الشاعر الليبي مفتاح العماري
حوارات

حوار مع / الشاعر الليبي مفتاح العمّاري

حاورته / الشاعرة الفلسطينية وجدان شكري عياش

** قيامة الرمل – والتي لم تكن في حينها سوى محاولة للصراخ داخل قبر كبير بحجم خارطة إقليم شاسع يمتد من ضفاف الروح التائهة إلى خراب العالم بأسره ، حيث لم يكن الجندي سوى بضعة نياشين صدئة غُرّر بها .**

** طيلة أربعين سنة قد رُوّضنا على تربية الخراب ، ولعلّ مصطلحات معجم العنف والموت والدمار كانت من بين أكثر المفردات تداولا في خطابنا السياسي والثقافي ومن ثم الاجتماعي **

** على الكتابة أن تحظى باستراحة المحارب ، لأن الكلمة دائما تسبق فعل الدم / وحين نستعيد قراءة ما سطّر عبر أربعة عقود ليبية سنجد إرثا عظيما من الكتابة التي علينا إنصافها والاعتزاز بها **

** الآن يقع العبء على كاهل المثقف أكثر من المبدع .. من دون أن نغفل بأن الشاعر الحق لن يتوقف أو يصمت أو يقف موقف المتفرج .. ولعلني في بعض ما أُسعفت به قد حبّرت ما تمخّض عن حضور النص في معركة الحرية ، قبل وبعد **

الشاعر الليبي مفتاح العماري
الشاعر الليبي مفتاح العماري

الشاعر والكاتب والناقد الليبي مفتاح العماري .. في نصوصه النثرية والثرية بمفردات لغة تُحارِبُ موتاً يقفُ على حافةِ بهجةِ النشيد ، على رجفةِ الناي وقد أمعن في النحيبِ ، على غيبوبةِ الفجرِ وقد نال الفقدُ غايته في السحقِِ حينما شهدُ أحبتنا لامس ثرى ليبيا بحثاً عن براءةٍ غابت وحقٍ ذاهبٍ في غي ظُلمه وظلامه بعيداً عن دروبِ النصر، لكن أمل روحه الشقية مازال يتعلق بِمن يقتلُ الظُلمَ في مهدهِ ويُدِونُ بِدمهِ صِدقَ نبوءةِ العهدِ ( سوف نبقى هنا كي يزول الألم ) وكنا نُرَدِدُ معاً عبرَ مُناغاةِ ثورةٍ بأقواسِ نصرها المُشتهاة ، كُنا نهتِفً ضد حُشودٍ من ظُلمٍ وطُغيانٍ وقهرٍ وعسفٍ وجُورٍ أعلن قُبحه للريح رُغم أنهار دمٍ تُشعِلُ الذاكرةَ بِوحشيةِ الطُغاة ، كُنا أحرارٌ كالندى نُهادِنُ الشجرَ وننتمي للنماءِ في لونهِ ، ونُجاهِرُ بِرفضنا لِضياعِ وطنٍ بِشفقِ فجرهِ وفراشاتِ حقله وندى أمنيات مُقاتليه وهم يسفحون دمهم كُرمي لِبقاء رائحةِ الطينِ على نقاءِ أجسادهم ، لِدُمى والعابِ أطفالٍ أفزعها دمٌ بريء لا يُهادِنُ غدر الرصاص ولا قذائف الهاون وصواريخ غراد ..

الشاعر والناقد الليبي مفتاح العماري .. ظِلُ حرفٍ مُناضِلٍ ،يغزو بسطوتهِ رهافةَ أروحنا .. نحن المُنشغلين بصرخةِ وطنٍ انهكه رصاصٌ صهيوني غربي غادر يجيدُ صِناعةَ الموتِ والخرابِ ..

الشاعر والناقد الليبي مفتاح أحمد عبد السلام العماري

أبصر نور الله في 16 يوليو 1956 بمدينة بنغازي.. تلك المدينة التي تشبه غُصنُ ليلٍ تائهٍ ، والمدى خُيولُ فجرٍ طالِعٍ من رُؤيا بِلادٍ لم يُصدِقُها .

