قصة

حفاة…نعم حفاة

 

قرع عنيف.. من يا ترى القادم.. بعد أذان الفجر؟!

الأيادي تقرع بقوة.. من يا ترى القادم في هذا التوقيت؟.. ينتفض النائم منزعجاً.. أظنه كابوس.. ولا كل الكوابيس.. يعود إلى فراشه.. يتململ.. يسحب إليه غطاءه المتسرب بعيداً عنه.. يتمنى النوم من جديد.

يصله صوت القرع.. ثانية.. يقفز من مكانه كالمعتوه. كالمجنون ويخرج خارج غرفته مهرولاً.. ليرى.

يا للهول.. ماذا حدث لوالده.

والده ذلك الشيخ المسن.. يطرق الباب بعنف من الداخل!

يرغب في الخروج.. إلى أين؟ في هذا التوقيت الصعب يتساءل بداخل نفسه:
“هل يُمّكنه من الخروج والانطلاق؟”.

أظنه سيتوه بين زنقات الحارة.

فوالده أصيب بمرض فقدان الذاكرة منذ فترة وجيزة.. إنها أعراض الشيخوخة كما أقنعه الدكتور بعد أن عجز عن اختيار الدواء المناسب له !

شيخوخة!! في الخامسة والستين!! ها ها.

يضحك ساخراً من الطب ومن يعمل في حقل الطب. يخرج وينطلق مع والده.. يمشيان في الأزقة المظلمة شارعاً بعد شارع ممسكاً بيده.. حتى لا ينسلخ منه.. يصل به إلى المسجد الأول.. لا يريد أن يدخل!!

يسحبه والده إلى ذلك المسجد في الحارة الأخرى.

لماذا.. لا أحد يدري!

يصلان إلى المسجد المقصود.

يدخلان من المدخل الخلفي.

يتركان أحذيتهم عند الباب.

يصلي والده بدون وضوء.

يضطر للدخول معه ويصلي بدون وضوء أيضاً.

ينتظم في صفوف المصلين.. ينتظم وراءه ليراقب والده وفي منتصف الركعة الثانية.. يترك والده الصف والصلاة ويخرج فجأة من الباب الأمامي للمسجد.. يقع ابنه في ورطة.. هل يكمل الصلاة ويترك والده يتوه بعيداً بعيداً أم يترك الصلاة من غير وضوء ويلحق بوالده.

ويترك أيضاً الأحذية عند الباب الأول.

لا يجد وقتاً للتفكير.. يقرر اللحاق بوالده.

يخرج وراءه حافياً.

يتمكن من اللحاق به.. يمسك به من جديد.. يقوده إلى حيث لا يدري.

حفاة نعم حفاة.

يشاهدهم البعض وقد خرجوا من المسجد.. يتململون في صلاتهم ويضمرون خبراً وأخباراً.

يشاهدهم البعض الآخر خارج المسجد.. متسكعين.. لا يستوعب أحد ما يحدث

يصفونهم بالمجانين. يخبر البعض البعض الآخر بما شاهده.. يؤكدون أنهم مجانين.. يصدقهم البقية.

تمضي الأيام رويدا رويدا.. فينتقل الشيخ إلى جوار ربه ويرتاح.. ويبقى ابنه في نظر الناس  المعتوه.

أدنبرة: 4/4/2001

مقالات ذات علاقة

لا أحب البطيخ

رحاب شنيب

لحد الحب..

حسين بن قرين درمشاكي

قصص قصيرة

المشرف العام

اترك تعليق