عواطف الطشاني
السلام عليكم…
حين تجاوزت أمي المرحلة الإبتدائية من دراستها، وكانت تسكن في ضاحية تاجوراء قرب العاصمة، توجب عليها ان تدرس في وسط العاصمة، فلم يوجد في جوارها تعليم ما بعد الابتدائية… لكن هذا الامر قوبل برفض عائلتها، وعندما سدت امامها السبل، لم تجد سوى مراسلة السيدة “خديجة الجهمي” التي كانت تقدم برنامجا في الراديو أنذاك… ولسوء الحظ دعمت السيدة خديجة، في برنامجها وعلى الهواء قرار العائلة، وطلبت من والدتي ان تصبر وتطيع.. وقالت لها إن لم تدرس عائشة فستدرس اعويشة (تقصد بناتها والجيل القادم) وبمعنى ان سيكون هناك اخريات، سيحملن الراية، فلا داعي لرفض مطلب عائلتها او عصيانها..!!!
قضية محيرة!!
دائما ما أتساءل هل يمكننا كنساء عن ان نتحدث عن قضيتنا بموضوعية وتوزان؟
برغم كوني كمحامية، تعرضت لعشرات القضايا في مجال الاحوال الشخصية من زواج وطلاق وحقوق للنساء، وكوني كوكيل سابق لوزارة الثقافة والمجتمع المدني، قد واجهت قضايا عديدة في صلب القضية النسوية، وكما أن عملي الحالي بديوان رئاسة الوزراء، يمكنني من الاطلاع على العديد من الامور فيما يخص هذا، لكن تعقيدات المسالة في ليبيا، تجعل التواضع مهما جدا، فمسألة حقوق المراة في بلادي، تصيب بالحيرة فعلا!!!.
نقول دائما أن لكل قضية ثلاث مستويات مستوى عام.. ومستوى خاص.. ومستوى أكثر خصوصية، ولكل مستوى سماته ونقاط مشتركة تنقص بالنزول بين المستويات وتتسع بالصعود بينها. ففي المستوى العام لا تختلف مطالب النساء عبر العالم، في المساواة، ومواجهة الواقع الاجتماعي الرجولي، حيث أن علاقة التقابل بين الرجل والمراة، قديمة قدم التاريخ، منذ أن قيل أن حواء أغرت آدم بالتفاحة، فدفع هو الثمن، وتحمل المسؤولية، ولعلها من هنا بدأت الاساطير عن الدور السلبي للمرأة، وإن كانت المجتمعات الغربية قد تجاوزت هذا ولو نسبيا، بتحولها إلى إمراة منتجة، مستقلة اقتصاديا، فأمكنها شراء “التفاح” دون ان تطلب او تغري احدا بذلك، فلا زالت نسوة أخريات حول العالم، يعانين التهمة بالدور السلبي المعطل، الذي يجعلهن، موضوعا للوصاية الرجولية.
من قيادة الدولة… إلى قيادة السيارة!!
أما في المستوى الخاص الذي اعنيه هنا في تحليلي فهو المجتمعات الشرقية او العربية والأسلامية، فمع اشتراك نساء العالم جميعا في مطالبات الحقوق والمساواة، إلا أن صورة ونمط وسقف هذه المطالبات تختلف، فالمرأة التي بات أمر قيادتها للدولة امرا طبيعيا ورهنا بصندوق الانتخاب فقط، تختلف عن المراة التي تناضل للحصول على حق قيادة السيارة، او السفر بلا محرم، أو حصول ابنائها على جنسيتها، بمعزل عن جنسية الآب.
ثم هناك المستوى الأكثر خصوصية وهو ما اقصد به المراة الليبية، التي هي في حالة اعتبرها فريدة او مختلفة، فالمراة الليبية وعبر التشريعات والقوانين، تتمتع بهامش كبير وحقيقي، ربما لا تتمتع به المراة في كثير من مناطق العالم الاسلامي والعربي، فالمدونة القانونية سمحت للمراة بالترشح والانتخاب منذ قيام الدولة عام 1951، وقضية مثل قيادة السيارة لا تبدو مطروحة للنقاش بشكل رسمي وقانوني على الاطلاق. فعمل المراة في التعليم أو الصحة، والقضاء والنيابة أو القطاع الإداري، وحتى الجيش والشرطة، فهو في الغالب الاعم مشروع بل وربما مطلوب، لكن هذا الامر لم يصل بعد إلى درجة تحرر المرأة اقتصاديا.
