لا يمكن الحديث عن الشعر الليبي دون الإشارة إلى ديوان الشاعر مصطفى بن زكري 1853 – 1917 الصادر عام 1892 وهو أول ديوان شعر يصدر لشاعر ليبي، وعدّ الكثير من النُقاد والمؤرخين للأدب هذا الحدث البداية الحقيقية للشعر الليبي إذا ما أستثنينا الشعر المتداول شفهيا قبل ذلك والذي كان أغلبه باللهجة العامية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوز تجارب راسخة في هذا المشهد مثل تجربة الشاعر أحمد رفيق المهدوي الذي اجتذبته النبرة القومية فكتب انطلاقا منها أشعارا تدعو إلى تحرر الشعوب من الإستعمار وغير بعيد عن هذا المضمار يقع ما أثثه الشاعرين إبراهيم الأسطى عمر وأحمد الشارف، كما لا يمكن المرور دون الإشارة إلى تجربة الشاعر على الرقيعي الذي كتب متأثرا بجماعة مدرسة أبولو المشهورة وعلى رأسها الشابي الذي طبقت شهرته الآفاق فكتب الرقيعي القصيدة الرومانسية تلك التي تتغنى بجماليات الحياة وتتبنى الحب أسلوبا للعيش وتدعوا إلى العودة للطبيعة، وهذا الشاعر علي الفزاني تميل قصيدته إلى مُساءلة الحياة واستنطاق غاياتها مقتديا بتيار شعري عربي يقف على رأسه خليل حاوي والبياتي والسياب حيثُ القصيدة تُساءل غربة الشاعر وتستعين بالأسطورة وتلتصق أكثر بقائلها وذلك بقدر ابتعادها عن النبرة الجماعية، ومن ناحيتهما كتب الشاعران راشد الزُبير وحسن السوسي قصائدهما ذات النمط التقليدي في البناء والمضمون، ولم يبتعدا كثيرا عن هذا الخط ولم تُغادر قصيدتهما أغراض الشعر العربي القديم من غزل وفخر ومدح ووعظ وحكمة وتوثيق بالشعر لمناسبات قومية ودينية وتناول لجماليات الواقع أو مُحاولة خلق مُعادل شعري للواقع المُعاش، من هُنا تطرقت قصيدتهما تقريبا لكل شيء، المناسبات الأجتماعية والوطنية والرثاء والتغني بالقيم النبيلة ولم تستثني المرأة كأُم وزوجة وحبيبة.
فيما اتجه الشاعر محمد الشلطامي إلى تعاطي القصيدة الثورية التي تناوئ السلطة وتتبنى النبرة الرمزية. قبل وبعد سجنه من قبل السلطة ذاتها التي عارض سياساتها وتصدى لتجاوزات مُمثليها، أما الشاعر على صدقي عبد القادر الذي بدأ بداية تقليدية خالصة لينتهي إلى قصيدة سوريالية مُغرقة في التجريب والتحليق، لم تخرج قصيدته في بداياتها عن التوجه العام للسائد من حيث التغني بقيم التحرر والأنعتاق ومُساندة قضايا الشعوب والدعوة إلى رفع الظلم عن الإنسان في كل مكان وتصوير لمعاناته في ظل الفقر والجهل والتبعية واستشراء الأمراض والاستعباد، ومع اكتشافه لقصيدة الشعر الحر ثُم قصيدة النثر تخلى تماما عن القصيدة العمودية ولم يعود إليها حتى رحيله ، كما لم يحيد الشاعر عبد المولى البغدادي عن خياره التقليدي وظل مُخلصا لهُ حتى الآن.
ومع الشُعراء اللاحقين الذين استقطبتهم قصيدة النثر مثل محمد صالح الفقيه ومفتاح العماري وفرج العربي وعبد السلام العجيلي والسنوسي حبيب وعمر الكدي وأبوالقاسم المزداوي وجيلاني طريبشان وعبد الفتاح البشتي وأحمد بللو وسالم العوكلي ومحي الدين المحجوب وتهاني دربي وخديجة بسيكري على سبيل المثال، بدأت ملامح الشعر الليبي وخصوصيته في التشكل والوضوح، ويُمكن القول هُنا أن مرجعيات الشاعر الليبي على الدوام وفي كل الأجيال تقريبا وخلفيته الأدبية أو حصيلته من القراءات كانت عربية في الأغلب ومشرقية تحديدا نظرا لتشتت الأصوات الليبية وعدم وجود رابط مشترك بينها وغياب دور الإعلام في التعريف بالشعراء ليس في الخارج فقط بل حتى في الداخل وقلة الإصدارات الشعرية والنقدية، والأهم من ذلك غياب الجماعات والتيارات الأدبية والشعرية منها خاصة، وهكذا ظلت التجارب الليبية تجارب فردية متفرقة ومعزولة عن بعضها البعض، تُعبر عمّن يخوضها أكثر من تعبيرها عن تيار مُعين أو جماعة مُحددة.
