تبدأ الدكتورة فاطمة سالم الحاجي روايتها “صراخ الطابق السفلي” برسالة إلي الناشر تبعث بها الساردة الرئيسية في الرواية، وكأنها تريد التأكيد علي حجم المسؤلية التي تنكبتها، حين أرادت الكتابة، فاختارت زمنا شائكا ومليئا بالرعب والشك والحب والكراهية، بالنزاهة والشرف والقذارة والخبث، تبدأ رسالتها للناشر قائلة:
“حضرة الأخ الناشر، أنا “سعاد” صوت من أصوات الرواية قبل أن أرحل أردت أن أسرد شهادتي علي ما عايشته وأزيح الستار عن أسرار لم تكشف لأحد من قبل، أسرار تعود إلي فترة مجهولة من تاريخ ليبيا المتواري في ركن خفي من الوجود. [ص5]
وهكذا سأدخل الي محاولة الاقتراب من هذه الرواية الكبيرة، مدججة بالخوف من الشراك والفخاخ التي سأجدها تنفتح خلال كل فصل، ثلاثة عشر فصلا تراوحت في طولها في الجزء الأول، وخمسة عشر فصلا للجزء الثاني، اسردت قصة سعاد وطاهر، وعائشة وآدم، وحاتم وكريستينا، وأسرتها خاصة الوالد، وجميعهم كانوا لبنة هذه الرواية، من خلالهم تواردت الحكايات، لقاء وافتراق، حب وكراهية، حرية واغتراب، الساردة التي حملت عبء الرواية هي “سعاد” الفتاة الجامعية، التي تجيء ليوم دراسي جديد، تجهز مذكراتها وتسترجع معلوماتها، لكنها ستواجهنا بذاك السؤال:
كيف ينمو الحبّ داخل أروقة الجحيم؟ وكيف يحدث هذا تحت أعواد المشانق وعويل الأشباح، وجوقة مصاصي الدماء؟ كيف يأتي هذا العشق متمردا علي كل الأعراف الوجدانية والكونية ليصبح قصة العشق الحارق الذي يبحث عن مرفأ؟ وكيف ينمو زهرة وردية تحت حبل المشنقة وسط قفر الديار وعواصف الرمال الساخطة التي تلعن المباني والحكام والبشر في مدينة منحتها الألهة لثعابين وأفاعي الصحراء الكبري وأغلقت دونها الأبواب، مدينة تسمي طرابلس. [ص6]
كيف؟ سؤال ستحاول الرواية الإجابة عنه، وستحكي الساردة / الراوية تفاصيل هذا “العشق المحرم”، وستتكشف لنّا الزاويا المعتمة، لكنها زوايا من واقع يبدأ بالموت شنقا، في رحاب الجامعة، في مدينة طرابلس، القاريء الذي لايعرف جزءا من تفاصيل واقعنا الليبي، سيوجه سؤالا لنفسه، كيف يكون ذلك؟ الجامعة، حيث الشباب والزهو وحكايات الحب والحلم والحرية، هل هذا أحد الكوابيس المستحيلة، / كان قد صدر قرار لجميع الطلبة يأمر بالتجمّع في ساحة الجامعة ويؤكد علي الجميع الحضور في المكان المحدد مهددا بطرد المتخلفين عن هذا الاجتماع، الكل يتدافع ظنا منه أن الحدث احتفال طلابي [ص7]، هي “سعاد” هذه البنت الليبية من طرابلس والتي تقول في رسالتها المفتتح وهي تخاطب الناشر / أكشف مع غيري، طاهروعائشة وآدم وحازم ووالدي المجاهد وكريستينا وغيرهم خفايا أحداث اسطورية وهي في أغلبها واقعية، تقدم هذه الأصوات أحداثا، ولعلها تكون في أغلبها العلة الأولي لما يحدث ويدور في بلادي من صدام تراجيدي. [ص5]، والصوت الأول هو صوتها “سعاد” والذي سيهيمن علي السرد، ويكشف الخبايا، لكنها أيضا من خلال امساكها بخيوط السرد تمنح شخوص الرواية حرية الكشف عن دواخلهم وسرد حكاياتهم، الحكايات التي ستكون هي أدوات البحث في هذا الزمن / زمن الرواية / والإدلاء بشهاداتهم، هذه الشهادات التي