متابعات

الصحافة العامية في ليبيا

أستمرارا للنشاط الثقافي الذي تنظمه الجمعية الليبية للآداب والفنون – أصدقاء دار حسن الفقيه حين – أُلقيت مساء الثلاثاء الماضي محاضرة بعنوان “الصحافة العامية في ليبيا”، المحاضرة التي ألقتها الباحثة “أسماء الطرابلسي” انطلقت الساعة الخامسة في حضور نخبة من المثقفين والمتابعين وتطرقت فيها إلى موضوع الصحافة العامية ممثلة في عديد الإصدارات في هذا المجال، وتأتي هذه المحاصرة للباحثة في إطار مشروعها التوثيقي لبعض جوانب الثقافة الليبية وقياما بدورها في التأريخ للثقافة في ليبيا بشكل عام، حيثُ أضاءت بعضا من جوانب هذا الموضوع المهم الذي لم تُسلط عليه الأضواء كثيرا من قبل ولم يتم تناوله بهذا التوسع والتفصيل.

 

البداية كانت مع الأستاذة الإعلامية فريدة طريبشان التي قدمت الباحثة للحاضرين بكلمة فيها من الشعر والمحبة الشيء الكثير بإلقائها الأحترافي المميز، كونها في الأساس إذاعية أو مذيعة، وأوجزت سيرتها المهنية والأدبية والأكاديمية العلمية، إذ أن الباحثة حاصلة عل درجة الماجستير في مجال علوم المكتبات والمعلومات ومهتمة بالتاريخ الثقافي الليبي منذ عقود، ولها اهتمام خاص بالنساء الليبيات الرائدات إلى جانب إبداعاتها الأدبية وكتابتها للمقالة والقصة القصيرة، حيثُ نشرت انتاجها في الصحف والمجلات المحلية والمواقع الإلكترونية وحضرت العديد من الندوات والمؤتمرات ذات الصبغة العلمية والأدبية وشاركت فيها بدراساتها وبحوثها التوثيقية، وهي إلى ذلك عضو في رابطة او أتحاد كُتاب وأدباء ليبيا وعضو في الأتحاد العربي لعلوم المكتبات والمعلومات، وكان قد صدر لها العديد من المؤلفات مثل، دراسة تحليلة للصحافة الليبية، والإنتاج الفكري للأطفال في ليبيا، وكاتبات ليبيات، وعن هموم الوطن وشجونه، وسيرة ذاتية لخديجة الجهمي، وتشغل حاليا منصب وزيرة الدولة لشئون المرأة والمجتمع.

ألتقطت الباحثة بعد ذلك مكبر الصوت لتشرع في إلقاء محاضرتها المشفوعة بالصور والبورتريهات لبعض الشخصيات والاماكن والوثائق والإصدارات التي تحدثت عنها والتي تم عرضها بواسطة جهاز العرض المرئي قبل أن يتعطل الجهاز أو تنقطع عنه الكهرباء لِتُكمل الباحثة إلقاء محاضرتها بدون استعمال الجهاز، حيث أوضحت الأستاذة الباحثة أو عدَّدت مجموعة صحف صدرت في طرابلس ما بين بدايات وأربعينيات القرن الماضي، مثل صحيفة أبو قشة لصاحبها الهاشمي محمد المكي الذي تنحدر أصوله من تونس بعد إقامته في ليبيا لسنوات واظب فيها على إصدار هذه الصحيفة رغم الظروف القاهرة واجهته ومنها نقص التمويل المالي واضطراره إلى بيع ممتلكاته الشخصية في سبيل استمرار صدورها وأيضا دخولها في عدة صراعات ومواجهات، واتسمت هذه الصحيفة الهزلية بلهجتها الحادة ولغتها المبتذلة والهجومية ونقدها الجارح مع تعامل رئيس تحريرها مع أحد اليهود من أصحاب المطابع آنذاك ما أدخلها في مشاكل ومختنقات كثيرة وأكسبها سمعة سيئة وحتى صدور قرار بإيقافها لإيغالها في الذم والقدح.