عضو رابطة الأدباء والكتاب الليبيين

صدر له العديد من الإبداعات :-

قيامة الرمل /شعر

كتاب المقامات/ شعر

رجل بأسره يمشي وحيدا/ شعر

فعل القراءة والتأويل / نقد أدبي

منازل الريح والشوارد والأوتاد/شعر

السور / مسرحية ( عمل مشترك من تأليف الشاعر مفتاح العماري والكاتب مجاهد البوسيفي)

ديك الجن الطرابلسي / شعر

رحلة الشنفرى /شعر

جنازة باذخة /شعر

مشية الآسر /شعر

عتبة لنثر العالم / نقد أدبي

مفاتيح الكنز / سرد

السلطانة / شعر

نثر الغائب / سيرة شعرية

برج العقرب / مسرحية

نثر المستيقظ / نصوص

فسيفسائي / شعر

فن العزلة .. نهاية العالم/ مقالات في الأدب والحياة

الشاعر والكاتب والناقد مفتاح العماري / الذي كتب عن تجربته الإبداعية الشاعر والنقاد الليبي سالم العوكلي ” إن الكتابة عن شاعر مثل مفتاح العماري ليست في منأى عن المغامرة بقدر ما تبدو نصوصه الأنيقة – المتكئة عن تجربة ذاتية حافلة مقتنصة بشكلها البصري لتبني فضاءها المعرفي .. ممتدة من الذاتي إلى الموضوعي ومن التخييلي إلى التجسيدي ومن الحواسي إلى الفكرة ومن الرؤية إلى الرؤيا – بقدر ما تبدو أكثر مغامرة في تفكيك مكونات هذه الذات المكتظة “

( وجدان 1 – ) أمــازال ذلك الجُنــدي ، واهب عطايا نصره لِغيره ، ناشداً أهازيج الهزائم قبل بزوغِ فجرِ البِناء ، يُرصِدُ تضاريسَ الخوفِ والهزيمةِ ويقفُ مُتمرِساً على بوابةِ النصرِ ، مأخوذاً بِرمادِ فجيعةِ الفقدِ وقد تجرع كؤوسَ أوجاعِها حد النحيب ،أمازلت تذكرُ رمادَ بدايات ذلك الجُندي وما نقشته الحروف في وجدان وعيه من أولِ للبوح ( لقيامة الرمل ) وحتى ( نثر المستيقظ ) آخر صرخةِ حرفٍ على صدرِ الورق المُشتهى رُغم مرارةِ الفقدِ ومُعاناة المرض ؟

