ورقة أخرى تسقط من تاريخ الإبداع الليبي، إذ غيَّب الموت، الخميس، الفنان الليبي فتحي العريبي بعد عارض صحي لم يمهله طويلًا.
والعريبي هو فنانٌ شاملٌ مصوِّرٌ صحفي وسينمائي ومخرج تلفزيوني وسينمائي، وكاتبٌ وفنانٌ تشكيلي وشاعرٌ، ورئيس تحرير مجلة «كراسي».
نال شهادة أفضل إنتاج فوتوغرافي للعام 1986 من مجلة «فن التصوير» في بيروت، وشارك وقدَّم أكثر من 60 معرضًا للتصوير الفوتوغرافي بين فردي وجماعي داخل وخارج ليبيا، رأى أنَّ رسالته لابد أنْ تمتد من خلال ابنيه أحمد كمصور فوتوغرافي، ونبيل كمخرج تلفزيوني.
مؤرخ اللحظة
وُلد فتحي العريبي في 15 مارس 1942 في مدينة بنغازي بمنطقة الصابري.
عَمَلَ منذ العام 1964 وحتى 1968 مصوِّرًا صحفيًّا بصحيفة «الحقيقة» في بنغازي ومجلتي «الإذاعة» و«ليبيا الحديثة» في مدينة طرابلس، ثم تحوَّل إلى التصوير السينمائي للأفلام الإخبارية والتسجيلية بإدارة الإعلام والثقافة بوزارة الإعلام كمندوب لمجلة «الجريدة المصورة» في بنغازي، وحين اُفتُتح التلفزيون الليبي في 24 ديسمبر العام 1968.
أسَّس به قسم التصوير السينمائي والمعامل الفنية وغرف التوليف، فيما أُسندت إليه إدارة هذا القسم، أقام العريبي معرضه الأول ضمن فعاليات النشاط المتكامل بنادي «النجمة» العام 1965، وفي شهر يونيو من العام 1969 أُوفد في دورة فنية للتصوير السينمائي والمونتاج إلى ألمانيا لدى شركة «أري».
المعارض والجوائز وأهم مؤلفاته
شارك العريبي في عدة معارض فردية وجماعية داخل وخارج ليبيا للتصوير الفوتوغرافي منها معارض أثينا وروما وفاليتا وباريس ولندن ودمشق وبغداد والإسكندرية والقاهرة، كما تحصَّل على عدة شهادات وجوائز محلية وعربية ودولية منها:
شهادة أفضل إنتاج فوتوغرافي للعام 1986 من مجلة «فن التصوير» في بيروت، 1999 الجائزة الذهبية عن محور الطفولة من معرض «نيسان الثاني للصورة العربية» في بغداد جائزة الدولة التقديرية للفنون والآداب 1999 لدوره الريادي في فن التصوير.
كما أسهم العريبي في إثراء المكتبة الليبية والعربية بعديد الكتب في السينما والتصوير الفوتوغرافي «المتفرج الوحيد» سينما + 95 صورة فوتوغرافية العام 1975 ومنشورات مجلة «جيل ورسالة» الكشفية الإصدار رقم 15، و«الدليل إلى فن الصورة والتشكيل» العام 1998.
له أيضًا كتابٌ مصوَّرٌ بعنوان «العين الثالثة – أساليب ومناهج في التصوير الضوئي عند أشهر المصوِّرين في العالم»، بالإضافة لمخطوطاته غير المنشورة منها: «هديل الحمامة البيضاء» دراسة أدبية وتشكيلية، «فضاءات تشكيلية» قراءات في الفن التشكيلي، «دولة النساء» عن مبدعات عربيات في الأدب والفن.
ورحل عش الحمامة
والعريبي هو أول فنان تشكيلي ليبي يطلق موقعًا خاصًّا به على الشبكة العالمية للمعلومات منذ العام 1999 باسم «عش الحمامة»، كما أسَّس صحبة رفيقه الفنان التشكيلي الكويتي حميد خزعل أول مجلة إلكترونية شهرية متخصِّصة في أدبيات وفنون الكرسي والكراسي بعنوان «كراسي».
في خريف العام 1990، تَرَكَ نهائيًّا العمل الوظيفي الرسمي بالدولة كمخرج تلفزيوني ليتفرغ لتنظيم أرشيفه المصوَّر الضخم والانصراف كليًّا لأعماله الفنية الخاصة مركِّزًا نشاطه على التصوير الفوتوغرافي، وتطويره والتصميم الفني للملصقات وأغلفة الكتب وفنون الغرافيك من خلال الكمبيوتر في مرسمه الذي يسميه منذ العام 1975 باسم« عش الحمامة».
من الصادق النيهوم إلى نزار قباني
ارتبط بعلاقة وثيقة بجُل المثقفين الليبيين والعرب، فقال عنه الشاعر نزار قباني: «فتحي العريبي يكتب شعرًا بالكاميرا»، كما ارتبط بعلاقة وثيقة بالكاتب الليبي الصادق النيهوم، وكان منذ أواخر ستينات القرن الماضي يحمل الكاميرا ويرحل عبر العالم بحثًا عن المعرفة والجمال.