وضم الجيل الثالث أن جاز التصنيف أو التسمية من الشعراء الليبيين أسماء مثل رامز النويصري وخالد درويش وصلاح عجينة وعبد الباسط أبوبكر محمد وعبد الوهاب قرينقو ومحمد زيدان وعبد الحكيم كشاد وصالح قادربوه وأُسامة الرياني وسعاد يونس وسعاد سالم وحواء القمودي وخلود الفلاح ومريم سلامة وسميرة البوزيدي وأم العز الباروني وحليمة الصادق العائب وفريال الدالي وغيرهم من الشعراء والشاعرات، ويُلاحظ هنا اقتحام النساء لهذا المجال بكثافة عالية ويعود ذلك في تصورنا إلى ازدياد نسبة المتعلمين من الجنسين واكتساب بعض الحريات الإضافية بالنسبة للنساء وتوفر المطبوعات والمنابر الأدبية وتطور وسائل الأتصال لاحقا بحيث أصبحت عملية النشر متاحة وسهلة أكثر من ذي قبل، الأمر الذي مكن الجميع من نشر كتاباته الشعرية تقريباً .
وواضح تماما أن هذا الجيل الذي اتسم بخصيصة التمرد، صراحة أو بشكل مضمر أعلن قطيعته مع التراث الشعري الليبي إلا فيما ندر وبدأ من حيث انتهى الأوائل وولج بهو القصيدة الحديثة المتمثلة في قصيدة النثر بثقة أكبر، ولم يعود كسابقيه تستهويه الغنائية والإيقاع والخطابة وذهب بعيدا في تجريبه للأشكال الجديدة والمغامرة الشعرية والنزوع نحو اهتمامات مختلفة فرضها إيقاع العصر وتسارع التغييرات، وإلى جانب سرد اليومي وقول المُعاش شعريا، وجّه الشاعر أضواءه الكاشفة إلى الداخلي والجواني في تساوق مع الفردية والذاتية التي تطبع ملامح العصر فكانت أشياء مثل التمرد والثورة والسُخرية والأحتجاج والرفض ورثاء الأحلام الموءودة والتحسر على الأمنيات المجهضة والحلم بمستقبل اجمل، كانت أبرز ملامح قصيدة هذه المرحلة التي انطبعت هي الأُخرى بتصاعد تيار المد السلفي وتفجر ثورة الأتصالات الحديثة التي تفجرت بموازاتها أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية عدة ساهمت في رسم ملامح المرحلة الشعرية وصنع توجهاتها ويبدو أن الشاعر تشكل وعيه طبقا لها أو تأثر بها سواء وعى ذلك أم لم يعيه، هذا علاوة على محاولة اجتراح لغة جديدة تؤطر كل هذه الروئ والتغييرات وتحتوي تعقيدات الراهن، ومن خلال احتكاك شعراء هذه المرحلة الذين امتازوا بالجرأة بالتجارب العربية الأُخرى الموازية والأنفتاح على المشهد الأكبر – المشهد الشعري العربي – بدأ الشعر الليبي يفرض حضوره في الملتقيات الشعرية والمنتديات الأدبية بل أن بعض التجارب تمكنت من استمالة النقاد العرب لدراستها وتناول جمالياتها وتحليل فنيتها، متمثلا هذا الجيل أو واضعا نصب عينيه تجارب عربية راسخة أو متقاطعا مع قصيدة أدونيس والماغوط ومحمد بنيس وقاسم حداد وإلى حد ما محمود درويش.
وبموازاة هذا المُنجز يسير بخطى واثقة مُنجز الشعر العامي الذي يُمثله خير تمثيل في ليبيا اليوم الشاعرين الصيد الرقيعي ومحمد الدنقلي.
وفي ختام هذه المقاربة للشعر الليبي ومحاولة التعريف به راعينا اختيار نماذج لشعراء يُمثلون كافة الأجيال التي تحدثنا عنها، سعيا للإحاطة بتنوعه ورسم صورة بانوراميه شاملة لتفاصيله المختلفة، أيضا راعينا الترتيب الزمني في الأختيار بحيث يبدأ بالأقدم لينتهي بالأحدث، وكذلك حاولنا الموازنة ما بين أصوات الشعراء والشاعرات بحيث يقف المتتبع والمهتم على كافة أطياف هذا المشهد الذي لم يأخذ حقه من الأنتشار عربيا لأسباب عدة من بينها عدم اهتمام الشعراء أنفسهم بتسويق شعرهم عربيا قبل اختراع وسائل الأتصال الحديثة كالفيس بوك وغيره، وشرح الأسباب التي حالت دون الأنتشار يطول ولربما لعبت سياسة النظام السابق في ليبيا دورا في هذا التعتيم والأقصاء والتهميش للشعر الليبي بعدم التأسيس لأرضية ثقافية صلبة، ولم نغفل في اختياراتنا الشعرية عن أن تكون ذات محتوى إنساني واسع غير مرتبطة بمناسبة أو أهتمام محلي ضيق، ذلك أن القارئ العربي الذي نتوجه إليه بهذا المقال قد لا يكون مُلما بموضوع القصيدة أو اهتمامها المحدود ما يجعل من عملية التواصل ناقصة ومتعثرة، أيضا ولضيق المقام وحتى لا نُطيل على القارئ تعمدنا اختيار قصائد متوسطة الطول أو قصيرة أو جزء من قصيدة ارتأينا أن باستطاعته تمثيل الشاعر واختزال تجربته، مع اعترافنا بصعوبة ذلك أحيانا، ودون الرجوع إلى الشعراء – الأحياء منهم – الذين ستكون اختياراتهم مختلفة عن اختياراتنا بلا شك.
