سعيد العريبي (حكايات وذكريات - سيرة قلم)
المقالة

حكايتي مع الدكتور عبد الله الهوني

طالب بجامعة طرابلس:

لم يكن من صالحي أن أعيد دراسة الدبلوم في جامعة قاريونس.. ولم يكن ثمة حل وسط بيني وبين الدكتور سلام.. ولن أتخلى أنا عن موقفي الرافض لأفكاره ولن يتخلى هو عن معاداتي والإضرار بي.. والتي أقلها ما أقدم عليه من منحي درجة مقبول في مادة أحفظ تفاصيلها أكثر من أي طالب آخر.. وكنت كما قلت لكم قد سمعت أخبارا طيبة عن الدكتور عبد الله الهوني.

محملا بكل هذه المشاكل.. ومثقلا بكل هذه الهموم.. ومحبطا إلى درجة كبيرة.. ذهبت إلى جامعة طرابلس.. وهناك قابلت الدكتور عبد الله الهوني.. الذي عاش لإسلامه ووطنه ولم يعش لنفسه ولو للحظة واحده.. كان همه الكبير هو خدمة طلاب العلم.. وتقديم يد العون والمساعدة لمن يطلبها بفرح وبلا تردد.. محتسبا كل جهوده ومواقفه المباركة الطيبة لوجه الله تعالى.

هناك بقسم اللغة العربية بجامعة طرابلس.. قابلت ولأول مرة الدكتور عبد الله الهوني.. الذي استقبلني ورحب بي.. وسألني عن حاجتي فقلت له: أنا أحد طلبة الدراسات العليا بجامعة بنغازي.. حاربت من حارب ديننا ولغتنا وتاريخنا.. فأعلنت الحرب علي.

فقال: هل أنت الذي كتب مقالا بعنوان: من ينقذ العربية من قسم اللغة العربية..؟

فقلت له: نعم.

فقال: ذلك موقف طيب منك.. في بداية الأمر اعتقدنا أن المقصود هو هذا القسم.. أنت مأجور على ما فعلت.. لقد كان عندنا مثل هذا الأستاذ الذي أشرت إليه.. ولكننا تخلصنا منهم.

كنت قد أحضرت مجموعة دراسات ومقالات كنت قد نشرتها بمجلة (الثقافة العربية) التي عملت بها فترة من الوقت.. منها على سبيل المثال: دراسة أدبية مطلولة بعنوان: دفاع عن أبي العتاهية.. وغزل مليح الأندلس صاحب العقد الفريد.. والعربية في بعدها العالمي.. وسلسلة: البعد الآخر للكلمة: مقالات في فلسفة اللغة.. التي نشرت منها ما يقرب من عشر حلقات.. وأول حكايتين نشرتهما من (مملكة الحيوان).. وهما حكاية النورس المتمرد وحكاية: هنا يرقد الضمير.

فتفحص كل ذلك جيدا.. وأثنى علي ثناءً حسناً.. ثم قال لي ما تأثرت به كثيرا ولا زلت أذكره إلى يومنا هذا.. قال لي بكل تواضع وأدب: (أنت أفضل من أساتذة عندنا).. ففرحت بكلامه الطيب كثيرا.. وشكرته عليه.

ثم قلت له: أتسمح لي بأن أعرض عليك نسخة من عمل لي قدمته لهذا الأستاذ عن مادة المخطوطات.. وقدمت له: نسخة من تحقيقي لمخطوط قديم عن البسملة كتبه العالم السنوسي: (امقرب حدوث البرعصي).. فتصفحها جيدا.. ثم سألني: وهل قدمت هذا العمل لنفس الأستاذ..؟.

فقلت له: نعم.. قدمته له في السنة الرابعة.. عن مادة المخطوطات التي كان يدرسها.

فقال: تستحق درجة الماجستير على هذا العمل وحده.. وأخذ مني النسخة على أن يعيدها لي.. لكن الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التي اعقبت هذا اللقاء.. ثم انتقاله إلى الرفيق الأعلى ــ يرحمه الله ــ حالت دون ذلك.

 رسالة شكر وتقدير

في اليوم التالي.. وبسرور كبير كان قد هجرني لعام كامل تقريبا.. كنت في انتظار الدكتور الهوني بقسم اللغة العربية.. لأقدم له ما اختلجت به نفسي تجاه شخصه الكريم وضمنته في الرسالة التالية.. التي لا زلت أحتفظ بنسخة منها.. وكنت قد نشرتها بموقعي: بقسم المراسلات ، بموقعي سنابل القلم: (الذي أقفل منذ مدة طويلة للأسف الشديد):

الأخ والمربي الفاضل الدكتور/ عبد الله الهونى.

تحية من عند الله مباركة طيبة……. وبعد،،،،

فبالصدق كل الصدق.. وبأسمى مشاعر المودة والتقدير والاحترام.. وعبر هذه الورقة التي لا يمكن لها أن تتسع لكل ما يمكن أن يقال.. أنقل لك سروري البالغ وإعجابي الشديد بل ومفاخرتي واعتزازي.. أن جعل الله من بلادي، من يعرف قدر العلم، ويمد العون لكل ملتمس طريقاً إليه.

أنقل لك سروري الذي لا يحد.. وآمالا كثيرة لا تُعد.. إزاء ما لمسته عندكم، من كريم السجايا وعظيم الخصال، وطيب الخلال التي نفتقدها في عصرنا الذي نعيش.. وليس ببعيد ولا بمستغرب على المؤمن.. أن يكون صادقاً في عمله متواضعاً عن رفعة.. يقدم العون لمن يعرف ومن لا يعرف، فكل ذلك من دواعي الإيمان.

ولكن أن يجتمع العلم والتواضع وصدق العمل والإيمان معـاً.. فإن ذاك من كمال الكمال، وصدق الإيمان، وتوفيق الرحمن، لمن يحب ويختار.. فجزاك الله خير الجزاء، فقد حفظت ورعيت حرمة العلم وقدر طلابه.. في زمن أصبحوا فيه كالأيتام على موائد اللئام.

ولا أقول ما أقول.. لغرض في نفسي، أو لحاجة أطلبها.. فقد أجبتني – وقبل أن تعرفني – إلى ما أريد وما لا أريد.. ولكنني أرى أن واجب الشكر ليس إلا.. هو الذي يدعوني بل يجبرني.. على أن أنقل لكم بعض ما سمعت عنكم، قبل أن أرى بنفسي.

نعم لقد سمعت عنك في بنغازي، ما سرني وشجعني على القدوم إليك.. وبعد أن قابلتك.. ورأيتك وجلست أراقب ما تقول وما تفعل، مع الجميع الصغير والكبير الرفيع والوضيع ، بعد هذا تذكرت قول الشاعر: (ما قال لا قط إلا في تشهده… لولا التشهد كانت لاؤه نعم)..

مقتبسا كل أخلاقك من رسول الله.. الذي لا أشك مطلقا أنك تسير على خطاه، وتعامل الناس بوحي من هداه.. جزاك الله عنا، وعن إسلامنا الطيب الجميل خير الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعيد العريبى/ طرابلس/ 1985

مقالات ذات علاقة

التعصب والعنصرية لدى الشعب الليبي

عمر أبوالقاسم الككلي

ديدان الأرض

عمر أبوالقاسم الككلي

أبيض مثل الدم

مريم سلامة

اترك تعليق