قراءات

جنزور في رحلة إثيل براون عام 1912م

كتاب (طرابلس الجديدة)
كتاب (طرابلس الجديدة)

صدرت هذه الرحلة في طبعتها الأولى الأصلية باللغة الإنجليزية سنة 1914م، في لندن، وقد طبُعت بعد ذلك أكثر من مرة، ومؤلفتها السيدة إثيل براون، ولم يوضح مترجم الكتاب على أي طبعة اعتمد في ترجمته العربية الصادرة عن دار الفرجاني بطرابلس سنة 2010م، وله طبعة ثانية سنة 2013م، وأيضاً لم يُعرّف بمؤلفة الكتاب، وبأهم مؤلفاتها الأخرى إن وُجدت، ولا بأهمية الكتاب الذي نقله إلى العربية، وهي من المآخذ على هذه الترجمة.

يتكون الكتاب من 26 فصل، وكل فصل عدد صفحاته محدودة، وما يميّز هذا الكتاب هو وفرة الصور الفوتوغرافية التي نشرتها المؤلفة في كتابها، ويبلغ عددها 58 صورة، معظمها ذات جودة عالية، وحسب ما ذكرته المؤلفة في المقدمة أن العديد من هذه الصور تحصلت عليها من بعض الإيطاليين في الأماكن التي زارتها، وما يهمنا في هذا الكتاب هو ما خصصته الكاتبة من صفحات متواضعة لوصف جنزور.

الرحلة:

خصّت الكاتبة بلدة جنزور بالفصل (العشرون) من كتابها، وعنونت الفصل بــــ (ضواحي طرابلس: جنزور)، ولا يزيد الفصل عن ثماني صفحات، وصورتين، بدأت الكاتبة رحلتها من طرابلس على متن سيارة، سالكةً الطريق الغربي عبر قرقارش، واجتازت في طريقها خط السكة الحديدية الرابط بين طرابلس وجنزور، وكذلك السور الدفاعي [الكردون] الذي بناه الإيطاليين حمايةً لها من هجمات المجاهدين.

صور من كتاب (طرابلس الجديدة)
صور من كتاب (طرابلس الجديدة)

تصف المؤلفة الطريق من قرقارش إلى جنزور المطل على البحر، حيث توجد محاجر قديمة، ونصب تذكاري بناه الإيطاليون تخليداً لذكرى جنود سقطوا قتلى في معركة قرقارش ضد المجاهدين.

وتقول المؤلفة أن جنزور في العهد الروماني كانت تسمى أساريا، وكانت في ذلك العهد منتجعاً صحياً للحكام والأثرياء الرومان يخلدون فيها للراحة من كثرة أعمالهم في أويا [طرابلس]. وتؤكد المؤلفة أن هذه الميزة يمكن احياؤها من جديد بجنزور، وذلك لجمال موقعها واعتدال طقسها.

وقد أُعجبت الرحالة بجمال الحقول الزراعية على طول الطريق قرب جنزور، وشاهدت طريقة الري التقليدية لتلك الحقول من خلال الآبار القديمة، ولذلك كانت جنزور تنتج كميات وفيرة من الفواكه، والخضروات، والحبوب كما قالت.

صور من كتاب (طرابلس الجديدة)
صور من كتاب (طرابلس الجديدة)

إلا أنها بالغت كثيراً في تقدير عدد النخيل الذي كان بجنزور، فقد قدّرته بمليون ونصف المليون نخلة، وهو رقم كبير جداً في بلدة ذات مساحة محدودة آنذاك. ووصفت حياة السكان أنهم يعتمدون بصورة أساسية على الزراعة وإنتاج الأعلاف الحيوانية. وشبّهت المؤلفة جنزور بمدينة توزر بجنوب تونس التي زارتها من قبل، لا سيما في كثافة غطائها النباتي وتنوعه.