وبدايةً وقع اختيارنا على قصيدة للشاعر أحمد رفيق المهدوي ( 1898 – 1961 ) التي فيها يقول:-
رحيلي عنك عز علي جـــدا وداعا أيها الوطن الـمفــدى
وداع مفارق بالرغم شـاءت له الأقدار نيل العيش كـــــدا
سأرحل عنك يا وطني واني لأعلم إنني قد جـــــئت ادا
طلبت العز يا وطني وانـــي فأوسعني زمان السوء ردا
سأركب عزمة حذاء امضـى اقد بها حجاب الغيب قــــدا
ابلغها وراء السعي عــــذرا لنجم صد عنها أو تصـــــدى
ويا وطني وداعا من محــب تحير رأيه اخــــــــــــذا وردا
وداعا لا اظن له لقــــــــــاء فوا اسفا اذا ما البين جـــدا
اناديه وقد زمت ركابـــــــــي وهد البين ركن الصبر هـدا
وجاشت تخنق العبرات صوتي وداعا ايها الوطن المفــدى
*
وهذه قصيدة ” أحن إليك ” للشاعر علي الرقيعي ( 1934 – 1966 )
أحن إليك
أحس بأنك في نداء يقول ” تعال “
يقص علي حكايا، يوشوش في أذني عن ليال
نسينا عليها الزمان
عبرنا جدار المحال
نداء يعاتبني في انفعال
يجدف بي في شفيف المسافات عبر الخيال
بغير تخوم،
بغير وصول.
بغير نوال.
أحس به ملء ذاتي يقول ” تعال “
أنا لا أبالي إذا أنت لي ما الهدى، ما الضلال
وما قد يصير وما قد يقال
أنا لا أبالي فحسبي أنام بدنيا عيونك
وحسبي جفونك
تدثرني بالضلال
أحبك حتى ليخضر تحت خطاي الثرى
وحتى كأن الذرى
تطيح على كتفي لآل
وأنت إذا لم تهزي كياني ذات زوال
تدفأ بالقلق الحلو ملء وجودي وسال
على كرب حنون تخطى السماء واستحال
مخدة حب،
وصرة خبز،
وجرة آل.
تراني ماذا أنا الآن… ماذا أصير
وهل ما أزال
أذرذر للشعر عمري وأعبد فيك الجمال
أحبك سرا شفيف التلفع فوق ادعاء الخيال
دفيئا كصفو الظلال
عميقا أغمس فيه كياني وكل وجودي
أغمس فيه حدودي
أحبك كنها ر بعيد المسافات… دنيا سدى لا تحد
أنا في مفاتنها الخضر أشدو
كطير فيها ويلذ
لي الشعر، أسكبه من جفون الذراري حكايا
وفيها غدي يتكشف حلو الضياء ويبدو
سدى يعرف اليأس دربا إليها
سدى يتعالى عليها
أحن إليك وفي خاطري ألف رؤيا
سأسردها مرة في الليالي عليك
إذا ما رجعت إليك.
*
ويتغنى الشاعر علي الفزاني ( 1937 – 2000 ) في قصيدة شحاذ بغداد قائلا:-
كنت في بغداد أغشى الأضرحة
كنتُ شحاذاً أبيع الكلمات !
أسأل الكهان قوتي، في السنين المجدبات
كان يُرضيني الفتات
من خوان بابليّ، في قمامات الأمير
أيُ زيف.. أن أبيع الترهات ؟
لعيون عربية
لسبايا، مرمريات الصدور
من بلاد الروم، في قصر الخليفة
أصدقائي البلغاء
ألبسوا السلطان قبلي ألف تاج !
حملوا الأشعار قبلي كالخراج
أورثوا المملوك مجد الهالكين !
أصدقائي الفصحاء
نظموا النجمات عقداً للأميرة
ثم عادوا بهدايا ( نوشروان )
الجواري، وثياب الطيلسان
ثرثروا باللغو حيناً، لينام
سيّد الأمصار في وكر الحريم ؟
إي زيف.. سأموت
يكتب التاريخ أني، عشت في القصر المشيد !
*************
ثم ماذا ؟ أيها المنفى البعيد
ما اغترابي ؟.. ما أُريد ؟
خلجاتي كالحات.. كالرماد
وحروف الرفض.. مولاي الأمير
دمدمت كالرعد. في قلب السحاب
فمُحال أن أُغني لتنام
فأنا السُهد.. أنا وقع المصير
مات في بغداد شحاذ القصور
والسبايا، والجواري، ومطايا
الفاتحين
مات مولاي الأمير.