( مفتاح (1) ( الإنسان ، هو ما يحلم ، لهذا أعزو الفعل إلى نبالة الحلم ومعجزاته ومكابداته حين نوطّن كلمة وحيدة في صحراء ، عليها أن تصغي إلى مخاوف امرأة وحيدة ، لعلنا نفلح في الجمع بين كذا فرشاة ، وأكثر من لون ينتمي لسلالة اللغات الحارة ، ونتركها لبعض الوقت تتناوب على رسم لوحة لكائن متربّص بالحياة ، بحيث يتعذر الفصل بين جبل ينتظر وجندي يعود من المعركة بلغة مبتورة ، ووردة تخرج نضرة من كتاب مهمل ، كما يجدر بنا أنصاف هذه الوقائع والصور بإعادة النظر في ترتيب بعض اكسسوارات أخرى تشير إلى ثكنات وأسلاك شائكة وخوذ وصحراء وجثث ، ومسارب رثة وأصدقاء يهرم الفراغ داخل أرواحهم فلا نكاد نعرفهم فيما بعد ، لربما ثمة ما تغير فينا أو فيهــم . نحلــم ، لكــي نلبّــي شهــوة تلك السيميــاء التــي تشيــر إلــى عاشقة ، وحبيبة ، وعابرة ، وملهمة ، ووطن ، ورغبات هي دائما تُقصف دونما ذنب ، تشير الى سجون وأسوار وحواجز وثكنات تنمو كالفطر عوضاً عن الحدائق والمدارس والمسارح ودور العرض ، الى صعاليك وشعراء تاهوا بلا أسماء وعناوين ، الى صحفٍ مريبة ، يُحررها رجالُ المخابرات ، كذلك إلى إشارات عديدة تتعلقُ برداءة التراث وخيانة الذاكرة ووأد البراءة . فهل من الإنصاف الآن ملامسة أطراف تلك القيامة ، أعني – قيامة الرمل – والتي لم تكن في حينها سوى محاولة للصراخ داخل قبر كبير بحجم خارطة إقليم شاسع يمتد من ضفاف الروح التائهة إلى خراب العالم بأسره ، حيث لم يكن الجندي سوى بضعة نياشين صدئة غُرّر بها ، كما لم يكن الشاعر من ثم إذا شئنا توصيف الواقع في أقصى درجاته سريالية وغرائبية إلا الجندي ذاته وقد اخْتزل الفقدَ ومهانــةَ العــوزِ والضياع وهيمنة الهشاشة واستبداد الظلمة . أظن بأنني قد تحايلت وبطريقتي على مكابدة طلب اللجوء المعرفي إلى جهة المخيلة ، وتدّبرت من ثم حيزا للكتاب والقصيدة داخل جعب الذخيرة ، وعلى الرغم من ضراوة تقاليد الثكنات وصلابة قوانينها إلا أنني أدّعي تفوقي أخيرا في تذويب عناصر الجندي وخلطها بكيمياء الشاعر في وقت كان يتعذّر فيه تخيّل أي هامش للوجدان داخل زرائب القطيع ومعتقلات التعذيب التي ظلت تعيد صياغة رعبها ، بحيث لم يعد هناك من شيء سوى تمجيد الوثن وقد تورط أو انجرّ بعض خزافي الكلام إلى امتشاق دور سدنة المعبد ، وانخرطوا في جوقة صناعة الديكتاتور ، إلى الحد الذي أمسى فيه من المتعذّر الفصل بين الواقع والكابوس … هكذا، وعبر هذا المتاه ، والشتات داخل مفازة الشعر وخارجها ، أظن بأنني حاولت الانحياز إلى الشاعر والانضمام إلى حزب القصيدة خارج أية إيديولوجيا أخرى غير إيديولوجيا الحلم ، بدءا من تلك الضفاف الموهومة في قيامة الرمل ورجل بأسره يمشي وحيدا ، إلى نثر المستيقظ من دون أن أهمل ما انطوت عليه رحلة الشنفرى ، وديك الجن الطرابلسي ، ومشية الآسر ، وجنازة باذخة ، والسلطانــــة ، من إشارات أفضت من ثم إلى نثر المستيقظ …… وإلى مقترحيــن آخريــن تكوّنت نطفتهمــا داخــل رحــم الأوجاع ، و لم يأخذا شكل المتن بعد ، هما ، “حياة الظل ” و ” مدونة النثر الليبي ” ……

( وجدان 2- ) بِالكتابــةِ نمتلِكُ ديمومــة صوتنــا الزاعــقُ الرافضُ فــي وجهِ المحو والفقد ودمار الحرب ، وبها نخلقُ ارتجاف لحظة ساكنةٍ ، خائفةٍ ، مُتأملةٍ كي تمنحنا إطلالة الرسل في نقاءِ ما قد نبوحُ به ، ما الذي يزهو ويتوهج ويتسامي ويتضاءل ويخبو فينا ونحن نمارسُ هوس الكتابة ؟

