النقد

القصة بنكهة أهل البلد

تتميز القصة القصيرة بمرونتها، وقدرتها على التكيف ومتطلبات المرحلة (العصر)، بالتالي هي -في ظني- أقرب الأجناس الأدبية للحياة أو تصوير اليومي والذهاب فيه عميقاً، رصداً وسبراً. فهي على العكس من الشعر الحديث، أكثر قرباً للقارئ، وأبعد عن الانغلاق والتحصن بالذات، والهروب والتجريد. كما إنها تمنح المبدع، أكثر من مستوى أو باباً للاقتراب من الحدث، أو موضوع القصة، كما وفي ذات الوقت، تمنحه الفرصة لاختيار الزاوية التي يريد لإنتاج النص.

وفي مجموعة القصص التي نتوقف عندها، في هذه السطور محاولين سبرها، نكتشف قاصة مشغولة باقتفاء أثر التفاصيل الحميمة، واسترجاع اللحظات في صور ومشاهد. فالقاصّة في نصوصها القصصية القصيرة، تعتمد على علاقتها بالحدث، محور القص، والذي يتحدد في:

درجة الاقتراب،

طبيعته.

توقيته.

لحظته (معايشته).

داخل هذا المربع، تتحرك القاصة، بعد تحديدها للموضوع وفقاً لخطة مسبقة، تحدد فيها أماكن ملامستها لكل حائط، ثم تحدد مكان المدخل، وطريق الخروج. وهي لهذا تهتم بشكل لافت بتكوين مشهدية النص، وتولي بعض التفاصيل عناية خاصة، كونها تحملها رسائل وتعول عليها في خلق ألفة ما بين القارئ والنص، وفي الحقيقة بينها هي (كإنسان) وبين النص حميمياً. فهي في كل نص تختار تفصيلاً ما، مختلف، ويمكنه جذب الانتباه.

هذا الاشتغال الهادئ، وغير المتكلف في ذات الوقت، يُقدم من خلال لغة سلسلة ومباشرة، مطعمة بلغة محكية (لهجة)، في الغالب، في مفردات وتعابير، درست مواضعها بعناية، حتى تكون جزء مكوناً لا إضافة. مما يكسبها نكهة المكان الذي تنتمي إليه القصة، وهو طرابلس القديمة، كمكان، ومجتمعها كشخوص وأحداث، وعلاقات اجتماعية. بالتالي، فكل نص يتميز بنكهته الخاصة، الذي يمنحها إياه الحدث، ومذاقٌ خاص، تجتهد القاصة، لأن تجعله مختلفاً في كل نص.

في مجموعة قصصها التي نشرت، قبل مجموعتيها، حافظت القاصة على نمط سردٍ ثابت، بشكلٍ كبير، فهي تدخل النص بإيقاعٍ هادئ، حيث تتجول بعينيها في المحيط بمتأملة وملتقطة للتفاصيل والصور، ثم ترفع درجة حرارة المشهد باقترابها واستذكارها، واستجلابها للحظاتها الحميمية، أو معايشة الحدث، والدخول بنا إلى اللحظات الخاصة، وهو الجزء الأطول في متن النص سرداً، لتستمر حتى تصل نهاية النص، لنجدنا فجأة ننهيه.

في ظني إن القاصة “عزة المقهور” استفدت من تجربتها كمحامية، في الجلوس إلى كل قصة كما تجلس للقضيةٍ ما، تدرسها بعناية وتأن، وتعيد المراجعة، وسبر كل مداخلها ومخارجها، حتى تحبك نصاً قصصياً، يأتي كلوحة، أو كمشهد مكتفٍ، ومستقل. ولأنها بنت طرابلس المدينة، لا تغادرها لحظاتها الخاصة التي عاشتها، لذا فإن نصوصها تحمل الكثير من طبيعة المدينة، وأهلها، ومناخها.

مقالات ذات علاقة

ديوان النثرِ العربي يوسف القويري أنموذجا

أحمد الفيتوري

محمد المزوغي…  يقتل الياسمين بالموت والغربة والذكريات

إنتصار الجماعي

قراءة في قصيدة “ما وراء الوصول” للشاعرة سعاد يونس

مصطفى جمعة

اترك تعليق