*
قصيدة أنساك للشاعر حسن السوسي ( 1925 – 2007 ) وفيها يُنشد:-
لما لقيتك لم أبهت ولا اضطربت يدي
ولا اختلجت نفسي للقياك
كأن خيط ضياء كان يربطنا
أو أنني منذ حين كنت ألقاك
أو أن في الغيب روحانا قد ألتقتا
عبر الزمان، فما أنكرت مأتاك
كأنما من سنين كنت مؤنستي
أو أنني من سنين كنت أهواك
فإن وجهك مألوف لدي فما
أنكرت عينيك – في شيء – ولا فاك
ملامح لم تكن عني مُغيبة !
فهل ترى في جفوني كان مثواك ؟
وكم نصبتُ لها – في النوم أشراكي
حفظت نصك لم أخرم مقاطعه
شكلا – كما أنت – واستظهرت مرآك
حتى التفاتتك النشوى وفتنتها
حتى ابتسامتك الجذلى…. وقرطاك
ونونتان….وخال كم حلمت به
وغنة كنت أهواها…. وعيناك
تلك التفاصيل ما أسقطت واحدة
منها… فقد سكنت دهرا بإدراكي
لذاك في لحظة أمسى تعارفنا
وفي ثواني حوت كفي كفاك
أنا النفور الذي صعب مؤالفتي
وجدت نفسي ألوفا عند لقياك
وما تهيبت أن ألقي إليك يدا
تهفو….. وسمعا قد استهوته نجواك
أنساك….؟ لا والهوى الآتي وحرمته
وحق ما كان منه قبل مرآك
فإن روحي التي كانت محجبة
فتحت أنت عليها ألف شباك
وأن عمري الذي قد لفه جدب
سقته فاخضر بعد اليبس يمناك
إحدى العلامات في عمري وأبهجها
فهل تظنين أني سوف أنساك.. ؟
غفرت للزمن الماضي إساءته
من حيث أنآك عني…. ثم أدناك
فكيف أنساك يا حلما صحوت على
رؤاه….. والأمل المنشود عيناك.
*
للشاعر والباحث والناقد والمترجم خليفة التليسي ( 1930 – 2010 ) الذي تفتقت موهبته الشعرية متأخرة، لهُ قصيدة شهيرة يقول فيها:-
وقفٌ عليها الحب شدّت قيدنا * أم أطلقت للكون فينا مشــــــــاعرا
وقف عليها الحب ساقطاً نخلها * رطبا جنيا أم حشيفا ضــــــــــامرا
وقف عليها الحب أمطر غيمـها * أم شح ؟ أو نسيت مُحبا ذاكــــــرا
وقف عليها الحب كرمى عينها * تحلو مُنازلة الخطوب حواســــــرا
وقفٌ عليها الحب تنظمُ عقــدنا * ركبا توحّد خطوة وخواطــــــــــرا
تفدي العيون جبينـــها ولو أنها * تبدي لنا دَلاً وطبعاً نافــــــــــــرا
تُشقي النفوس بحبها، وعزيزة * تلك التي تُشقي وتحجب ساحـرا
ردي عليــــــــه شبابه وعرامه * وأريهِ في سُبل الخلود مخاطــِرا
تجِديهِ قد أوفى على غايـــــــاته * وأباح مجدكِ مُهجةَ ونواظـــــِرا
أو فاقنعي مِنهُ بمــــــا قد قدمت * لأيامه الأُولى عطاءً زاخـــــــــرا
يا منزل الصبوات كم لكِ من يد * عندي سأحفظها وفيا شاكِــــــــرا
تتقلب الأيام في أطوارهــــــــــا * خِصبا وجدبا لا تمس جواهِــــرا
محفوظة في العمق صُنع أبوة * خلعت على جيد الزمانِ مفاخِــرا
ويظلُ حُبكِ خالِداً لا ينثنـــــــي * للحادِثات وإن بدوَن غـــــــوادِرا
أنا لا أقول الشعر أبغي رُتبــة * تعلو بها رُتبي وتُكسِبُ وافِــــرا
ماذا وراء العمرِ من أُمنيــــــة * تُرجى وقد رحل الشباب مُغادِرا
حسبي من التكريم رُكنٌ دافـئ * من قلبِها أصفو لديهِ سرائِـــــــرا
لكِنها الأوطان فرحةُ قلبـــــــها * فرحي وحُزني أن تُصيب عواثِرا
لَكِنهُ الإنسان همٌ دائــــــــــــــم * للعاشقين رِسالةً ومصائِــــــــــــرا
لَكِنها الأجيال طوقُ أمانـــــةٍ * في العُنقِ تحلُمُ بالدروب أزاهِــرا
لَكِنها الآمال هزّت خافقــــي * هزاً وأضرمت العُروقَ مجامـــِرا
فَنَظمتُ منها مشاعري وخواطِري * ورفعتها طوقاً تأرّجَ عاطِــــــرا
للهادِمين قيودها والرافِعيــــنَ * بنودها، والناشِرينَ بشائِـــــــــــرا
للزارِعينَ حُقولها ومُروجهـا * والناسِجينَ لها رِداءً فاخـــــــــــِرا
للغارِسينَ عُلُومهم وفنونهًـــم * الصادِقينَ بواطِناً وظواهِــــــــــرا
للعاشِقين لِكُل دوحٍ راسِــــــخٍ * في أرضِها والحافِظين ذخائِــــــرا
لشيوخها ركبوا الأمورَ جليلةً * وصلوا بِها أوائِلاَ وأواخِــــــــــــرا.