كانت يوما ما / صراخا في الطابق السفلي / لكن هذه الرواية جعلته صراخا علنيا، يكشف خفايا الألم والوجع ويرسم بشاعة تلك الحظة، حيث يتجمع طلاب جامعة طرابلس، يتزاحمون ليشهدوا احتفالا، / ويصفقون في هرج الشباب، جاءت حافلات تعج بالطلبة من جميع معاهد ومدارس المدينة، علا التصفير من حناجر متعطشة لمباهج الصبا ترحيبا بالفتيات المترجلات من الحافلات، [ص7]،/ ربما سيأتي الرئيس / هكذا أجابت صديقة سعاد عن السؤال، هل تدرين لما نتجمع اليوم؟ / اختلط الهتاف مع الأناشيد الوطنية الحماسية /، و/ عجّ المكان بالطلبة المميزين بإشارة ترمز إلي أنهم من العسس وحراس الثورة [ص 8] وأجاب أحدهم عن تساؤلات الساردة /سعاد /حين قال: إننا لن نتنازل عن سُحق الأعداء، هل تدرون لما نتجمع في هذا اليوم المشهود؟ إننا نتجمع لتصفية الحسابات ولن نتساهل معهم أيها الاخوة الأحرار [ص8] وقد أجابت صديقتها التي سألت / من هم الأعداء؟، ربما يعني الصهاينة؟ في هذا الجو الاحتفالي الغائم، ستجده وتلتقي به / طاهر/ صوت آخر، في ذاك اليوم، / صوتا قويا ينساب آمراالطلبة [ص9] التفت يمينا فرأيته شابا وسيما يضع نظارات كبيرة سوداء تخفي عينيه ولا أحد يولي اهتماما لما يقوله فالأفواج تتدافع [ص9]، وسيأتي الحدث، أنا بريء، أنا بريء، أرجوكم اسمعوني أعطوني فرصة أرجوكم الرحمة [ص9]، لقد جاءت سيارة عسكرية /ونزل منها عدة أفراد طوال القامة يجرون شخصا هزيلا / [ص9] وهذا الشخص هو من يقول / أنا بريء اعطوني فرصة /، إذا عرفت سعاد الان لمن كانت المشنقة الخشبية: والتي ظنت / أنها لشنق الأعداء رمزيا /،و في التدافع اختفت المشاهد أمامها، فلم تري (إلا ساقين ترتجفان معلقتين في الهواء وماهي إلا لحظات حتي توقفت الساقان عن الحركة وكان في عداد الأموات لقد شنقوه وسط ذهول الجميع…، صرخت بأعلي صوتي… كنت أرتعش وأسناني تصطك أقاوم الرعب للخروج /حتي ظهر نفس الشاب الذي رأيته ينظم الطلبة فجأة يمد لي يده كما تمتد يد الملاك من بين الأمواج للغريق [ص10]، وغطي الغبار الأحمر المدينة البائسة [ص11]، خرجت هي من بين تلك الجموع الخائفة المصدومة، أنقذها هو من التدافع والسقوط، ورأت مدينتها طرابلس، بائسة يغطيها غبار أحمر أتت به ريح عاصفة،
وسيتغير المكان، الساردة / الراوية، تلاحق المشهد في بيت تلك الطالبة، سعاد، / كان خبر الشنق قد سبق وصولي وأسرتي تتربع علي التلفاز الذي ينقل خبر ماحدث، / [ص11]، وسنعرف موقف الأب، الد سعاد، الأم تطلب منها عدم العودة الي الجامعة، ولكن صوت الأب يعلو غاضبا رزينا / لم تتراجع أمي أمام بطش الطليان ولم تتراجع جدتي فكيف تريدين مني أن أدعوها للتراجع الآن؟
فأجابت الأم / كان ذلك العدو الطليان أما اليوم فالأمر مختلف، / لافرق بين الأمس واليوم / هكذا قال الأب حاسما الموقف، وراسما خطوط المقاومة، بينما هي تقول: “دائما أبي يخيب توقعاتي”. [ص12]