ومن جهة اخرى، ورغم الحقوق القانونية فلا زالت نساء ليبيا، مبعدات تماما عن القيادة السياسية للدولة، فهناك تسع اعضاء للمجلس الرئاسي ليس بينهم إمرأة، وهي ايضا لا تشغل اي منصب قيادي في البرلمان ولا لجانه السيادية. وكذا في مجلس الدولة الاستشاري، وهي المؤسسات الثلاث التي انبثقت عن الاتفاق السياسي. والذي تؤكد عديد نصوصه ضرورة ايلاء دور نسوي قيادي.
قرارات نخبة أم حراك نسوي؟؟
ولعل من المفارقات ايضا، ان الربيع العربي يمثل واقعيا حالة مختلفة عن شعاراته، والمباديء التي يقال انه قام لاجلها. فقبل ثورة فبراير كان القانون الليبي يمنع تعدد الزوجات، ولكن اعلان التحرير وقيام دولة ما بعد القذافي شهد انتكاسة، عن هذا. وحتى من يقول انه يقاتل الاسلاميين المتهمين بالتشدد، في شرق ليبيا مثلا اصدر قرارا بمنع سفر المرأة بدون محرم، مشترطا بالمناسبة ان يكون المحرم قريبا من الدرجة الاولى ويكفي يبلغ 18عاما طالما هو ذكر. هذه الحالة المتناقضة بين الواقع القانوني، والحياة العملية، وبين الشعارات السياسية والتعامل بعكسها في القرارات والاجراءات، جديرة بالتامل فعلا.
الحقيقة الموجعة أن التقدم القانوني والتشريعي هو امور نخبوية فرضت من الارادة السياسية، وليست عبر نضالي نسوي ثقافي اجتماعي، وبالتالي فكل الحقوق عرضة للضياغ او الانتقاص ضمن المزايدات السياسية، خاصة مع نمو تيارات دينية متشددة تجاه قضية المراة.
تفاح… بدون نكهة!!
هذا التناقض يجعل السؤال مشروعا: هل نحن فعلا بخير؟ ويصبح ممكنا طرح السؤال بصيعة اخرى، هل نحن حقا في حالة سيئة، ومن الواضح أن نعم أو لا عن كلا السؤالين، قد لا تصيب الحقيقة. لكن من المؤكد كما قلنا أن تجربة المراة الليبية جديرة بالدراسة بما فيها من اختلاف ومن خصوصية، ومن مفارقات… فمن الواضح ان المراة في ليبيا لا تحتاج أن تطلب من احد أن يقطف لها التفاحة، فبإمكانها غالبا أن تحصل عليها بنفسها، ولكن إذا حدث هذا ، فسيكون من المشكوك فيه كثيرا ان تستمتع بها.
عندما قالت تلك السيدة في برنامجها المسموع لأمي ومن مثلها (إن لم تدرس عيشة ستدرس عويشة) تحقق ذلك بشكل ما، فقد حرصت امي على ان أدرس وشقيقاتي، فأصبحت “فوزية” صيدلية تعيش وتعمل في ألمانيا، وباتت “أحلام” مسؤولة في مدرسة تعليم ثانوية، و”صابرين” مهندسة ديكور وتصميم داخلي، وها آنا أمامكم احدثكم عن تجربتي.
ومن خلال ما سمعتم… يمكنني ان اسألكم ايضا: هل تعتقدون أننا بخير…؟؟
______________________
* كلمة خلال منتدى باريس من تنظيم (هوفت-بوست المغرب، والمعهد العربي بباريس).
نشر بموقع ليبيا المستقبل.