*
نكتفي بهذا القدر من القصيدة التي جاءت في ثمانية وخمسونَ بيتاً علي أمل أن تكون قد قدمت الشاعر وعرّفت بشِعره كما ينبغي.
ولتقديم الشاعر علي صدقي عبد القادر ( 1924 – 2008 ) لن نجد أفضل من رائعته وقصيدته الشهيرة بلد الطيوب التي يقول فيها:-
بلدي وما بلدي سوى حُقق الطيوب
ومواقع الإقدام للشمس اللعوب
أيام كانت طفلة الدنيا الطروب
فالحب والأشعار في بلدي دروب
والياسمين يكاد من ولهٍ يذوب، ولا يتوب
الناس في بلدي يحيكون النهار
حباً مناديلاً وشباكاً لدار
والفلُّ يروي كل ألعاب الصغار
فتعالَ واسمع قصة للانتصار.. للشعب
للأرض التي تلد الفخار
تلد النهار
الليل في بلدي تواشيح غناء
وقباب قريتنا حكايات الإباء
وبيوتنا الأقراط في أذن السماء
بلدي ملاعب أنجم تأتي المساء
لتقول هذي ليبيا بلد الضياء
كرم وفاء.
*
وهذه قصيدة – أرض الحليب – للشاعر الحداثي مفتاح العمّاري ( 1956 -…. )
تعلّمتُ الأسماء، قلتُ بلادي
شكلتُ من أحرُفها منازل حلمي
وحفرتٌ قريباً من سرتها
بئر ألعابي.
وحين هتفت مزهواً بحليب يديها
صرتُ بعيداً
تُشردني أسبابي
فدنوت بأصابع شفّتها العُزلة
لأُرمم ضحكتها بمآثر روحي
رأيتُ بصّاصين
تاهوا عن أبواب
ومسالك ماء
يحيطون حبر هدوئي
فأنكرتُ صوتي
كأنهُ من حجر مهجور قُدّ صوتي
وصداه تيهٌ يتشظى وحيداً في غربته
ويقترف غموضاً مهووساً بمرابض أُخرى
لا أفهمها
فتركتُ على الرمل كُلّ مفاتيحي
وأهملتُ مراتع جسدي
وتعاليم كتابي
وقلتُ :
إن يكُن قد تجعد وجهُ ظلي
وذبلت نوارة قميصي
واحدودب ظهر بابي
يكفي أنتِ أيتُها السماوية أرضُ الحليب
أنتِ أُمي الصغيرةُ
وأنا الطفل الذي يرقص الصبح
على مخدته
أنثرُ الشموس في ليل حمّامِك
وأغني :
أنتِ بلادي.
*
ومن الجيل الوسيط نختار قصيدة وصايا للشاعر محمد الفقيه صالح ( 1952 -…..)
إذا ساورتك البلاد أنسرح
وإن داهم الزمن الخشبي ُ اخضرار الطفولة
فيك انشرح
ففي لحظات التوحد والاشتعال
كلُ موت مُحال
وكلُ انهمار فرح
**********
إذا ما تسلل في الليل وغدٌ
يُسمونهُ الحُزن.
من جُحره
واستفاضت على الضفتين تقاسيمك اللافحة
صوّب القلب يا صاحبي
نحو صحو الميادين في المدن الرامحة
وامضي صوب الزمان الذي يتبرعم
لا تلتفت
للسنين التي أدبرت
والتي أسرفت في شآبيبها الكالحة
شبّ قلب الليالي عن الموت
شبّ عن الحزن
منذ اهتدت قبضة الفقر للأسلحة
أنت أن لم تُضئ
أنكرتك المواعيد
وانصرفت عنك أزهارها
فانتبه..
خلفك الصهد
والوعدُ يفرِدُ قُدامك الأجنحة.
وهذه قصيدة أخرى أو ومضة للشاعر محمد الفقيه صالح بعنوان أمنية أبت إلا أن تفرض نسقها الجميل، إلى الحد الذي لم نستطع معهُ أن نمر عليها دون أن نضمنها في هذه المقاربة.
أحسنُ حالاً هذه الشجرة
تتلهى بظلها في سلام
أحسنُ حالاً هذا الجدار
الذي يتكئ الفتى بوحشته عليه.
وأحسنُ حالاً هذه الحجرة..
تحتل حيزاً في قوام
تحتل حيزاً على كل حال
فيا ليت الفتى شجرة..
ويا ليت الفتى.. إلخ.. إلخ.
*
وفي قلب غربته واغترابه يكتب الشاعر جيلاني طريبشان (1944 – 2001 ) قصيدته الأيقونة مرثية العمر الضائع.
