من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
المقالة

نظرية التغيير إلى الأفضل: الجوهر قبل المظهر

من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي
من أعمال الفنان التشكيلي رضوان الزناتي

لطالما كان التغيير إلى الأفضل طموح الإنسانية على مر العصور سعيا منها لتنظيم وتنمية وتطوير نمط حياتها وعملها دائما للأفضل، ابتداء من تغييرها لطريقة تفكيرها بتجديدها لأفكارها ونظرياتها وابتكاراتها كل ما مرت عليها فترة من الزمن، فكل الفترات الزمنية تختلف فيها أفكار الإنسانية ونظرياتها وابتكاراتها تماما عن أفكارها ونظرياتها وابتكاراتها السابقة، كل هذا الطموح سعيا منها لتوفير وتسهيل سبل حياتها وتنمية وتطوير وتنظيم نمط حياتها بالتغيير دائما للأفضل.

وبما أن التغيير إلى الأفضل هو طموح لدى الجميع سواء على صعيد الأشخاص في حياتهم الاجتماعية والمهنية للارتقاء بها إلى الأفضل، أو على صعيد إدارات الدول في أنظمتها ولوائحها الإدارية لتنظيم وتسيير شؤونها للإرتقاء بها إلى الأفضل أيضا، من هنا أقول إذًا أن الاختلاف يكمن فقط في تعدد وجهات النظر والآراء حول ماهية وكيفية التغيير إلى الأفضل من شخص لآخر ومن إدارة دولة لأخرى، ويبقى اختلاف الإنسانية في أفكارها وآرائها ووجهات نظرها أمر طبيعي ولا يفصل للود قضية.

أرى من وجهة نظري الخاصة أن ناتج التغيير الصحيح للأفضل لا يكون إلا بفهم ماهية التغيير للأفضل أولا، وباستثمار كل النعم التي وهبها الله للإنسان بطريقة أفضل عند إرادة التغيير ثانيا، وتبقى إرادة التغيير للأفضل أساسا لهذا التغيير، قال تعالى: (إن الله لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد:11]، والتوفيق عند إرادتنا التغيير للأفضل هو من عند الله تعالى وإرادته، قال تعالى في سورة هود : (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) [الآية:88].

العديد من وجهات النظر والآراء ترى في ماهية التغيير للأفضل على أنها التغيير الذي يطرأ على مظاهر الأشياء فقط، أي أن ماهية التغيير للأفضل تكمن عندها في تغير مظاهر الأشياء عند إرادتها التغيير من مظاهر سيئة إلى مظاهر حسنة دون تغيير ما بالجوهر الداخلي من سوء، ليكتفوا بتغير المظهر الخارجي فقط من مظهر سيء والذي هو سبب التغيير إلى مظهر حسن ليكون هو ناتج التغيير، سواء على صعيد إرادة التغيير لدى الأشخاص أو على صعيد إرادة التغيير لدى إدارات الدول.

وترى أيضا مثل هذه الوجهات من النظر أن كيفية التغيير للأفضل تكمن في الاكتراث بتغيير مظاهر الأشياء المراد تغييرها بأخذ الصورة الحسنة – المراد التغيير إليها – والانتقال بالمظهر السيء – المراد تغييره – ليصبح مطابقا لصورة المظهر الحسن، دون الاكتراث بتغيير ما بالجوهر الداخلي من سوء، فتتحصل بذلك على ناتج تغير مظهري فقط من صورة مظهرية سيئة إلى صورة مظهرية أفضل. هكذا تكون محصلة التغيير لمثل هذه الوجهات من النظر بتغير مظهري فقط دون تغير ما بالجوهر الداخلي من سوء فهو لم يتم الاكتراث به في عملية التغيير، وبذلك تكتفي مثل هذه الوجهات من النظر بمحصلة التغيير المظهري فقط على أنه تغير كلي عند إرادتها التغيير للأفضل، سواء على صعيد الأشخاص أو على صعيد إدارات الدول !.

لا أتفق حقيقة مع مثل هذه الوجهات من النظر، بل أرى أن إرادة التغيير في مظاهر الأشياء فقط لا تكون محصلتها سوى تغير طفيف وجزئي على المظهر الخارجي فقط، والسبب في ذلك يرجح لعدم قناعة الجوهر الداخلي بهذا التغيير من عدم إدخاله في عملية التغيير للأفضل، ومما ينتج عن مثل هذا التغير المظهري فقط هو عدم اتزان المظهر الخارجي المتغير مع الجوهر الداخلي الذي لم يتم إدخاله في عملية التغيير بتاتا، ومن رأيي أن مثل هذا التغيير لا يمكن أن نصفه بأنه تغيير كلي للأفضل بل هو تغير طفيف وجزئي مع مساوئ أكثر.

أرى من وجهة نظري الخاصة أن الاكتراث فقط بتغيير المظهر الخارجي عند إرادة التغيير للأفضل يحدث الخلل في محصلة التغيير فتصبح طفيفة وجزئية مما ينتج عنها التشتت من عدم اتزان التغير في المظهر الخارجي مع الجوهر الداخلي الذي لم يتم إدخاله في عملية التغيير ولم يتم تغيير ما به من سيء إلى أفضل بدءا به عند إرادة التغيير للأفضل.