( مفتاح (2)) اعترف بأن التحقق الذي أرنو إليه يتربّص دائما هذا الشغف ، وأن مما من معركة مصيرية (بالنسبة لي) استأثرت بتكريس كل ما هو نفسي ولوجستي واستفردت بنصيب الأسد – كما يقال – غير الكتابة ، ولكن السؤال القلق الذي يفرض نفسه هنا ، هل يعد ما تحقق في منجزي الشخصي ملبيا ولو لحدٍّ أدنى من الرؤى . جلّ ما أخشاه حين أعيد قراءة نفسي بقليل من التأمل ، هو الإحساس بالخيبة ، أنه ما من شيء بعدُ يستحق الاحتفاء / ولعلّ الرحلة لم تُضف الاّ المزيد من الألم ….. فأي شعر وأي صوت للمخيلة يُمكن الاعتراف بأصالة منجزه وسط عالم يُنكر الشّعر ، حيث لم يكن الشعر على رأي الشاعرة : سميرة البوزيدي ، سوى ( نبي أخرس ) …. هذه هي الفاجعة الماثلة كواقع مخاتل ، تفسّخت فيه القيمُ واختلطت المعايير ، بحيث لمْ يعد للوجدان أي حيّز هنا ، حتى ندّعي ما يشي بسلالة هذا الهوس . لا وجود لأطياف الشعر داخل نسيجنا الثقافي طالما يَغِيبُ أو يُغيّب الشاعرُ . أعزو ذلك إلى بيانات الاستجابة التي تكاد أن تعدم فعالية القصيدة ضمن منظومتها المعرفية …… فهل ثمة قصيدة الآن لها هبة الإمتاع والمؤانسة وإشباع شغف الروح . كتبت العديد فيما مضى حول هذه المعضلة ، محاولا استنفار أسئلتها وإثارة إشكالاتها ، ولكن ما من جدوى لأية ردود أفعال ، كأن الواقع الآن لا يعنيه في شيء السؤال عن موت الشعر . هل نعّول على رفات يكاد أن يكون هباء في إيقاظ وجداننا . أظن أن المسألة أكثر تعقيدا وغموضا وتشابكا من هذا التبسيط . فقط سأجعل احتفائي يقتصر على ما حلمته ، وعلى الفعل ذاته الذي كان هبة حلم ، بغض النظر عن تحقق المعجزات فوق الأرض . فقط على الشاعر وحده أن يصنع أسطورته في زمن لم يعد يؤمن بالأساطير ، و أن يزهو بسمائه التي رفعها بأجنحة قصيدته .

( وجدان 3 –) شاعري المُلهم مُفتاح العماري .. تُثيرُ فتنة تساؤلي وأنا أُصغي لِرؤى حرفك ( الشعرُ بهيئةِ النثر هو الهوس الحكيم الذي علمني معرفة المسافة ومشيئة النظر إلى النعمِ الشاردة وهي تلوذُ بأوصافٍ نشطةٍ يتعذرُ على شيوخِ النظمِ فتح مغاليقها ) … أهنالك فتنة أكثــر جــرأة مـــن نثــرٍ يسعــى جاهــداً علــى تأنيثِ واقــعٍ مريــرٍ يُوهِمُ الغائبَ بثمرِ القربِ المُشتهى ؟

( مفتاح (3)) عندما نشير إلى هذه الشطحة ، يقتضي الإنصاف إحالتها إلى ما هو صوفيّ في العلاقة بين الكائن وخفائه ، الخالق وانعكاسه في تجليات اللغة التي تأخذ هنا خلاصة شكل لا يقارن الا بمعجزة اكتشاف الموسيقى التي يصعب توصيف ملامحها .. أي اللغة التي تحتكر لنفسها اختراع فن العزلة ، حتى لا تؤخذ بجريرة الخارج ، لتكتفي فقط بالنور الذي يشع منها وبها واليها .. لعل هذا التوصيف يسعى في خبيئه لأن يكون معطوفا على نفسه ، وهو براءٌ من ترهات ما يقع خارج الشاعر.

( وجدان 4 –) بيــدٍ مُدربةٍ على إيقاظِ فتنة السائد والخروج من بوابةِ الرتابةِ ، ما الذي يُأسِرُ دهشتك ، الأمكنةُ بِضياع رائحتها ورموزها ومصداقية شعارتهم ، أم وقوفنا على حافةِ المعاناة والفقد حينما يفاجئنا سرو ظلال الأحبة وما تركته لنا الحرب من أرثٍ فادحٍ في الفقد والانتصار على حدٍ سواء ؟

