كريم عبدالله
حديثنا اليوم عن صوت المرأة الشاعرة في السرديّة التعبيرية ونختار بعض القصائد كي نشير إلى مستوى الإبداع وكميّة الشعرية فيها، ونستنشق عبير هذه القصائد النموذجية .
وكما قلنا في مقالنا السابق حول الرسالية بأنها تنقسم إلى رسالية اجتماعية وتناولنا فيها الشاعرة: مرام عطية، وسنتناول بعدها الشاعرة: لينا قنجراوي، وبعدها الشاعرة: حنان وليد. أما فيما يخصّ الرسالية الفنية فسنتناول فيها كلا من الشاعرة: أحلام البياتي والشاعرة سميرة محمد محمود، والشاعرة: بتول الشبيب .
إنما نقصد بالرسالية الفنية / الجمالية / هو الكتابة بعمق والإشتمال على الأصالة والتجديد، فإن الكتابة بالسرد التعبيري وبصيغة الكتلة النثرية الواحدة / الأفقية / تشتمل على عناصر الأصالة والتجديد والابتكار والتطوير. وأصبحت تمتلك مساحة يستطيع الشاعر أن يتحرّك فيها بحرية يعبّر من خلالها عن الرؤى وتطويع اللغة، فأصبحت اللغة فيها لغة استشكافية مراوغة تبتعد عن المباشرة والسطحية وتحمل طاقات متفجرة، تتلون في خطاباتها وتتموج اللغة ما بين التوصيلية والانحراف اللغوي العظيم، ومن خلال وحدات نصّية متجاورة ممتالية وكما في نصّ الشاعرة: أحلام البياتي “هي” حيث تختفي كينونة الأنثى في طيّات هذا العنوان، ومن ثمّ تبدأ بالتصريح عما يجول في أعماقها وتسقطه على هذا النسيج اللغوي وهي تصرّح علنا عن ذاتها المكبوتة.
نجد هنا أن لكل مفردة سحرها وتأثيرها وأهميتها في هذا النسيج وكما في هذا المقطع: “وبدهشة أناملي وهي تسير بدون بصر على حشائش روحي التائهة في مضايف الدواوين تبحث عن قضمة تسد رمق السنين الموجعات”.
هنا نجد اللغة الجديدة التي تتجاوز القوالب الثابة والصيغ المتعارف عليها، حيث اللغة تنفلت وتتشظّى بغموضها المحبب وما تمتلكه من إيحاءات وابتعاد عن المعهود لتعبّر عن موقف معين وإضفاء الحياة والدهشة من خلال انزياحات هذه اللغة. إن الخروج من واقعية اللغة وإضفاء اللغة العميقة القادمة مما وراء الحلم يحقق جمالية فذّة تتكشف بوضوح تثير شغف المتلقي بالقراءة اكتشاف مكنونات النصّ فتكون حيّة رهيفة مشعّة متحركة كما في هذا المقطع: “تطوف بحروف مقدسة اختمرت منذ أمد بعيد وحان موعد قطافها”. إن كل كلمة تمتلك قيمة من خلال رنينها وإيحاءاتها وصوتها الموسيقي المنبعث من خلالها، حيث ان اللغة تريد أن توحي بالكثير وتقلق المتلقي بغرابتها وترفها كما في هذا المقطع: “تطوف بحروف مقدسة اختمرت منذ أمد بعيد وحان موعد قطافها”. لا بدّ للشعر أن يمتلك عنصر المفاجأة التي تذهل المتلقي وأن تمتلك زخما شعوريا عن طريق جمالية تنبعث وتتحرر من خلال وحداتها البنائية وكما في هذا المقطع: “فأصابت كبد الحقيقة مقطرا من هول المفاجأة قطرة، قطرة ثم اجتمعن في مساحة قطرها قلبي الفاقع لونه المزرق”.
إن النصّ ينقل إلينا الإحساس العميق بالوحدة والقلق والريبة والانتظار نتيجة ما يعانية الإنسان / المرأة / نتيجة قسوة الواقع، لقد اختتمت الشاعرة نصّها هذا بالصمت والانكفاء نحو الداخل بعدما حاولت في بدايته التصريح والإعلان عن خلجاتها ويختفي صوتها بالتدريج كما في هذا المقطع الاخير: “فتكتمل قصة كل مساء نسخة طبق الأصل”.
إننا إذ نقدّم ها هنا كاتبات السردية التعبيرية إنما نحاول اكتشاف ملامح السرد التعبيري، ما نقدّمه ليس نقدا كما هو متعارف عليه، إنما محاولة قراءة هذه النصوص وفتح الطريق أمام من يريد الكتابة بهذه الطريقة الجديدة. فلا بدّ إذن من الإشادة بجمالية هذه النصوص وتوثيقها ونشرها على نطاق واسع. لقد استطاعت الشاعرة أحلام البياتي أن ترسم لنا هذه اللوحة الجميلة والمدهشة بما منحتها طريقة الكتابة هذه وحلّقت عاليا في سماء السرد التعبيري .
النصّ :”هي” بقلم: أحلام البياتي – العراق
وبدهشة أناملي وهي تسير بدون بصر على حشائش روحي التائهة في مضايف الدواوين تبحث عن قضمة تسد رمق السنين الموجعات. تطوف بحروف مقدسة اختمرت منذ أمد بعيد وحان موعد قطافها؛ فأصابت كبد الحقيقة مقطرا من هول المفاجأة قطرة، قطرة ثم اجتمعن في مساحة قطرها قلبي الفاقع لونه المزرق؛ فتكتمل قصة كل مساء نسخة طبق الأصل .