في البلاد البعيدة كان يمشي وحيدا
كان يختال بين سرب البنات الجميلات،
الأنوثة تتدفأ في الواجهات
والعصافير قد هاجرت لشفاف البحيرات.
في البلاد البعيد،
كان يمشي وحيدا
في الغسق القرمزي
المكان/ الزمان/ الدخان/ المرايا
المكان
حانة وسط دبلن،
حيث لا يعرف السفراء همّ المسافات
كان يأتي صباحاً
ملتحفاً بشجون المرارات، حاملاً وجدهُ،
وبقايا عباءته المغربية
شعره الفحم، الأبنوس
كيف تبيض كل هذي الشعيرات..؟
آه
خلفتك المرارات/ العيون التي تبرق الآن عبر الكوى.
وجهه الجهم كيف يتبعني مثل ظلي ؟
متقفياً أثري،
قارئاً سيرتي البابلية
أنتفض…!
أنتفض، أي هذا الجواد الهزيل،
الطريق طويل
كورك/ ويكلي/ بلفاست/ لندن ديري/ ليفربول/ لندن،
آه لندن
كيف أفنيتني هكذا بغتة؟
المحطات، النهر، الشجر، الميادين
آلهة الحب والحرب،
آلهة الخمر
النساء الجميلات حقاً
كم مرة يتضوعن بالزعفران؟.
المغربي المهاجر، يشرب الخمر
يبكي
ثم يلقي قصائده للرياح
ثم يسأل:
كيف افتض كل هذا الجمال؟
البحيرات ملأى بطيور المساء الرحيبة
والريح تهوي على ساعد العازف المتجول
والرقص يمضي جنوباً إلى الحلبات المضيئة
والمغربي المهاجر يلقي قصائده للرياح
يلقي قصائده للنساء
يلقي قصائده للحجر
المغربي المهاجر
يرقص
يرقص
يرقص
يبكي…،
المغربي المهاجر لا يعرف الساعة أين يمضي؟
ضيعته المسافات
حكمة الصقر، الخرافات،
ضيعته النساء الجميلات
…
المغربي المهاجر،
يقذف أوراقه في بقايا البحيرات..
المغربي المهاجر
يرقص
يرقص
يبكي…،
المغربي المهاجر، ينتحر الآن في غيبة سفراء الطوائف.
*
قصيدة ابتهاج من اجمل ما كتب الشاعر السنوسي حبيب ( 1949 – 2013 ) وفيها نقرأ:-
الرمل مبتهج بك
يتأوه موجة تحت قارب جسدك
المبتهج بحمولته
يناغم عنب الشفتين
تفاح الصدر
ويشاكس فل الجيد
ياسمين الشفتين
إذ تنزلقين على صفحة الكثيب
مجدفة بقدميك الصغيرتين
تاركة لشعرك العنان أن يمسد على كتفيك
منساباً حتى أعلى الكثيب
ولعيني أن تستمتعا
بحمرة شفق الغروب
إذ يتلألأ على وجنتيك
ولأيدي الصديقات
أن تضج بالتصفيق
حين تصلين قبلي
إلى وهدة الكثيب
تاركة لي
متعة أن أتبع أترك على الرمل
مبتهجاً بما يتيحه الغروب من نعومة
وما يثيره حضورك من نشوى
يتضوع المساء بفوحكِ
ينشر طراوته المبتردة
يسلس الرمل بنعومته الدافئة
يهديك القمر ذوب بياضه
تقتسمان بهاء التألق
تزهو بك رمال زلة
فتفرش فروها بساطاً لقدميك
تندس حبِيباتها بين الأصابع
دافعة دفئها في تنميل خدر
حيث يهدر الشعراء المجعجعون
كلماتهم عبثاً
في وصف ما لا يوصف
وتكونين الأجدر
بكل الكلام الجميل
تزهر على طرف اللسان المغازلة
أيتها البضة كسمكة بلطي
والرشيقة كغزالة صحراوية
كيف التقى البحر والرمل في فيروز عينيك
كيف اجتمعت النخلة والزيتونة
في قوامك البض الرشيق
رشيقة وممتلئة
ضاحكة وصارمة
قريبة ونائية
صامتة وجميلة الثرثرة
تجيدين القص
وتستفزين القصيدة.
*
ويكتب الشاعر محي الدين محجوب ( 1960 -……) في ومضات شعرية خاطفة.
أزهار البلاستيك
في غرفتك
أمنية مشوهة
وبصمات رغبة.
في غرفتك
يُحدق الذبول
في النافذة المغلقة.
أنا في يومي هنا
أخلو
من يومي هناك.
ينحدر الخريف
يجمع ما قالته الأشجار.
أنى اتجه
يعترضهُ ربيع.
أطاحت بالخريف
حكمة الأخضرار.