( مفتاح (4)) كنت أتوقع ما جرى ، ولعلني في الكثير من شطحات قصيدتي أشرت فيما يشبه التنبؤات التي لم تكن معزولة عن تراكمات شراسة الواقع ، فنحن طيلة أربعين سنة قد رُوّضنا على تربية الخراب ، ولعلّ مصطلحات معجم العنف والموت والدمار كانت من بين أكثر المفردات تداولا في خطابنا السياسي والثقافي ومن ثم الاجتماعي ، حتى لغة الشارع في استخدامها اليومي كانت تتواطأ مع هكذا تداعيات أسهمت في تكريسها منهجية عسكرة المجتمع الليبي وبيئتة ومن ثم الثقافة العامة بحيث لم يعد القطيع يبرح خارج صرامة نظام الثكنة . وعندما تحققت معجزة ثورة 17 فبراير لم تكن معزولة عن تاريخيتها ، فليبيا حالة استثناء في اسْطرة النضال المقدس ومعارك التحرير . ليبيا قدّمت نصف سكانها قرابين على مذابح الحرية إبان حربها ضد الغزو الايطالي ، فيما تشظى النصف الآخر بين مكابدات ضيم اكبر معتقلات بشرية في تاريخ الحروب ، وشتات المنافي القهرية . الأجداد الذين تنسب إليهم المقولة المأثرة : ( مرحبْ بالجنّة جتْ تدّنى ) يُعَدون نسيجا لوحدهم . هذه التراكمات هي طاقة الجذب التي صنعت معجزة 17 فبراير .. والذين رحلوا فداء للوطن ، لم ولن يغيبوا ، كما لن تمحى تلك الندوب التي تركها فقدهم في خارطة أوجاعنا … لأن الحرية التي نعمنا بها بعد التحرير هي صنيعة دم … لذا ينبغي علينا دائما أن نستذكر بزهو هذه الحقيقة المفخرة على الرغم من فداحة الألم .

( وجدان 5 –) نصوصك النثرية المحها تحتفي بالسرد الوهاج كثمرٍ أينع في أوانه ، كلي يقينٌ صادقٌ بأن روحك تمتلِكُ قدرةَ الرسل على إنجازِ عملٍ روائي ، أليس كذلك؟

( مفتاح (5)) هذا ما أحلم به ، استدراج السرد ، لكنني ملولٌ وقلقٌ ونفسي قصيرٌ على إيواء التفاصيل … كلّما أشرع في هذا النسيج ، ترتبك المسافة بين القصيدة مجاز الدهشة ، وبين الرواية فن إعادة خلق الواقع ….. لهذا ظلت الرواية على الدوام في خانة المحلوم به ، ولم تتعدّ ذلك إلا في حدود انجاز ما لم يكتمل ، بضعة عناوين مبتورة ، دائما تؤجّل نفسها …… شتات من مجزوء السيرة ، والحكايات والوقائع والرؤى التي أتخذت من السرد مأوى لها ، خرج بعضها بشيء من الثقة والمغامرة والتجديد في (مفاتيح الكنز ) ، ولعل العنوان ذاته كان يضمر اجتياز هذه العتبة باقتدار لصالح السرد بجاذبية الشعر .

 ( وجدان 6 – ) هُنالك من يجلدُ القصيدةَ ويحكم عنفوانها ، نلمحه أسير العطايا ولمعان وظيفة زائلة لا تقبل الترفع عن بشاعةِ خللِ العمل المؤسسي ، كيف لنا أن نُعيدَ هيكلة اتحاداتنا وروابطنا ومؤسساتنا الثقافية وفق شروط النزاهة الأدبية التي يحتمها الحرف ؟

( مفتاح (6)) على الرغم من أنني امقت هذا النمط من السلوك ، لكن علينا أن نفصل أولا بين القصيدة وما يقع خارجها .. فنحن ملزمون باستحقاقات القصيدة فيما لو كانت أهلا بذلك . لندع ما يتعلق بسلوك الشاعر او الأديب خارج النص حتى لا نخسر القصيدة والشاعر معا .. الأمر نفسه ينطبق على الحراك الاجتماعي وهيكلة تلك المؤسسات التي يفترض أن تخدم الكتابة ومن ثم الكاتب ، والتي لها أهميتها وضروراتها التي تستلزم وجودها وفق شروط نزيهة تسهم على نحو ما في ترجمة تصورات ومخططات تتعلق بتنمية الإبداع وتفعيل المشروع الثقافي ..بالطبع لا خلاف في ذلك فيما لو توفرت الشروط التي تحرض أو تحفز على تأسيس مثل هذه الكيانات .

