فى كتابه هذه الرواية؟

الرواية تتكئ على واقعة تاريخية وهى نفى رجال المقاومة الليبية أثناء الاستعمار الإيطالى إلى جزيرة أوستيكا فى البحر الأبيض المتوسط، هذه الجزيرة التى كانت سجناً لعتاة المجرمين بالمجتمع الايطالي، ويبعثون بهم هناك لينتهوا فى هذه الجزيرة، التى يحمل اسمها ما يمكن أن تمثله هذه الجزيرة من الخوف والرعب لأن “أوستيكا “ بالإيطالى معناة”جزيرة الأحجار المحروقة والجبال المحروقة “ هى جزيرة جبالها سوداء كل ما فيها يوحى بالخوف والكآبة والموت البطىء.

هل تعاملت مع التاريخ بشكله المجرد أم كانت هناك فرصة أكبر للخيال فى هذه الرواية؟

لا شك أننى مضطر إلى العودة إلى المصادر التاريخية، على الأقل بخصوص هذه الواقعة، وبقدر الإمكان حاولت البحث كل ما له صلة بموضوع المنفيين الليبين فى هذه الجزيرة ولكن المعلومات قليلة جدا، ومعظمها موجود فى الأرشيف الإيطالي.

ولم يكن غرضى هو إعادة كتابة التاريخ بخصوص هذه الواقعة وإنما أردت أن تكون مرجعة لروايتى التى ليست من غرضها أن تقدم تاريخاً مكتوبا بل تقدم التاريخ الذى تصنعه الرواية ذاتها.

الموروث الشعبى

فى رواياتك السابقة استلهمت الموروث الشعبى فى ليبيا وفى المنطقة العربية إلى أى مدى رأيت أن هذا الموروث من الممكن الإفادة منه؟

لا شك فى أن الموروث اعتبره أحد مصادر الإلهام والخيال، أعتقد أنه بدون هذا الموروث لا يمكن الحصول على إبداعات فى شتى مجالات الإبداع، وأنا كغيرى من الذين يوظفون الموروث لخدمة الخيال، حاولت أن أوظف هذا الموروث ليس فقط كمصدر من مصادر الإلهام بل أيضا كمساءلة للحاضر والمستقبل من خلال استنطاق هذا الموروث، ولعل أكثر رواياتى إتكاء على الموروث هى رواية “حلق الريح “ التى صدرت عن دار الهلال عام 2003، والتى اتخذت من القبيلة كمكون اجتماعى فى المجتمع العربى بوجه عام، منطلقاً لنقد الواقع العربى من خلال استدعاء ماضى القبيلة “أنثربولوجياً” واستشراق الواقع من خلال هذه الظاهرة الاجتماعى التى هى “القبيلة”، ورغم أن الحدث الروائى يجرى جغرافيا فى “ليبيا” لأن “حلق الريح” هو وادى موجود فى الجغرافيا الليبية إلا أن معالجة الأحداث توحى بأن حلق الريح هو نموذج لكل المنطقة العربية التى توجد بها قبيلة تحولت فيما بعد إلى دولة وسلطة.

هل التحولات السياسية والاجتماعية فى ليبيا فى السنوات الأخيرة لم تغرك على كتابة رواية تستلهم فيها هذه الأحداث؟

فى الحقيقة ألهمتنى بكل شىء ماعدا كتابة الرواية، لأن هذه الأحداث لا تزال فى حالة اضطرام وتبلور، وفى حالة حركة، وبالتالى أعترف أننى لم استطع أن أقبض على بداية خيط روائى وتخلق روائى فى وسط معمعة هذا الحراك العنيف، وبالتالى فضلت المراقبة والتأمل حتى أستطيع أن أقع على بداية تشكل عالم روائى من خلال هذا الواقع الاجتماعى والسياسى الذى هو فى حالة سيولة، وليس من السهل القبض على لحظات استقرار يمكن من خلالها الوصول إلى حالة من الإلهام والإبداع.

القصة القصيرة

كل أعمالك تأتى فى إطار الرواية فماذا عن القصة القصيرة؟

حقيقة بدأت بكتابة الرواية، وهذا قد يكون ليس هو المنحى الذى صار عليه الكثير من الكتاب/ كتاب القصة والرواية، فأذكر أننى بدأت أول محاولة فى الكتابة وكانت رواية، ولكنها بالطبع عندما أعود إلى المخطوط الآن بعد خمسين عاما من المحاولة أسخر من نفسى لأننى تصورت أنه يمكن كتابة رواية فى مرحلة التجريب والبدايات، وعندما أسأل نفسى لماذا بدأت بمحاولة كتابة الرواية فأجد أن السبب ربما هو البيئة التى ولدت وترعرعت فيها وهى البيئة البدوية حيث إن “البدو” فى أسفارهم وترحلهم يفضلون قطع الطرق والمسارب الطويلة المقفرة بالحديث على شكل روايات طويلة يستعينون بها على طول الطريق، ووحشة ما حولهم من البيئة الصحراوية، ومع ذلك حاولت أثناء إقامتى فى “ باريس” أن أكتب القصة القصيرة فى المجالات التى كانت تصدر فى الثمانينيات هناك، وهى مجموعة من القصص ولكننى لم أجمعها فى مجموعة لأن القصة القصيرة بالنسبة لى هى استراحة بين رواية وأخرى.

ما مدى استلهام البيئة الصحراوية والبدوية فى رواياتك؟

أعتقد أن أفضل نموذج لهذا الاستلهام هو رواية “حلق الريح” فهى تجربة أحداثها فى بيئة بين الصحراء والساحل، وكما قلت استلهمت القبيلة كواقع اجتماعى وأنثربولوجى وسياسى أيضا، واعتبرها إحدى أعمال التى أعتر بها كثيرا، ولو كانت تحمل اسم أحد الذين حولهم الدعاية والشو الإعلامى فى المشهد الثقافى العربى لنالت من الاهتمام أكثر مما حصلت عليه فى الواقع.