إذا نحن الآن لسنا بمواجهة / جدلية الحب والحرب /* ولكن هو الحب يواجه الموت صراحة وعلانية، فكيف ستدور رحي المعركة، وكيف ستؤتث المبدعة فاطمة الحاجي فصولها الخمسة عشر لتجيب عن تساؤلنا هذا، إذا نحن أمام حرب،؟/ هدفها في النهاية الوصول إلي الحب /** وخلال الفصل الأول سنعيش معها تلك البنت الجامعية من طرابلس “سعاد” قصة الحب التي تنامي، والحياة التي تعود لطبيعتها، وقصتها مع الأب / لماذا نقول يا أبلة يغني العصفور وتنوح الحمامة ولا نقول العكس؟،ستفخر بها معلمتها والمدرسة وستأتي بفرحتها لأبيها، / تخيلت بعقلي الصغير أشياء كثيرة وهدايا ولعب، [ص26] لكن الأب خيّب توقعها، /فاجأني بتحسره علي فشل إخوتي /، كنت أحس كأنني اقترفت إثما وخابت كل توقعاتي /،.. هذه حكاية من حياتها ستسردها علي طاهر وهما يؤتثان معا قصة الحبّ الذي نبت بين أعواد المشانق، ولتتساءل هي / من يكون حتي أبوح له بذكرياتي وخفايا أسرتي وروحي [ص27]، سيكون الشعر والحب واللقاءات، والأبّ الحارس والحامي والفقيه الذي تربكه أسئلة ابنته / لماذا يا أبي لاتدرس تفسير القرآن بدل تحفيظه، فالكل هنا يقيم جوائز لحفظ القرآن ولا أحد يهتم بجوائز لفهمه [ص38]
إن الساردة تتابع، استكشاف هذه العلاقة، هذا الحب، / هل صفا الكون يوما كهذا الصفاء، كيف غيّر هذا الشاب مسار حياتي،… هل كان كيوبيد يحضر عملية الشنق معنا في تلك اللحظة ويسدّد سهامه إلي قلبي بينما يلتف حبل المشنقة ثعبانا غاضبا حول رقبة المسكين [ص32]، مع من أتقاسم فرحي الليلة؟… لوكان لي صديقة لأسرعت لإخبارها وتقاسمنا فرح قلبي /.. ومن خلال هذا التدعي سنتعرف علي صديقة الطفولة عائشة / كم أشتاق لك ياعائشة أين أنت أيتها الغالية ليتني ألقاك الآن؟للأصدقاء القدامي عبير خاص في الذاكرة. لقد أخذت اهتمامي قضايا الظلم وإثبات قدمي وقلمي داخل عالم يعادينا بلا سبب، لبست قناعا يناسبني داخل الأروقة الإدارية مع مجاميع الطلبة الذين يحملون نفس انتمائي إلي عالم يرتدي قناع العلم بينما هو عالم آخر مما أبعدني عن صديقات الطفولة وحرمني من تكوين صداقات جديدة غير الزمالة التي تفرضها ظروف الحياة الجديدة والنماذج البشرية التي دخلت بهيئة مختلفة متسلقة مدرجات الجامعة لأهداف مختلفة. [ص33]
المكان الذي تدور أحداث الرواية في محيطه، تنوع، لكنه دائما مكان مغلق، حتي وإن بدي في أحيان وجود مكان منفتح، أو أجواء تشي بالبهجة، فإنها حتما تعود لنقطة الصفر، فالأمكنة تطبق بخناقها علي شخوص الرواية، ربما استطاع حازم / الأمازيغي / أن ينجو، ونجاته ستكون مع كريستينا، لكن هل سينجو الوطن؟
عائشة، الحلم الذي يموت.. السرد في هذه الرواية يتشظي، لكنه يجتمع لتتوالد فصول الرواية، ولتمنحنا متعة القراءة في حكاية غريبة، وعائشة هي ساردة أخري ستفسح لها الراوية مكانا أثيرا لتفرش بوحها، ولتصفعنا بحكاية كابوس، تلتقي مع صديقتها الساردة الرئيسية وتفترق، لكنهما معا يفجران أرضا تبدو صلدة وصامتة ولايمكنها الثوران، هكذا ستجيء عائشة في الفصل الثالث عشر [ص226]، ذهبت في الغد إلي المصرف سألت الحارس عن اسمها، ما إن سمع اسمها وأنا أسأل عنها حتي قفز أكثر من موظف ليدلني عليها ولكن المرأة سبقت الجميع سلمتني إلي مديرة مكتبها وقالت “هذا هو المكان تفضلي سنعلمها بقدومك” جلست علي الكرسي الشك يسكن قلبي ربما أكون قد أخطأت المكان