قراءات

دردشة على حافة (سمها .. وخذ بلاداً) للشاعر عبدالباسط أبوبكر محمد

في مشهد شبه حواري وعبر ذاكرة مفعمة بالحزن نص جديد وليد لحظته…يناجي الوطن يحتفي به ويقترب من شجونه

 

الشاعر عبدالباسط أبوبكر
الشاعر عبدالباسط أبوبكر

 

 

النص:

سمها .. وخذ بلاداً..

أكرر كل ليلةٍ

على وسادتي اسمها

الحلم فيها يربكني

والفرح طار بعيداً

والأماني

انفرط عقدها

هي أقرب من كل الشجون

تتربعُ على سدة الروح

لاتختصرها

المعاني

وتختصرُ المعاني

هي

هنا في القلب

مجبولةٌ من لهفتنا

كلما

حدقنا فيها

حجبتها الأوهام !!

…………..

أيها الطفل المنهك

هي تعرفها

…………

إذا سمها

 

الشاعر:

ولد الشاعر عبدالباسط أبوبكر محمد في الخامس عشر من شهر نوفمبر عام 1975 في قرية (قصر ليبيا ) القريبة من مدينة البيضاء ، وهى قرية اثرية جميلة هادئة تنام في أحضان الجبل الأخضر، وربما كان لها اثر في تكوين ونتمية ملكة الشعر لديه ، نال البكالوريس في المحاسبة عام 1997 من جامعة عمر المختار ، وواصل دراستة الاكاديمية بجامعة وادي النيل السودانية 2007 وتحصل منها على درجة الماجستير  في المحاسبة أيضا .

له ديوانين من الشعر. الديوان الأول صدر عن مجلة المؤتمر في عام 2005 وعنوانه في متناول القلب ،كما صدر له ديوانه التاني أوقات خارج الوقت عن مجلس الثقافة العام في ليبيا  عام 2008. بدأ عبد الباسط مشواره الادبي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بنشر بعض المقالات النقدية في الملحق الثقافي لصحيفة الجماهيرية ، إلى جانب نشر نتاجه الشعري في بعض الصحف المحلية ، وبعض المواقع الالكترونية المهتمة بالشان الثقافي .في عام  2005 أنشأ موقعه الخاص به على الانترنت نشر من خلاله تجاربه الشعرية ،ثم طوره في عام 2009 إلى مدونة أكثر رحابة واتساع من موقعه السابق سماها “تفاصيل ” ساهمت بشكل مهم في التعريف بنتاجة الادبي بشكل كبير، بدأ عبدالباسط تجربته الشعرية بكتابة القصيدة العمودية ،ثم انتقل لكتابة قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر.

 القراءة:

بشكل عام العنوان هو المفتاح الذي نستطيع من خِلاله الولوج إلى عالم النص كله ، ومهيئ مهم من مهيئات القارئ لما سيأتي في النص ، فعندما يستوقفك نص ابداعي من عنوانه ويثير في نفسك شيء ما ، فتقرر أن تقرأه فهذا يعني أن كاتبه نجح منذ البداية ، ومن عتبة النص الأولى (العنوان) في أن يحثك ويستفزك لتكمل قراءة النص كله ،وقد ذكر على جعفر في كتابة الشعر والتلقي أن ” العنوان يعلن عن طبيعة النص،ومن ثمة يعلن على نوع القراءة التي يتطلبها هذا النص،انه البهو الذي نجلف من خلاله الى النص “. فعنوان النص يمثل وهذا بالضبط مافعله عبدالباسط أبوبكر في هذا النص حيث برع في استخدم اسلوب الطلب لاستحصال انتباه القاريء وشده إلي نصه الذي كتبه له فجاء عنوان النص جملة منمقه ذاث غواية وأحجية نصية جميلة “سمها .. وخذ بلاداً” . بهذة الجملة وبفعل الامر المحبب عنون الشاعر نصه لينشىئ منذ البدء جسراً للتواصل مع المتلقي يحثه لتنشيط خياله وذاكرته ويثير ميزة الفضول والتأويل عنده، واي فضول اكثـر من هذا الفضول الذي يمكن ان يكون لدى القاري ليتعرف على ماهيـة الشي الذي طلب منه الشاعر أن يسميه ويعطيه بلادا مقابل ذلك.

