في مثل هذه الايام من اكتوبر عام 1967 زار بنغازي الشاعر محمد الفيتوري بدعوة من صحيفة الحقيقة. اْحيا اْمسية شعرية بنادي الهلال في مقره السابق بشارع ادريان بلت يوم الاثنين 23 اكتوبر 1967. شارك في هذه الامسية الى جانبه الشاعر حسن صالح. واْدارها وقدمها الكاتب والقاص يوسف الدلنسي.
اْذكر جيدا اْن الشاعر ابراهيم الهوني حضر تلك الامسية تحت وطاْة الارهاق والتعب والمرض وشارك بقصيدة رحب فيها بالشاعر وحيا من خلالها اْهل السودان واْلقاها نيابة عنه الاستاذ المحامي عبدالحميد الرعيض. واْثناء زيارة الفيتوري الى بنغازي التي دامت اْياما دعاه الاستاذ الهوني الى بيته في سهرة شعرية مع بعض اْدباء وشعراء بنغازي. هنا اْرتجل الفيتوري بيتين من الشعر تحية للهوني:
شعر سعدنا به حينا واْمتعنا…….. اْنسكابه من شفاه الشاعر الهوني
دعني اْقل لاْمير الشعر في وطنى….. ليبقى شعرك تاجا للملايين
ولد ابراهيم محمد عبدالقادر شولاك الهوني في بنغازي عام 1907 ودرس علومه الاولية بالمدرسة العربية الايطالية طبقا للنظام التعليمي السائد تلك الفترة ثم نال شهادة امتحان التعليم عام 1938 وعمل مدرسا للمراحل الابتدائية في المرج وطبرق. ثم عمل بعدها مديرا لمنطقة القوارشة وطلميثه والابيار.
في عام 1950 التحق بسلك القضاء بعد اجتيازه تأهيلا لإعداده لهذه المهنة فعين قاضيا في عدة مناطق من ضمنها المرج التي جمعته مع شاعرين اخرين عملا اْيضا في السلك نفسه هما : ابراهيم الاسطى عمر وعبدربه الغناي. وبعدها عين وكيلا لمحكمة بنغازي الابتدائية ومستشارا بمحكمة الاستئناف.
الهوني الشاعر والقاضي بداْ اهتمامه بنظم الشعر منذ اْعوام الثلاثينيات الماضية من القرن العشرين وقدم بعض المحاولات في نظم الشعر المترجم عن الانجليزية لكنه لم يستمر فيما ظل يطعم شعره بين حين واْخر في بعض القصائد بعبارات ايطالية.
نشر نتاجه في صحف برقة الجديدة والعمل والرقيب والحقيقة وله مساجلات شعرية عديدة مع الشعراء الزبير السنوسي وحسن السوسي وعبدربه الغناي واْشتهر بقصيدته الطويلة (حسناء قورينا) التي لم تنشر ضمن ديوانه الصادر عام 1966 عن دار مكتبة الاندلس في بنغازي والقصيدة تعتبر محاورة وسجالا مع الشاعر احمد الشارف واْخرين في طرابلس خلال مخاض الاربعينيات الذى شهدته ليبيا وتعتبر صدى شعريا وموقفا الاتجاهات السياسية في تلك الفترة. كما اْن للهوني معارك شعرية طاحنة اْن صح القول مع الشاعر احمد رفيق في الفترة نفسها وقد رثاه الهوني بقصائد جميلة بعد وفاته في يوليو 1961. وفي جانب اخر من حياته الادبية المغمورة نظم الشعر الشعبي وله مساجلات في ذلك مع صديقه على الساحلي ولكن لم ينشره.
قصائد الهوني كثيرة وتناول فيها العديد من الاحداث والمناسبات وقد داْب على تدوينها في سجل خاص لم ينشر اْغلبه وتولى صهره المرحوم القاص بن عيسى الجروشي متابعة ذلك التدوين.
الشاعر الهوني من شعراء المدرسة التقليدية الليبية الذين التزموا نظام الشعر المقفي. وكان شعره تعبيرا عن المواقف النفسية والمشاعر الخاصة التي مرت به وبالوطن وبالأصدقاء كما لجاْ الى الرمز من خلال مناجاته البوم ومخاطبة الحوت. وقد لاحظ بعين الشاعر الفاحصة التغيرات والتبدلات التي طراْت على المجتمع الليبي اْثر ظهور البترول ورثى والده ووالدته وعديد الاعلام بقصائد مؤثره داخل وخارجه وكان اْخر ما نظمه مرثيته في المجاهد السيد صفي الدين الشريف السنوسي الذى رحل قبله بأيام قليلة.
الثلاثاء 31 اكتوبر 1967 صمت الشعر. رحل ابراهيم الهوني. وظل واضحا وكبيرا لا تخطئه العين الخبيرة في مشوار شعراء الوطن في ليبيا.