ويُذكر أن العدد الأول من هذه الصحيفة كان قد صدر في منتصف الشهر السابع من العام 1908، ومع أنها صحيفة تعتمد اللهجة العامية وتغلب عليها اللهجة التونسية التي كانت متقاربة مع اللهجة الليبية السائدة وقتذاك قبل بروز الفروقات والأختلافات التي نلاحظها اليوم، رغم ذلك إلا أن افتتاحيتها كانت تُكتب باللغة الفصحى. وكان صاحبها قد سافر إلى استانبول عقب احتلال ليبيا من قبل الإيطاليين، ومنها إلى أندونيسيا أين واصل نشاطه الصحفي وأين تزوج من اثنتين ورُزِقَ بعدة أبناء أصبح أحدهم فنانا تشكيليا مشهورا عاش في تونس. وقبل ذلك كانت الباحثة وفي سبيل الإلمام بموضوعها والإحاطة بتفاصيله قد أوردت تعريف شامل للهجة العامية.

أما ثاني الصحف العامية التي أشارت إليها الباحثة فهي صحيفة الحقيقة التي انشطرت أو انفصلت عن صحيفة العدل التي كان يرأس تحريرها عبدالله بانون وكانت توزع مجانا وتصدر مرتين في الثلاثاء والجمعة من كل أسبوع، وأشارت الباحثة من ضمن ما أشارت إلى عدم توفر الأعداد الصادرة يوم الجمعة في بعض الأرشيفات الحكومية الحالية التي استعانت بها في دراستها هذه وأرجعت سبب ذلك إلى إقفال الإدارات العامة قديما أبوابها يوم الجمعة الأمر الذي لم يمكنها من استلام نسخة يوم الجمعة بخلاف نسخة يوم الثلاثاء المتوفرة في الأرشيف.

“صوت العسكر” هو أسم الصحيفة التالية التي أشارت إليها الباحثة وبينت  أنها استهدفت المحاربين الليبيين المنضوين تحت لواء الجيش الإيطالي الذي كان يحارب في أثيوبيا، وصدرت أواخر العام 1940 والتي انفصلت بدورها عن صحيفة الرقيب العتيد واتخذت لها شعارا أبيات تقول:

الحرب إذا باشرتها فلا يكن منك الفشل
واصبر على أهوالها فلا موت إلا بالأجل
وهو الشعار الذي استهجنته الباحثة

أيضا تناولت الباحثة في بحثها هذا وأشارت إلى عدة صحف أُخرى كانت قد صدرت باللهجة العامية بشكل مختصر وغير موسع، وفي سردها لتاريخ الصحافة العامية في ليبيا والتأصيل لها اتضح مدى الصعوبة التي واجهتها في سبيل الحصول على الوثائق والمعلومات والصور المتعلقة بالموضوع داخل ليبيا وخارجها حيث أدت الأضطرابات السياسية التي مرت بها البلاد أربعينيات القرن المنصرم وخلال السنوات الخمس الأخيرة، أدت إلى ضياع وفقدان الكثير من الصور والصحف والمجلات في ظل عدم وجود مستنسخات أو صور لها، كما لم يفوت الباحثة وهي تتحدث عن الصحافة العامية أن تشير إلى أسباب انتشار هذا النوع من الصحافة ذلك الوقت والواضح فيه تأثره بصحافة المشرق والمغرب العربي ومحاكاته لعدة اصدارات مماثلة في مصر وسوريا ولبنان، ومن أسباب انتشار الصحافة العامية بحسب الباحثة، قلة التعليم وضعف اللغة الفصحي عند السواد الاعظم وشيوع ثقافة الخرافة وانتشار الجهل وختمت بالتنويه إلى القرار الصادر عن أمانة اللجنة الشعبية العامة للإعلام بحظر النشر باللهجة العامية حفاظا على اللغة الفصحى العام 1987 وكان يرأسها آنذاك رجب أبودبوس. لا شك في انها رحلة تاريخية طويلة وشيقة تلك التي اصطحبتنا فيها الباحثة وصفحات مجهولة من التاريخ فتحتها لنا لنقف على جانب مهم من جوانب الصحافة الليبية قبل ان تُنهي محاضرتها ويُفتح باب النقاش والتعليق وإبداء الملاحظات.

