المقالة

ديدان الأرض

بوابة الوسط

لعل أكثر الكائنات الحية تنوعا وانتشارا، ليس على الأرض فقط، وإنما في كائنات حية أخرى، هي الديدان!. فهي تحت التراب وفوقه وفي الأشجار والفواكه والنباتات، وجلود الحيوانات وبطونها، وبطون البشر. وما يجمع التنوع الهائل للديدان هو كونها حيوانات لافقارية أنبوبية الشكل عديمة الأرجل.

اهتم دارون بدود الأرض Earthworm ودرسه بطرق متعددة مدة أربعين سنة!. وقد قال عنه: “المحراث أحد أقدم مخترعات الإنسان وأكثرها قيمة، ولكن قبل وجود الإنسان بزمن طويل كانت الأرض في الوقع تحرث بانتظام، ومازالت تحرث حتى الآن، من قبل ديدان الأرض، ومن المشكوك فيه إذا كان ثمة حيوانات كثيرة أخرى لعبت دورا في تاريخ العالم بنفس أهمية الدور الذي لعبته هذه الكائنات العضوية الدنيا”.

قبله، وصفها أرسطو بأنها “أحشاء الأرض”. وقال عنها حكيم صيني “مراقبة ديدان الأرض تفوت عليك فرصة مشاهدة الكسوف”. ربما كان يقصد بذلك أن هذه الديدان تمثل لغزا سيستغرق منك كل وقتك دون الوصول إلى نتيجة، وبذلك تفوتك أشياء أكثر أهمية، أو يقصد جانبا روحيا مؤداه أن إدامة النظر إلى الأرض ينسيك السماء.

تنخر الديدان الأجداث المطروحة فوق سطح الأرض والمدفونة تحتها وتجردها من مكوناتها كافة، ولا تستعصي عليها سوى العظام. وعندما يفكر الإنسان في جسده يتذكر أنه سيكون، في ظروف الموت في غير حالة الحرق، أو التذويب بمواد إذابة (كما في حالتي السياسي المغربي المهدي بن بركة والمعارض السعودي عدنان خاشقجي) مصدر إعالة ثريا للديدان.

إدراك هذا المآل لا يمنعني، بالطبع، من الاهتمام بجسدي ورعايته ومحاولة تلبية متطلباته بأفضل الطرق وأتمها. ربما بالعكس، لعل ذلك يستدعي الاهتمام به أكثر تعويضا له على هذه النهاية المفزعة. أعتقد أن هذا الإدراك كان هو الدافع، الواعي أو غير الواعي، وراء النصيحة الثمينة الواردة على لسان شاعر شعبي ليبي مجهول: يا بنية ديري معشوق… راهي الدنيا توفى!.

وتذكير الشاعر الآخر:
عد الموت يا بو عين سودة… عد القبر وترابه ودوده.

لكن، ثمة ديدان أخرى لا نفع منها ولا يأتي منها سوى الضرر والهلاك، وهي تلك الديدان الضارية التي تنخر جسد الوطن وهو حي.

مقالات ذات علاقة

من مقالات منتصف اللّيل

المشرف العام

شنه !

محمد عقيلة العمامي

 غموض بناء الدولة الدستورية الليبية!

المشرف العام

اترك تعليق