ربما هناك خطأ في الأسماء فصديقتي التي أعرفها هي مجرد موظفة ابنة بائع متجول الذي كان يبيع الأقمشة لنساء الحي [ص227]وستلتقيان، وستنعش الساردة ذاكرة سعاد وهي تصف صديقتها / كانت عائشة روحا متمردة في المدرسة لاتحب الوقوف في طابور الصباح…، [ص233] وسيكون هناك موعد للقائهما، / التقينا في الموعد كانت شاحبة شحوب الأموات /، وستنهمر الحكايات بينهما، ليبدأ الجزء الثاني من الرواية، والذي ستحمل فيه عائشة عبء السرد، لتقول حكايتها، وجها آخر، يرسم بشاعة الموت، الموت الذي يصارعه الحب، لكن هل يستطيع الحبّ وحده مواجهة كل ذالك، وستجوب بنّا الساردة عوالم عائشة، قصة حبها لآدم، وسعيها لتعين والدها في عبء المعيشة التي صارت ضنكا، ولتصير موظفة صغيرة في الجامعة التي أرادت أن تكمل تعليمها فيها محاولة أن تنهض، فتلتقي آدم، ولكن آدم سيغيب، ولتدخل هي عوالم جديدة بحذر مضاعف / من أيّن لي أن أفهم أسرارهم وأنا لا زلت موظفة فقيرة أتلمس خطاي لكن هذا لم يمنعني من الحذر في معاملتي معهم كنت أحسب ألف حساب لأي اجتماع وأذهب وأنا متوجسة خوفا من التحرش بي، كنت أرسم نظرة حادة علي محياي حتي لايستسهل أحد الدخول معي في حوار قد يكون تمهيدا لعلاقة مشبوهة حتي أصبحت مشهورة بعائشة الجادة .لم أر ما يثير ريبتي ولا يجعلني أشك في نوايا الشخصيات والمديرين الذين نجتمع معهم. كنت أري فتيات في عمر الزهور يحضرن الاجتماعات ولم أري ما يريب [ص317]. لكن ذالك الموت سيطالها، ولن تنجو، هكذا ستكتشف السر، لا تخافي أنت أمام باب السعد أعطني يدك إنها مجرد اجراءات. [ص322]
أعترف أن قراءة هذه الرواية موجعة، وأنّها تذبحني، وتحرق أصابعي، وأخجل أمامها، فكتابتي مجرد عرض ساذج، وهي رواية كبيرة، لكنها مغموسة في الألم، سعاد وعائشة، حكايتان وسعاد وهي تكيء علي شرفة الغياب، تستمع حكاية عائشة، هاهي تنادي الموت وتتوسله، الغول أكل براءتها، لكن الموت تقول لها: لاتخرجي من الحياة بلا ثأر ولاضجيج أنصحك حتي لايلحقك الندم الذي لا أمل منه [ص 326] ولكي لاتندم واصلت العيش، وجدت آدم عند باب النفق، وجدت الضوء، وصلت رسائله إليها، ولكنها رسائل الوجع وتوثيق الألم والعبث، / حبيبتي لاتحزني نحن ننسحب إلي مكان خفي إننا انهزمنا هزيمة بشعة، لقد أخذتنا القوات الفرنسية إلي مكان آخر لكي تحمينا من انتقام الجنود التشاديين ِ إنهم يقاتلوننا بوحشية أخشي العودة لا أريد أن أغادر تشاد وانضم الي القوات الليبية التي تغادر كما سمعت إلي امريكا حبك يمنعني من السفر أفكر فيك كل ليلة وأفكر في إخوتي الذين أكلتهم الصحراء بلامبرر وأفكر في الجثت الملقاة علي الرمال دون أن تجد من يواريهم التراب وتستر جلال موتهم .فكري مشوش سأعود وأحكي لك مايجد علي الساحة.. رجل الشوق الحارق [ص 367]، وهي عائشة /السبية، تناجيه: فلتعانق نزفي وتبك العدل الغائب يا آدم ولتبك شرفا لم أستطع حمايته لأنني فتاة فقيرة انحنت لتلتقط رغيف الخبز فكان الرغيف مسموما لم تستطع حمايتي لأنهم أرسلوك في حرب خاسرة مدمرة ليتمكنوا مني في غيابك ولينحروا الذبائح علي شرفي المنتهك. [ص368]
