ارتطم حجر بالباب، وسقط آخر فوق السطح، وفي اليوم التالي شج راس والدي. لم يعد الأمر عبث أطفال كما كنا جديد.ولا حجرا طائشا من يد جار، لابد أن احدهم يتقصدنا، بدأنا نترصد الفاعل. وفي غفلة منا انهالت الحجارة من جديد.
شاع الخبر وتحيرت البلدة.. أجزم الجميع بان الفاعل هم أهل الخفاء، فعلقت والدتي التمائم والحجب حول الدار، لكنها لم تجد نفعا. فلم نجد بدا من الرحيل… قصدنا الضفة الأخرى للوادي. يقال أن التميمة الوحيدة ضد
“بورجام” هدا، ان تحمل معك الحجارة ذاتها التي قذفك بها حتى لا يعود لمطاردتك.
اذكر أن والدي حملني فوق ظهره، وضعني فوق كيس من الحجر، الكيس التميمة.! كنت وأنا متشبثا بعنقه أقاوم رغبة في أن أفتش كيس الحجر واقلب حجارة الجان التي قذفنا بها واجبرنا على الرحيل وترك البلدة ودار الحجر والطين التي تطل على الوادي… في الطريق للضفة الأخرى البعيدة المقفرة، كان والدي يقص علي حكاية، لعله قصد تسليتي أو ربما ليخفف وطأة الرحيل عن والدتي التي كانت تحمل بعض أغراضنا فوق رأسها وتبكي في صمت.
قال والدي:
_كانت السلحفاة تحمل كيس من الحجر لتبني بيتا، مشت السلحفاة تشق طريقها عبر المسالك الوعرة، وطافت الأرض
بحثا عن ملاذ. دون أن تتخلى عن كيس الحجر، حتى التصق الكيس والحجر بالجسد، وأصبح صدفة.! لا تهزأ بالسلحفاة، صحيح إنها بطيئة – ضحك والدي وأضاف:
_لكنها رمزا للعناد!
نمت فوق ظهر والدي على أنغام صوته الرخيم، حلمت بعالم من السلاحف المعاندة وحين صحوت وجدت والدي قد فرغا من نصب الخيمة وترتيب الأغراض.
في سفح الجبل، في الموضع الذي أنزلني فيه والدي عن ظهره، شرع والدي في بناء دار من الحجر والطين.
كنت أرافقه لمقلع الحجر من الجبل الذي صار يسند بيتنا، وذات يوم اكتشفت عشا لطائر بري، كان بلون الأرض يحيط عشه بحجارة بحجم قطع النقد، وفوق الحجارة التي لعله قذف بها، ومن نتف ريشه، بنى الطائر البري عرشه ونام في سكينة. كان ثمة براح يفصل بيتنا عن ضفة الوادي، في ركنه هيأ والدي ساحة صغيرة، اتخذناها أعواما موضعا لجمع المحاصيل، وأحيانا يتخذها والدي مصلى. وذات مساء افرغ من الكيس القديم، الحجر التميمة، ناولني بعض الحجارة،
ذهلت لأنها كانت بحجم قطع النقد، كالتي رايتها حول عش الطائر البري، كان على بعضها دم متيبس، وقال:
_ تميمة لبيتك الجديد.
وأشار بعود صغير، حيث مصلاه، نحو الموضع ذاته الذي أنزلني فيه عن ظهره ذات يوم..
نوفمبر 2002