*
ثم لنرى الشاعر عمر الكدي ( 1959 -…… ) وهو يرسم بورترية لجده في القصيدة التي تحمل أسم جدي قائلا:-
كل الحروب مرت على أضلاعه وكل الأوبئة
أما المجاعات فتركت على جبينه أثارها الحافية
وزرعت صدرهُ بالأساطير والحكايات
لذلك كان يتفاءل بخاتم سليمان
يرسمُهُ على أكداس المحاصيل
ويتشاءم من القطط السوداء والغربان
أدرك أول النفط وقد أثقلهُ السُعال والرماد
لا البريق خدعهُ ولا ألوانهُ الصاخبة
لم تبهجهُ إلا خيول الغيم تعدو في حقول السماء
لم تضحكُهُ إلا أهدابُ السنابل
تندسّ تحت أسماله البالية
لم ينحدر مثل جدتي رابية الحياة
لكنهُ اعتلى قمتها ومن هُناك حدّق في الآفاق
ثُم اتكأ على عكازه ومات.
*
وللشاعرة سعاد سالم ( 1966 -…… ) أخترنا قصيدة ضماد من ديوانها، بُن يتحمص.. جزر ممكنة.
لا صحاب..
يفرشون أهدابهم..
حين لا فراش يطيقك
يُحادثونك
حين.. يتكوم الصمت
ويُلقيك العالم
خارج نشراته
لا صحاب
يُلامسون ذقنك
التهزه العبرات
ويبتسمون
حين فزعك
لا صحاب
يُهادونك وقتهم
ويهدرونه بطيبة
في لملمة حزنك
يحضنون
حلمك الباكي
ويهذرون..
لا صحاب..
يُروضون خوفك
يُلقمون السكر
لغضبك الحرون
ويذرفون مشاعرهم
تحت حذائك البالي
لا صحاب يُسقطون
في فمك عسلهم
ويركضونك للشمس
يصطادونك من الكدر
حين..
أُفول الأحبة
لا صحاب يُصاحبونك
من الأمس
حتى الآن.
*
القصيدة الموالية للشاعرة حواء القمودي (1962 -…..) بعنوان (هي وعاداتها)
هي سابحة في لازورد البحر
تلملم الأزرق في قارورة عينيها
تستنطق اللون
لتحكي لحبيبها كل الذي لا يباح
هي
سابحة في عبق نسمة
تأتلق البحر
تُخبئ في مسام الجسد
كل الذي سيباح
من عاداتها
أن تقول صباح الورد للطائر الذي يتحدى هدير الوقت
ويُغرد فارشاً جناحيه مدىً أزرق لشمس يوم جميل
تلحس بلسانها قطرات المطر العالقة بالنرجسة ناصعة البياض
تتشمم عبق التراب الشبعان
وتصهل بالضحك حين يبتسم البحر.
تضم الصغار إلى قلبها
وتزرع في الليل دمعة.
حين لا ترى دفء الفصول في فراشها
هي ضاحكة من كل الذي كان
اتكأت جذع نخلة وبكت
خبأت ( سوق الجمعة ) في القلب
توسد البحر ركبتها ونام.
من عاداتها
أن تؤثث يوماً أخر بكوب الحليب والشاي
تستنهض فراش طفولتها
لتفوح قهوة الأُم العالقة في دخان الطابون
تهسهسها أساور الذهب
فتتلمس تعاريج الزرقة
كما لو أن هذا الوقت لها، تنشده الأغنيات
ولا تخاف سيفه الذهب.
هي
غارقة في ارتباكها
تلملم طرف رغباتها
تسأل الأزرق
لماذا أكون وحدي والكائنات لي ؟
من عاداتها
أن تربك اصدقائها بوهج الأُلفة
ثم تنثني متلاشية في غيمة بعيدة
تعد الأنجم السابحة
تحلم أن تصادفها ذات يوم قريب.
*
من الجيل الثالث تطالعنا الشاعرة سميرة البوزيدي ( 1969 -….. ) بنصها المعنون ب جدوى المواربة وفيه تهمس قائلة:-
في كلام
يختصرني قليلاً
يقرأون
عُشبي المُهرب
يُعددون أقنعتي
وهي تتقافز
بين السطور
مُعلقة من رموشها
جالسون في حانة التأويل
يمزجون اللُغة بثلج التوقع
كتوقع النشرات الجوية
بارد.. حار !
منذ قريب
كنتُ لا أكتب أحداً
ألتف بعباءة أناي
وأنظر بنصف عين
إلى حزن رفيق
والآن عن ماذا أتحدث ؟
عن الكائن الخُرافي ؟
عن صهيل البراكين
أم عن جدوى المواربة ؟
الشعر
يهز حقائق الركود
ويطوي الشجر
في قوارير الحفيف
حيثُ يستدير الجبل
بعيداً عن زعتره
الشجن يتجمع مثل قفير نحل
لذيذ ولاسع !
وينهار جافاً
في قصيد
يفضح تلملم الرماد
ويمحو صوت الحدأة
من ذاكرة القوافل التائهة.
*
لننتقل إلى الشاعر عبد الحكيم كشاد ( 1966 -…. ) الذي يتحفنا بهذا النص الشفيف.