أول المعلقين كان الأستاذ إبراهيم الخراز الذي أشار إلى جوانب أخرى ذات أهمية في الصحافة العامية الليبية لم تتطرق إليها الباحثة، إذ تحدث بأختصار عن انشطة بعض الليبيين وإصدارهم لعدة جرائد في مصر. ومن جهته الدكتور حسن قرفال المهتم بالتراث الطرابلسي حاول الربط ما بين بعض مظاهر هذا التراث الغير مادي وموضوع المحاضرة من ناحية أنهُ إعلام أو هذه الصحف التي تكلمت عنها الباحثة وسائل إعلامية، حيث أشار إلى وظيفة البرَّاح أو الذي ينقل الخبر بصوته داخل أزقة وحواري المدينة العتيقة قديما وأشار أيضا إلى ما يُعرف بالنساء المستادنات في الأعراس الطرابلسية قديما الذين تتمثل مهمتهم في التهيئة للعرس ودعوة الضيوف والإشهار وغيره وهو نوع من الإعلام البدائي. وأضاف الأستاذ أمين مازن عدة ملاحظات أضاءت الموضوع ولفت انتباه الباحثة  إلى وجود دراسة تتعلق بصحيفة أبو قشة كان قد أعدها الكاتب والقاص الراحل كامل المقهور ونُشِرت بأحد أعداد مجلة الرائد ودعاها للبحث عنها والأطلاع عليها.

رابع المعلقين كان الأستاذ عمار حجيدر الذي اقترح أعادة طباعة هذه الصحف والمجلات وغيرها على شكل كتب حتى يتم الحفاظ على المادة الموجودة بها ونبَّهَ إلى ضرورة إرفاق نماذج من مقالات هذه الصحف مع البحث والدراسة حتى يكون المتلقي على اطلاع على خطابها رغم انه مبتذل بحسب الباحثة التي درسته. عصام القبائلي بدوره دعا إلى فتح تحقيق قضائي فيما يخص ضياع واختفاء بعض المطبوعات من أماكنها في المكتبات والمخازن التي تعود لبعض الجهات الحكومية المناط بها حماية وحفظ هذه الوثائق. الدكتور اسماعيل القروي آخر المتحدثين سرد هو الأخر قصة صحيفة أبو قشة بشكل مختصر وسريع ومر على بعض النقاط التي تجاوزتها الباحثة التي أوضحت أن هذه الدراسة المقتضبة هي جزء من أو مُختصر لدراسة أوسع وبحث معمق سيقدم لنيل درجة الدكتوراه. قامت الباحثة بعد هذا النقاش المستفيض والمثمر بالرد على الملاحظات والتعليقات والأقتراحات، أيضا بشكل مقتضب لتنتهي المحاضرة على أمل اللقاء في الموعد اللاحق الذي يقابل الثلاثاء الأول من الشهر القادم الذي سيفتتح به اصدقاء دار حسن الفقيه حسن موسمهم الثقافي الأول للعام 2017م.

______________

نشر بموقع ليبيا المستقبل

مقالات ذات علاقة

حفل تأبين الدكتور الراحل الصيد أبوديب

مهند سليمان

فريدة المصري تبحث في التأسيس اللغوي للأطفال بمجمع اللغة العربية

مهند سليمان

محاضرة عن إشكالية المقابلة بين مصطلحيّ الحقيقة والمجاز

مهند سليمان

اترك تعليق