قصة

يوميات في الغربة

تصوير: الشاعرة ليلى النيهوم.

خرجت باكرًا جدًا لم تتجاوز الساعة الخامسة صباحًا، الهواء ساخن في الخارج وكأني قد دخلت إلى (ساونا) مفتوحة، وصلت بصعوبة إلى الشاطئ، لا أحد هناك سوى سيارات المقاهي المتنقلة لم تفتح أبوابها بعد، والبحر قد جزر وكشف عن صخور سوداء مدببة الحواف وكأنها رؤوس أفاعي…

هكذا خيل لي، بعد أن افترشت الرمال الساخنة وسرحت في شروق الشمس التي أشعرتني بحرارتها قبل أن يظهر قرصها الذي يتراقص من الوهج على سطح الماء، شعرت بشخص يجلس على مسافة قريبة مني جعلني أجفل قليلاً وأشعر بالخوف، لماذا جلس هنا وترك كل هذه الأماكن على الشاطئ الطويل.. خفت من الوقوف والابتعاد عنه فربما سينقض علّي فجأة رغم إنه يبدو هادئًا أنيق الملابس مرتب الشعر تفوح منه رائحة زيت العود العطري…

راقبته بحذر لم يلتفت نحوي كان بجانبه حقيبة صغيرة فتحها وأخرج مجموعة من الحصى ذكرتني بتلك التي رجمنا بها الشيطان ذات حج، أخذ واحدة في يده وقذفها ناحية البحر.. كان يتوقف بين قذفه وأخرى وكأنه يستمع لصوت ما، ثم يقترب أكثر من البحر ويقذف بباقي الحصى وهو يتحاشى تلك الصخور الناتئة وكأنه على دراية بها…

صار يتقدم ويبتعد حتى غمره الماء.. وصرت لا أرى سوى رأسه، خفت أن يتقدم أكثر من ذلك لكنه استدار راجعًا ولم ينتبه لصخرة كبيرة كانت في طريق عودته كشف الجزر عنها، في تلك اللحظة حاولت أن أثير انتباهه فصفقت بصوت عالي ونبهته أن يحذر مما أمامه وأدركت إنه لم يكن يراني ولا يرى أي شيء أخر…

فاحت رائحة القهوة وصوت المذياع من إحدى المقاهي التي فتحت نوافذها للمارة يردد (الدنيا ريشة بهوى طايرة ما بين جناحين.. إحنا النهاردة سوى وبكرة ح نكون فين)…

عاد وجلس بجانبي وقد أقبل النادل يحمل كوباً متوسط الحجم تفوح منه رائحة القهوة وقد ناوله له بعد أن أمسك بيده ووضعها على الكوب، وقال (قهوتك يا باشا)، وبعد أن أمسك بكوبه قال للنادل هل تأتي بكوب أخر أعتقد أن هناك رفقة هذا اليوم، ثم نظر نحوي بنظرات ثابته بها الكثير من الامتنان وقال: منذ مده طويلة أتردد على هذا المكان كل يوم في هذا الوقت من الصباح، لا شيء يتغير، اليوم فقط شعرت أن الجزر كان أبعد مما توقعت هذا ما أخبرتني به هذه الحصوات الصغيرة وأنا أرمي بها لأسمع صوتها في الماء، وكنتِ أنتِ تلك العناية الإلهية التي بعثها الله لي…

بعد أن شرب قهوته نهض وهو يلتقط بعض الحصى من جديد ويخبئها في حقيبته الصغيرة ويختفي فجأة مثل ما جاء فجأة. ترى ما الذي دعاني للخروج في هذا الصباح من أيام أغسطس الحارة الغارقة في الرطوبة سوى أن ألتقيه وأمنع قدراً ما يتربص به…

مقالات ذات علاقة

نواقيس في الظلام

المشرف العام

صوتٌ خفي

عبدالرحمن امنيصير

الشيء.. الذي حدث

فتحي نصيب

اترك تعليق