حنان السنوسي
الحياة طاحونة تدور لتسحقنا.. نسير نحوها جميعنا لنلقى حتفنا مع ابتسامة بلهاء وأحلام كبيرة.. أنا سليم بطريقتي، أبيع الوهم للناس وأتقاضى أجرا كبيرا، نظير إنهاء القطع الناقصة في أحاجيهم المتوقعة..
أنا أدفن مغلفات من الجلد والقماش، وأكتب أوراقا صفراء فيها شفاء لصدور لم تقتنع بفشلها، وتبحث عما يخبرها بأنها رائعة ومميزة، حتى أن الناس كرهوا هذه الروعة، وقرروا الاتصال بالشيطان ليدفنوها بين الجماجم، ستستغرب للكم الكبير من الحمقى المحيطون بك.. من يرون في أنفسهم اختلاف لا يراه سواهم، من يعتقد بأنه خلق فريدا وهو شائع حد الملل.
حليمة عجوز طيبة، هي جارتنا التي ملأت بيتها صبيانا وبناتا، وعاشت مع زوجها الصابر في ثبات ونبات.. ولكن ذريتها حملت لعنة زوجها الجينية؛ فهم قصيرون حتى الأرض، ومكتنزون كالبالونات.. كان للفتيات منهم وجوه ملائكية وشعر كالحرير رائع، ولكن هذا لم يشفع لهن في عيون العرسان.. ومرت السنون، وزوجت حليمة أولادها الستة، فالذكور يُقبلون على علاتهم ما دام المال متوفرا، ولكن بقيت السبع بنات في ذمتها.. سبع بجعات منحوسات، لم يطرق بابهن إلا فيما ندر، وعندما يفعلون تختفي أخبارهم بعد مدة.
تقول حليمة، إنها زارت شيخا لا يشق له الغبار، أخبرها أن بناتها مسحورات والتي سحرتهن رمت العمل في البحر، ولن يبطله إلا دجاجة سوداء باضت بيضة واحدة، وديك أبيض صاح صيحة واحدة، ومعزة حمراء لم يسمع لها صوتا، عن كل فتاة من فتياتها إن أرادت فك العمل الذي ألقي في اليم ولن يجده سواه.
وهكذا اشتعل قلب حليمة هما كما اشتعل رأسها شيبا، وجاءت لأمي نائحة شاكية متحسبة مولولة، تلعن الساحرات الماكرات اللاتي ترجلن عن المكانس وجعلن بيتها مرتعا لشرورهن.
هكذا لمع الأمر في رأسي، بلادنا تعج بالحليمات وأزواجهن الذين كوت الأعمال قلوبهم، وصاروا بحاجة لطبيب يشعرهم بالرضا عن أنفسهم وهكذا كنت أنا، دخلت عالمهم وفهمت مخاوفهم وعالجتهم بتخفيفها بسحقها، بمنحهم ما يريدون سماعه.