( وجدان 7 )– يقول الشاعر الفلسطيني محمد القيسي :- ( الشعرُ ليس وصولاً إلى نقطةٍ أو حدَّ ، الشعر جنونٍ ومتاهةٍ مُعذبة تلفُ حياة الكاتب فلا يلهيه زخرف ما ولا شيء يمنحه الرضا ) ، متى لروحِ الشاعر والكاتب أن تهدأ وسط تغييرٍ عاصفٍ نلمحه كفراشةِ حقلٍ حُرِثَ للتو كي يشعرَ بالرضا ؟؟

( مفتاح (7)) تستمد الكتابة الشعرية جزءا كبيرا من استمرارية توقها وحراكها من تلك الطاقة التي يضخها القلق والحلم . الشاعر بطبعه حالة غير مستقر ة : توّاقٌ وجوّابٌ ومتأملٌ وعاشقٌ وصوفيّ وملعون ومطارد ومنفيّ ،كائنٌ متمرد ومنحرفٌ بامتياز ، حتى الآن لا تدرج اللغة العربية في قواميسها مفردة الشاعر على النحو الذي يشكل استحقاقا يُستدلّ به على الشاعر ككائن حيّ .. فيما تكتفي مناهجنا الدراسية بكل مراحلها السقيمة والفقيرة بذلك النحويّ النظّام الذي يكرس اللغة لمهارات حلبة السيرك .. لحظة أن يتعذر الفصل بين المرأة والناقة …. وهي مسألة تقتضي أعادة النظر في المخيال العربي وعقله المعتقل ..

ويكفي انه حتى الآن لا يوجد في مدونات فلسفة الجمال العربي مفهوم واضح للشعر ، وأن ما تواتر يغفل الشعر لصالح فقه اللغة وعلم العروض ، وما من شيء يلمّح للشعر .

( وجدان 8 –) كرصاصةٍ ننطلقُ مُنتصرين بِنبيذِ الشهداء من نفقِِ طُغاةِ الأمس إلى طُغاة الوقتِ الراهن، مُكللين بشفقِِ الحرية ، نلمحُ وعي الكاتب يستند على حافةِ مِتراسِ هذا التحول في تاريخِ أمةٍ عايشت القهر والظلم والاستبداد ، كونك كاتبٌ ومثقفٌ ينتدبك الحق كي تباغت بالنشيد نفق ظلم زائل ، بأي حرف ستجترح هذا الفضاء ؟

 ) أحيانا أفْضلُ ما يفعله الشعرُ هو أن لا يفعل شيئا .. (8)( مفتاح وأحيانا على الكتابة أن تحظى باستراحة المحارب ، لأن الكلمة دائما تسبق فعل الدم / وحين نستعيد قراءة ما سطّر عبر أربعة عقود ليبية سنجد إرثا عظيما من الكتابة التي علينا إنصافها والاعتزاز بها ……

الآن يقع العبء على كاهل المثقف أكثر من المبدع .. من دون أن نغفل بأن الشاعر الحق لن يتوقف أو يصمت أو يقف موقف المتفرج .. ولعلني في بعض ما أُسعفت به قد حبّرت ما تمخّض عن حضور النص في معركة الحرية ، قبل وبعد .

مقالات ذات علاقة

العنابي: صراع المال والسلطة أبعد الفن عن الساحة

المشرف العام

من ليبيا يأتي الجديد: الثقافة تمزق اللون الأوحد

المشرف العام

الأديب الليبى إبراهيم الكوني: لجنة «نوبل» دنّست حرمة الأدب ومنحت الجائزة لهواة

المشرف العام

اترك تعليق