ومن هنا أقول وجهة نظري بتفصيل بسيط : إن المظاهر الخارجية هي بطبيعتها متغيرة فهي لا تعبر بالضرورة عن المبادئ والقناعات الراسخة والحسنة في الجوهر الداخلي، فكما نعلم جميعا أن المظاهر غالبا ما تكون مخادعة ولا تعبر بالضرورة عن حقيقة أصحابها، هذا الخداع الذي غالبا ما نلاحظه يكمن سببه في الاكتراث بالتغيير في المظاهر الخارجية فقط من سيء إلى أفضل عند إرادة (الشخص أو الدولة) التغيير إلى الأفضل، دون قناعة الجوهر الداخلي الذي لم يتم إدخاله في عملية التغيير ولم يتم تغيير ما به من سيء إلى أفضل بدءا به عند إرادة التغيير، هنا يقع (الشخص أو الدولة) في خداع نفسه على أنه تغير للأفضل قبل أن يقع في خداع الآخرين، وغالبا ما يكون سبب عدم اتزانه وتشتته هو اتباعه لهذه الطريقة الخاطئة عند إرادته التغيير للأفضل، أي باتباعه طريقة تغيير مظهره الخارجي فقط من سيء إلى أفضل دون تغيير ما بجوهره الداخلي من سيء إلى أفضل وهنا يقع الخلل وعدم الاتزان بين الجوهر الداخلي والمظهر الخارجي.

قد يظن البعض أن التغيير للأفضل بطريقة تغيير المظهر الخارجي فقط هي الطريقة الأسهل والأقصر مدة للتغيير، لِمَا في تغيير ما بالجوهر الداخلي من أشياء سيئة إلى أشياء حسنة من بحث ومشقة وتعب ومدة أطول من المدة التي يستغرقها تغيير المظهر الخارجي فقط، ولكنه حقيقة تستحق العناء ، فتغيير المظاهر الخارجية دائما سهل ولكنه تغيير طفيف وجزئي كما أسلفنا سابقا ولا يعبر عن قناعة الجوهر الداخلي إذا لم يتم إدخاله في عملية التغيير بدءا به عند إرادة التغيير، بتغيير ما به من سيء إلى أفضل، فهنا يكمن سبب الخلل وعدم الاتزان والتشتت عند مثل تلك الوجهات من النظر والتي ذكرتها سابقا ، فعند ترك تراكمات الأخطاء وشوائبها السيئة على المبادئ والقناعات الراسخة والحسنة في الجوهر الداخلي والاكتفاء فقط بتغيير المظهر الخارجي من سيء إلى أفضل ستكون عندئذ محصلة هذا التغيير الطفيف والجزئي هي التشتت من عدم اتزان الجوهر الداخلي الذي ترك ما به من تراكمات الأخطاء وشوائبها السيئة مع المظهر الخارجي الذي تم الاكتراث به فقط في عملية التغيير ، فيكون ناتج التغيير غير متزن ومتشتت ومقارب للخداع إلى أن يتم إزالة تراكمات الأخطاء والشوائب السيئة من على المبادئ والقناعات الراسخة والحسنة في الجوهر الداخلي. ومن هنا جاء عنوان نظريتي .. نظرية التغيير إلى الأفضل : الجوهر قبل المظهر.

إن كيفية التغيير للأفضل من وجهة نظري تكمن في البدء بالجوهر قبل المظهر، فغالبا ما تشوب الجوهر الداخلي بعض تراكمات الأخطاء وشوائبها السيئة حول المبادئ والقناعات الراسخة والحسنة، تلك التراكمات من الأخطاء وشوائبها السيئة تلزم منا البدء بها عند إرادة التغيير للأفضل، فالمبادئ والقناعات الراسخة والحسنة تعطي انعكاسا حسنا على المظهر الخارجي ولكن تراكمات الأخطاء وشوائبها السيئة حولها تعطي انعكاسا سيئا على المظهر الخارجي، ومن هنا أتت إرادة التغيير للأفضل بدءا بالجوهر قبل المظهر حسب وجهة نظري، ويكون ذلك بإزالة وتغيير كل ما بالجوهر الداخلي من أشياء سيئة إلى أشياء حسنة فينعكس هذا التغيير للأفضل في الجوهر الداخلي على المظهر الخارجي فيتغير هو أيضا للأفضل، مع انعكاس المبادئ والقناعات الراسخة والحسنة في الجوهر الداخلي على المظهر أيضا بعد زوال تراكمات الأخطاء وشوائبها السيئة من عليها، فنتحصل بذلك على تغيير كلي للأفضل بدءا بالجوهر قبل المظهر، والناتج عن هذا التغيير للأفضل هو اتزان بين المظهر والجوهر بمحصلة تغير كلية ومتزنة جوهرا ومظهرا، فالتغيير للأفضل حسب وجهة نظري يبدأ بالجوهر قبل المظهر. ليست كمالية فلا كمالية للإنسانية ، بل انتقالية من حالة إلى حالة أفضل منها فهذا دافع استمرار طموح الإنسانية والدول دائما بأن تصبح أفضل مما هي عليه .

– ( نظرية التغيير إلى الأفضل ) : ” التغيير للأفضل هو إزالة كل ما هو سيء وإضافة كل ما هو حسن بدءا بالجوهر قبل المظهر عند إرادة التغيير، ويكون التغيير للأفضل بدءا بأنفسنا قبل غيرنا بفهم ماهية التغيير وكيفيته، ويظل طموح التغيير للأفضل دائما بين أعيننا باحترامنا المتبادل لآرائنا ووجهات نظرنا فهي عامل مهم لنجاحنا “.

علي الحبيب بوخريص

مارس / 2015

مقالات ذات علاقة

مُدونـات وحَوائِـط

فاطمة غندور

أفَلا نخجل

علي باني

أين ليبيا التي عرفت؟ (39)

المشرف العام

اترك تعليق