أنا أعتبرها عملاً مميزاً لا ينقصه سوى اسم أحد أيقونات المشهد الثقافى العربى الذين يتمتعون بالدعاية والتضخيم لأعمالهم.

ولهذا أعتبر أن هذه الرواية مظلومة لأنها حملت أسم “صالح السنوسي”.

ظلم نقدي

معنى ذلك أنت تحس بأن هناك ظلماً نقدياً وقع على أعمالك؟

نعم، أحس أن ما نالته وما نالته أعمالى من اهتمام ليس فى حجم ما تمثله هذه الأعمال وهناك تجاهل من جانب النقاد العرب، لأن المشهد الثقافى العربى هو شبيه بالمشهد السياسي، أى أنه يعتمد على “العصبة” و”الغنيمة”. ففى المشهد الثقافى العربي، هناك عصائب على المستوى القطرى والقومى تتضافر ويشد بعضها بعضاً، ويتبادلون المصالح التى يمثلها هؤلاء، فهم أشبه بالمافيات الثقافية التى تحوز على غنائم بفعل قربها من السلطة، وهذا يمكنهم من تبادل المصالح، فإن لم تكن لديك ما تتبادله مع هؤلاء فأنت لن تكون ضيفاً فى المؤتمرات والمعارض والندوات، وترشيحات الجوائز.

وأنا رجل ليس قريبا من السلطة وليس صاحب علاقة مع المؤسسات الثقافية العربية وأيضا الغربية، وبالتالى فإننى معزول عن كل هذا الحراك وبعيد عن كل هذه الأضواء.

هذه حالة عامة كيف ترى الخروج منها؟

أنا نموذج ممن هؤلاء المبعدون عن الأضواء بفعل التجاهل النقدى الثقافى حقيقة أنا لا أملك إجابة حقيقية، ولكن اتصور أن هذا ينتهى عندما تكون قيمة الإبداع هى المعيار الوحيد لإبراز عطاءات من يستحقون الاهتمام، وأعتقد أيضا أن هناك جانباً ثقافيا وسياسيا يغذى هذه الحالة، فالقرب من السلطة هو الذى يفتح الطريق أمام المثقفين بوجه عام وليس فقط قيمتهم الإبداعية.

وأيضا هناك مسألة أخرى تتعلق بالعلاقة بين الغرب الثقافى والمبدعين العرب، وهو أن الغرب الثقافى فى خدمة الغرب السياسي، وبالتالى فإن الاهتمام بأى مبدع عربى من قبل الغرب الثقافى لابد أن يمر من خلال رضا الغرب السياسى عن هذا المبدع من خلال الموضوعات التى يتعرض إليها، فإن لم تكن مفيدة فى نظر الغرب السياسي، فإن هذا المبدع لن يلتفت إليه الغرب الثقافي، وذلك من خلال الدعوات والجوائز والمؤتمرات وتقديمه كنموذج يجب الاقتداء به من قبل المبدعين الآخرين.

ولهذا ترى أن هناك تسابقاً على موضوعات بعينيها تنال رضا الغرب السياسى من قبل المبدعين العرب، فالطائفية والعرقية والدين، والغرائب والعجائب والدروشة وكل هذه القضايا التى يمكن أن يوظفها الغرب السياسى فى استراتيجيته، هى التى تؤخذ كمعيار الذى من خلاله تقييم المبدع العربى.

كتب فكرية

هل لك عدد كبير من المؤلفات الفكرية والسياسية الخاصة بوضعية ومستقبل الفكر العربي؟.

لدى مجموعة من الكتب صدرت منذ عام 2000 أول كتاب كان تحت عنوان “العرب من الحداثة إلى العولمة “ ثم صدر بعدة كتاب” العولمة أفق مفتوح وإرث يثير المخاوف “ثم بعده كتب” المأزق العربى” غياب الفعل الجماعى وعنف الأقلية “ثم كتاب” إشكالية المجتمع المدنى العربى” و”العصبية والسلطة والغرب”.

وهذا الكتاب يحاول أن يرصد تأثير مفهوم العصبة بجميع أنواعها القبلية والجهوية على ظاهرة المجتمع المدني، وأيضا تأثير السلطة فى تشكل ظاهرة المجتمع المدنى العربي، وأيضا دور الغرب السياسى فى التأثير على تشكل هذه الظاهرة ومحاولة اختراقها وتوظيفها لخدمة المصالح الاستراتيجية للغرب، وبالتالى فإن تشكل المجتمع المدنى العربى يعانى من ثلاثة معوقات هي: العصبة وهذا يتعلق بالبنية الاجتماعية لهذه المجتمعات، والعائق الثانى يتعلق بشكل السلطة التى تعادى أية ظاهرة اجتماعية تريد أن تعبر عن وجود قوى اجتماعية وسياسية فى مواجهة سلطان القوة الذى تمثله الأنظمة العربية، وكذلك وجود الغرب السياسى بكل ما يمثله من ثقل ثقافى ومادى ومعنوى يضغط بقوة على بنية هذه المجتمعات ليؤثر فى تشكل أية ظاهرة بما فيها ظاهرة المجتمع المدني.

مقالات ذات علاقة

حـقـقـت فـي إيطـالـيـا ما لم أحـقـقـه فـي لـيـبـيـا

المشرف العام

حـوار صـريح .. مع الدكتور محمد محمد المفـتي

المشرف العام

عائشة المغربي: المرأة الليبية شاركت في الثورة ثم تحوّلت إلى “غنيمة حرب”

المشرف العام

اترك تعليق