شراب اللاقبي في جنزور:

وتحدثت المؤلفة عن شراب اللّاقبي الذي كان يستخرجه سكان جنزور من أشجار النخيل، وقالت بأن أهالي جنزور يُكثرون من شرب اللاقبي من مختلف الطبقات الاجتماعية، ويبدو أنها قد تذوقت اللاقبي ولم يعجبها طعمه. ووصفت بشكلٍ دقيق خطوات استخراج هذا الشراب التقليدي ومواعيد الحصول عليه، وكيف يكون شراباً حلو المذاق، أو يتم تحويله إلى شراب مُسْكِر.

اسم جنزور:

ناقشت المؤلفة أصل تسمية جنزور، وقالت في بداية رحلتها أنها كانت تُعْرَف في العهد الروماني باسم أساريا، وهو الرأي العلمي السليم في وجهة نظرنا. ثم بعد ذلك أوردت تفسيراً آخر، نعتقد أنه بعيد كثيراً عن المنهجية العلمية، اعتماداً على قصة قديمة سمعتها المؤلفة من السكان، مفاد القصة أن اسم جنزور جاء عندما مرضت ابنة القيصر الروماني التي كانت تسكن بجنزور بمرض عضال، وقد عجز الأطباء عن علاجها بشتى السبل، عندها نصحهم قسيس عُرف بمهارته في علاج مثل هذه الحالات أن اذهبوا للمنشية [ضواحي طرابلس] واعصروا لها شراب من أشجار النخيل واسقوه لها، وعملوا بنصيحته، وشربت منه كوبين وأخذت تصيح [لاقبية، لاقبية] ومعناها [أحسَ بالعافية، أحس بالعافية]، وشفيت الفتاة، وأصبح اللاقبي شراباً صحياً عند السكان بجنزور، وهو تفسير مغرق في الخيال، فما علاقة اسم جنزور بشراب اللاقبي؟ وقد رَجَعتُ لأتأكد من احتمال وجود تقارب لفظي بين اسم جنزور وكلمة لاقبي في النسخة الأصلية للكتاب الصادرة باللغة الإنجليزية سنة 1914م، فكان الأمر بعيداً تماماً، وأُرجّح أن تكون من القصص الشعبية التي كانت متداولة في زمن زيارتها، لا أكثر.

صور من كتاب (طرابلس الجديدة)
صور من كتاب (طرابلس الجديدة)

داخل جنزور:

وصلت السيارة التي تُقلّ الكاتبة أمام قصر جنزور [مقر المدير]، وكان في استقبالها المسؤول الإيطالي ومعه مجموعة من الأعيان العرب، وبعد استضافتها في مكتب المدير على ثلاثة كؤوس شاي [حسب تقاليد الضيافة الجنزورية]، خرجت الكاتبة لزيارة البلدة، وتوجهت إلى المدرسة الإيطالية الابتدائية- وهذا دليل أن المدرسة لم تقفل أبوابها بعد احتلال جنزور، واستمرت في أداء مهامها-، وأُعجبت المؤلفة بنظام المدرسة ونشاط التلاميذ.

ووصفت الميدان الذي كان أمام القصر وشجرة التوت الضخمة الموجودة فيه المحاطة بأشجار النخيل وجمال منظره عند الغروب، وغادرت المؤلفة جنزور بعد زيارة قصيرة عند غروب الشمس واتجهت نحو طرابلس.

ما يميّز هذا الكتاب -رغم قلة المعلومات فيه عن جنزور- هو الجودة العالية للصور المصاحبة للنص، سواء التي عن جنزور أو غيرها من أماكن زارتها المؤلفة، وهي صور نادرة في محتواها ووضوحها.

مقالات ذات علاقة

عند أعتاب القصيدة

علي عبدالله

عز الدين اللواج في رؤيته لإشگالية “الخانق والمخنوق”

المشرف العام

رواية الكشف

رامز رمضان النويصري

اترك تعليق