علاقته بالسينما والتلفزيون
زيادةً في التجديد والتجريب والبحث، اتجه العريبي إلى السينما والتلفزيون فأخرج وأنتج أفلامًا وثائقية جديدة ومختلفة عن مثقفين وفنانين ليبيين في ذلك الوقت، مثل فيلمه القصير عن الصادق النيهوم وعن الرسام الليبي عمر جهان، كما قدَّم العريبي عروضًا خاصة لبعض الفنانين والمثقفين في مدينته (بنغازي).
تعتبر تجربة فتحي العريبي رائدة في فن التصوير الفوتوغرافي الليبي، وهو من أوائل الليبيين الذين نقلوه من فن محايد وجامد إلى أداة فنية كالرسم والنحت والشعر تعبِّر عن رؤى مَن يحمل الكاميرا وأحاسيسه، أيضًا يعد رائدًا في تجديد فن الغرافيك ويخوض بواسطة إمكاناته مغامرات واسعة من دون أنْ يتخلى عن كتابة النص كرديف ومكمل للنص البصري.
هكذا تحدَّث عن نفسه
يومًا، تحدَّث العريبي عن نفسه فقال: «أنا الذي اختزل في لقطاته الفضاءات الهاربة ونبض الحياة وديمومتها البصرية، وسالم طيور الحمام، أحبها وأحبته، وأنا الذي مَنَحَ المُشاهِد الجامدة بعضًا من حركتها وحيويتها كي أجمِّل قدر المستطاع المشاعر التي علاها الصدأ، وأنا ذاك الذي يحمل في قلبه وفوق لسانه مجمل معتقداته وقناعاته وهيأ رحيل حياته المقبلة.
حمامتي إنْ يسألوكِ عني يومًا، فلا تفكري كثيرًا، قولي لهم بكل كبرياء يحبني، يحبني كثيرًا، نجاحاتي مثل نجاحات نزار قباني وناجي العلي وسيد درويش والسيدة فيروز والدكتورة نوال السعداوي، نجاحات لا تقاس بحجم الأرصدة في البنوك، بل بقدر ما يشعر به المؤمنون بالله والعزة والكرامة والقومية العربية وجمال عبد الناصر».
برامج مرئية
كتب العريبي وصوَّر وأخرج سلسلة من الأفلام السينمائية القصيرة منها: «مجرد أحلام» العام 1971 و«دقات الساعة» العام 1972 و«الأطفال أطفال 1972، «الخلية والعسل» العام 1973 و«العودة إلى بيسان» العام 1974 و«المحاضرة» العام 1975.كما قدَّم العريبي للتلفزيون عددًا من البرامج من إخراجه منها: «حياتنا الجديدة» وثائقي 1970 .
«طريق البناء » وثائقي 1971، «أغاني الحياة» موسيقي 1973 ،و«ألوان منوعات» 1974 و«عارفين ومش عارفين » للأطفال 1975 و«قوس قزح» ثقافي 1985 و« أبعاد مرئية » ثقافي1987 وأيضًا أعد وأخرج للإذاعة المسموعة مجموعة كبيرة من البرامج الثقافية منها:
شريط تسجيل في الفترة من 1981 وحتى 1985 وهو أسبوعي في 30 دقيقة من 150 حلقة، ونال من خلال بعض حلقاته الخاصة بالتصوير شهادة أفضل إنتاج فوتوغرافي للعام 1986 وهو من تقديم ابنته آمال العريبي وآخرون، «أبعاد تشكيلية » لإذاعة بنغازي المحلية سنة 1997 – يومي في 15 دقيقة من 65 حلقة إخراج ابنه نبيل العريبي.
الدورات والدراسات التخصصية
أُوفد العريبي في شهر يونيو من العام 1969 في دورة فنية للتصوير السينمائي والمونتاج إلى ألمانيا، كما تحصَّل على دورة فنية في الإخراج التلفزيوني وكتابة السيناريو لدى شركة «فيز نيوز » في لندن 1978 وتحصَّل في نهاية الدورة على الترتيب الأول بفيلمه التسجيلي «الحياة في الشمع » – وموضوعه كان متحف الشمع في لندن.
كما تحصَّل على دورة متقدِّمة بالمركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني في دمشق 1988 في كتابة السيناريو ونال على أثرها شهادة بتقدير ممتاز عن كتابة سيناريو «الوردة الحمراء »، كما قام بالتدريس في مادة «الإعداد الإذاعي والمرئي» بجامعة قاريونس بكلية الآداب قسم الإعلام العام 1985 وكذلك تدريس مادة «التصوير الضوئي» بثانوية الفنون والإعلام في بنغازي العام 1997.
_____________
نشر بموقع بوابة الوسط