بعد عتبة العنوان ومن أول سطر يدخل الشاعر في صلب النص بمشهد شبه حواري مع المتلقي يظهر فيه الشاعر مخاطبا الآخر، مثبتا وجوده بالانا (أنا الشاعر) مستخدما فعل مضارع مستمر يوحي بالتجدد ويدل على الحركة والتكرار يخاطب به المتلقي  “أكرر كل ليلةٍ” لفاعل ضميره مستتر تقديره الشاعر , والجملة كلها تعبيرا عن ذاكرة نصية تحترف التكرار والبوح حيث الشعور بالوحدة والوحشة وربما الأرق الذي يرافق الليالي. “أكرر كل ليلة اسمها ٍ” إن هذه المقدمة الجريئة التي بدأ بها عبد الباسط نصه تعكس مدى مقدار مايكنه من حب ووله لمحبوبته، وتأثيرها عليه كشاعر محب يداوم على تكرار اسمها كلما وضع راسه على وسادته لينام كلة !! ،كما أنه وفق في اختياره لكلمة” على وسادتي” فالوسادة تعبيرًا رومانسيا جميلا ومعبرا بشكل كاف عن الوصل والرغبة في الاقتراب من المحبوب, الشاعر أيضا إستهل متن نصه الإبداعي بافتتاح زمني “كل ليلة”.

ثم ينقل لنا الشاعر الصور والمشاعر والاحاسيس التي  يعيشها وتنتابه كل ليلة ،فيعرض للقارى متاعبه وشجونه طمعا في أن يشاركه  احاسيسه التي يشعر بها ويُعانيها كلما تذكر محبوبته , فتنحو مفرداته نحو تكوين ذاكرة مفعمة بالحزن “الفرح طار بعيدا” والارتباك “الحلم فيها يربكني” المسيج بالفوضى بقوله  “الأماني انفرط عقدها “ويحدث هذا كل ماخطرت له محبوبته. ليلتحف النص في مجمله بعد ذلك باللغز عبر مواصلة  الشاعر في مساعدة المتلقي ليتعرف عليها فيقول عبد الباسط انها  ”  اقرب من كل الشجون ” وقبل أن يقفل الشاعر نصه ويطلب منا ان نسميها  ”  إذا سمها ”  يقدم الشاعر بعض المفاتيح التي قد تساعدنا في التعرف عليها فينقل محاسن محبوبته . ويضهر الفعل المضارع في النص بشكل جميل وبغزارة مقارنة مع فعل الامر أو الماضي ليدلل بذلك على استمرارية حبه لمحبوبته وحالة الوله التي يعيشها الشاعر وينعكس ذلك في ستخدامة لللافعال  ،”  أكرر “  ”  يربك “  ”  تختصرُ “ ”  تتربع ُ “.  وقد وضف  الشاعر الأفعال السابقة فجاءت مصورةً بشكل جيد عواطفه المتدفقه النبيلة تجاه محبوبته بمعناه الواسع ، فتحفز القاري ليتسأل من هذه المحبوبة التي يحبها الشاعر بهذا القدر؟

ومن بين جماليات النص أن المكان الذي يؤشر عليه النص لايوجد بشكل مادي محسوس ومباشر ، ولكن حرفنة الشاعر في تاثيره على المتلقي ولفت انتباهه إلى قيمة المكان عبر صور بسيطة دلالاتها عميقة جدا تمكن من خلالها الشاعر بذكاء التلميح للقاري بأن النص مضمونه ليبيا : ” لاتختصرها المعاني ”  ”  تختصرُ المعاني ”  ”  تتربعُ على سدة الروحُ ” ”  انفرط عقدهاُ ” 

وأخيرا فهذا ، نص جديد و هو وليد لحظته كما قال لي عبد الباسط عندما سالته متى كتبه؟ وفي مجمله يزخر بألفاظ تصور عواطف متدفقه نبيلة لشاعر يبدو انه كان يبحث عن وسيلة ييوح بها للغير وربما لنفسه فوفق في ذلك ، فبرزت شخصيتة في نصه كإنسانٌ محبٌ لوطنه , مخلصٌ في شعورِهِ , صادقُ في انتمائه .جريءٌ في عرض فِكرته التي تتلخص في أنه يحب وبشده وطنه ليبيا كما يحب أبنته ( ليبيا ) وربما أكثر !!

مقالات ذات علاقة

المكان في قصيدة (منفى) للشاعر عمر الكدي

سالم أبوظهير

أرسان الروح: مواجهة الحصادي لمرآة ذاته

مهنّد سليمان

قراءة مختلفة في تاريخ الرياضيات

المشرف العام

اترك تعليق