لعلك الآن
تقلّبين دفتر الأيام
وتبحثين مثلي تماما
عن صفحاته الهاربة
أذكر كيف كنا نحشر
رأسينا في كتابٍ نقرأه
نغيب طويلا
الليل خيمتنا
والنهار دندنة عصافير
عائدة.
أذكر كيف التمسنا
في ظل السؤال حيرتنا
ضحكنا كثيرا يومها
من أرتباك الكلمات
على شفاهنا
ولعبة الصمت التي احتوتنا
أذكر من الوقت رائحته
ومن الشمس ظلها الهارب
ومن ألعابنا لعبة “الغميضة”
حيث النظرة الماكرة
تختلس.
واثقون نحضن من نحب
والابتسامة تقودنا اليه.
*
ولا زال نص الشاعر عبد الباسط أبوبكر محمد ( 1975 -….. ) الموسوم ب قناديل يمارس إشعاعه…
جئنا
نعقدُ للحلمِ قُبةَ الفجر
نحبو للسماءِ بعيونٍ شاخصة
نقترحُ طقساً للقلبِ
ونفردُ أعمارنا عقودَ أملٍ
نطردُ الحزنَ بعيدا
نقطفُ الوعدَ الناضج
ونُغمِضُ بياضَ الورقة
عن سطوةِ المخالب
نغني للصبحِ تزفُّه القناديلُ
وتُشهرهُ الروحُ الشامخةُ دربا
من سَكِينة
جئنا
على غفلةٍ من الوجعِ
نَغمِسُ المساء في ضوءٍ طليق
نلقِّنُ الزمنَ حفنةَ الأمنياتِ
ونكسرُ الظلمةَ بأصابعَ من لهبٍ
نُشَكّلُ الظِلالَ باحةً للشموعِ
ونسكبُ العِطرَ موعِداً للفراشاتِ
نُصغي لعرسِ المطرِ
نعدُ البلابلَ بأعشاشٍ راسخة
نفرشُ للغيمِ لهفة السنابل
نهُزُ جذعَ السؤالِ
فتنتظمُ الكلماتُ سُلَّماً
من ضياء
نصعدُ مراقيَ الحلمِ بألفِ رغبة
ونقول : إننا هنا
ننثرُ الفرحَ على امتدادِ العمرِ
نُـهيّئ للغدِ باقةً من رجاءِ
نتوِّجُ الوطنَ قِبلةً
ونجيء مع الفجرِ أحلاماً وعصافيرَ
إننا هنا
فانتظر أيها الوقتُ
وأتسع أيها المكانُ.
*
ونختم بقصيدة ” كرغيف من قمر ” للشاعر خالد درويش ( 1972 -….. )
أو كلما آنست نارا أحرقتني ؟
أو أحببت امرأة
طوحت بي خارجا وصرخت
يا سارق التفاح
فلماذا ايتها القصيدة أخسر قلبي
كلما عانقتني.
أو كلما افتتحت مدينة تكفر بي حقولها
وتطردني نساؤها
ها انا أتجه صوب النهر عاريا
دونما مملكة
دونما أحرف
اترك ورائي خرائب لا تلملمها الرياح
وطيورا لن تعود إلي
وحبيبة غافلة ترقب عودتي منتصرا
أو نبيا..
لماذا كلما مت ظمآنا تبكي السماء فرحا،،
أيتها العصافير البعيدة أخبريني
ثمة حزن بقلبي
هناك حيث شعاع لم يصل
حيث لم تقبلني امرأة
وتقل لي يا صغيري
ولم تلبس نظارتي كي تر وجنتيها بعيني
وتنشج فوق صدري
هنالك،، حيث قرية صغيرة مربعة
تغمس ضفائرها في طلاء الحائط.
لماذا أيتها الحبيبة انام وحدي
وعندي من الشهوات ما لا عين رأت
ولا مرت حافلة مسرعة
لماذا أيتها الدافئة جدا،، كمنديل دمع
والحارقة جدا كصراخ جارتنا حين تنادي أطفالها قبل المغيب
لماذا تغلقين الحصاد ولا تتركين لي سنبلة أستظلها
كمئذنة.
او اركض خلفها كوعل
أيتها الشهية كالكتابة،، أيتها القصيدة التي سوف تأتي كسمكة طيّعة
كرغيف من قمر
لماذا تجيئين كالماء عنوة
وتذهبين كجرعة خمر.
ولا زال التألق الشعري مستمرا في ليبيا اليوم على يد ثلة من الشعراء الشباب الذين يمكن الاطلاع على أنتاجهم الشعري من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والحكم عليه، رغم أن تجربة هذا الجيل لا زالت قيد النضوج والتبلور، وإلى أن تتضح ملامحها لنا حديث آخر، فيما تظل هذه المقاربة محاولة لتأطير الشعر الليبي وجهد متواضع للتعريف به، لدى الغير مطلعين عليه من القراء العرب، ولا تزعم باي حال من الأحوال أنها قدمته بشكل كامل، وفيما أضاءت بعض جوانبه ظلت جوانب أخرى في انتظار من يضيء عتمتها ويجلو غموضها.