الساردة بالفصل الثاني عشر من الجزء الثاني تترك عبء السرد يعود من جديد لسعاد / لم أستطع أن أنبس ببنت شفة سوي أن أذرف دمعي وأقبل يديها ووجهها مرات عديدة كانت تبدو كالقديسة في محنتها وأنا مترنحة من الفجيعة /[ص395] ولكن أين هو طاهر الحبيب الذي تسعي للارتباط به وجاءت لصديقتها عائشة لتسهل له أمر القرض الذي يطلبه، أين تساؤلاتها المخيفة بشأنه، وخوفها من تورطه في كل تلك البشاعة، إنه هنا يكشف عن أنياب السلطة ويقذف بأبشع الشتائم، ستمنحه علبة سجائر مجيبة عن سؤاله / مجرد هدية ستذكرني بها [ص 406]، وستفيض اللغة رغم الوجع ستحفر مساربها، ستغرقنا ونحن نلهث:
أنت ياهزيمتي ووجعي ونبض قلبي الدائم
ياضوئي وظلمتي ويانهاري الغائم
جئتني خمرا معتقا حلما محرما أذهلني أسكرني
لكنك لن تكون حلم يومي القادم. [ص407]
لن أعطيك قلبي بدون شهادة براءة [ص409] هكذا تختم الساردة حكاية سعاد وطاهر ولتدخل الفصل الرابع عشر من الجزء الثاني لتكمل حكاية عائشة، التي تنتظر رسالة آدم، / حبيبتي عائشة استعدي للفرح أنا قادم [ص410]، ولكن العائد لن يجدها، سيجد / أفندم عائشة التي تسلمه شهادة التقدير والوسام الذهبي لبطولته…
ولتنتهي الرواية في فصلها الخامس عشر وآدم مغمورا في سكينة /الولي سيدي حامد: أجلس أقبل أقدام البحر أمام مقبرة مقام سيدي حامد لايوجد غير العويل منفذا لسكون الروح ليست كل الأشياء التي نفقدها متساوية، ضاع الوطن فقلت أنت وطني وضعت أنت فأين الملتجأ. أعطني يا إلهي شجاعة الصفح ومقدرة الغفران [ص416]…
ولي أن أختار هذا المقطع من الرواية، مع تقديم اعتذاري للمبدعة الدكتور فاطمة الحاجي، فهذه المقاربة لروايتها هي مجرد عرض أظنه لا يليق بمقامها (الرواية)، ولكن لي العذر فهي رواية تريد أدوات نقدية ودراية واسعة، ثم صدقا، موجعة قراءتها وأنا علي يقين أنها الناقدة المبدعة فاطمة الحاجي وهي تكتب روايتها الأولي قد عاشت ألاما ووجعا كبيرا فطوبي لها، لكنها رواية تستحق القراءة مرة تلوالمرة وفي كل قراءة ستتفتتح وتمنح عوالمها الثرية.
وطرابلس الحزينة تبحث عن ذاتها وسط أكوام جراحها… لماذا أولد في هذا المكان من الدنيا وفي هذا التاريخ؟ طرابلس مدينة لم تعرف البهجة مكانا فيها، كل من حكمها امتص رحيقها دون أن يمنحها قبلة، وهي صامدةأمام امتداد البحر تصد عنه الصحراء كآلهة الحكمة .ملاذ لكل العابرين ومصدر رزق للغرباء… مصابيحها تضيء حزنا تخجل عيونها من البوح به حتي لا تحملك همومها… كل اشجارها تورق بلا مواسم وتظلل الفارين من لهيب الصحراء وتفتح قلبها لليد التي تطرق الباب في الهجير وتمنحها زادا ومتكأ… لكن لا أحد يلّوح لها عند الرحيل ماذا تبقي لي ولك ياطرابلس. [ص335]
_____________________
هوامش
• رواية صراخ الطابق السفلي، الطبعة الأولي 2016دار النهضة العربية، بيروت.
• استدلال من كتاب جدل الحب والحرب، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد.
• في هذه الرواية شهادات عن حرب تشاد وقد قامت المبدعة فاطمة بترجمتها عن أصولها الانجليزية والفرنسية، ولكن للأسف لم تثبت هذا في أّخر الرواية.
نشر بموقع ليبيا المستقبل