دراسات

الليبيّون بعيون هوليود

هنا ليبيا

فيلم الدكتاتور

 
محمد النعاس (هنا ليبيا): أثناء مشاهدتك الأفلامَ والمسلسلات العالميّة، خصوصا الأمريكيّة؛ لا شكّ أنّك شاهدتَ أحدها مرّة على الأقلّ، يتحدّث عن ليبيا، أحداثا أو أشخاصا. للوهلة الأولى، قد يُفرحنا ذلك، ونشعر بنشوة كون أحد الأفلام العالميّة الشهيرة أتت على ذكرنا وذكر بلدنا.
 
ولكن إذا نظرنا أعمق، وتأمّلنا كيف يصوّر الإعلام العالميّ الليبيّين؛ سنكتشف مسألة أخرى.
 
في هذا المقال، سأتناول بالنقد والتحليل، مجموعة من الأفلام والمسلسلات الهوليوديّة الشهيرة، على سبيل المثال لا الحصر، وكيف تصنع هوليود صورة نمطيّة لليبيّين بين الإرهاب والصحراء والبدلة العسكريّة، والجهل والرجل الشرقيّ المخيف العنيف، وغيرها من الصور التي تظهر وحشا في ثوب إنسان. كما سأحاول أيضا، الإجابة على السؤال الأهمّ: لماذا يحدث ذلك؟
 
> الهرب من الهنود/ الليبيين؟
من أشهر أفلام الخيال العلميّ فيلم (باك تو ذا فيوتشر – Back To The Future) والذي يعتبر أحد أيقونات السينما الأمريكيّة. في هذا الفيلم الشهير، تمّ تصوير الليبيّين على أنّهم شبه – هنود، إرهابيّون، يرتدون رداء جنوب آسيويّ! ويتحدّثون كلاما غير مفهوم!
 
ورغم أنّ الفيلم ليس كوميديّا، بقدر ما هو فيلم خيال علميّ – Science Fiction؛ فيُفترض أن يتحرّى الكُتّاب الدقّة والموضوعيّة. إلا أنّ مخرج الفيلم، طرحَ فرضيّة – قد يراها هو علمية! – لا جدال فيها، أنّ: الليبيّين متوحّشون!.
 
بالطبع، لا نستطيع إهمال الظروف السياسيّة التي واكبت إخراج وإنتاج الفيلم، ففي تلك الفترة (1985م) كانت العلاقات بين أمريكا وليبيا في أشدّ حالاتها بؤساً. ولكن هل هذا يبرّر أن يتمّ تنميط شعب بأكمله، بصورة سيئة؟.
 
في المقابل، يأتي فيلم (ذا ديكتاتور – The Dictator) كفيلم كوميديّ، يلعب الدور الرئيس الممثّل الساخر (ساشا بارون كوهين). تقع أحداث الفيلم في دولة “وديعة” الغنيّة بالنفط في شمال أفريقيا.
 
وعلى الرغم من اختلاف اسم الدولة عن ليبيا، إضافة إلى اختلاف مكان شعر علاء الدين (الشخصية الرئيسة في الفيلم) عن مكان شعر القذافي، إلا أنّك لا تحتاج لأن تكون عبقريّا؛ لتفهم أنّ المقصود بالدولة هي ليبيا، والسّخرية من القذّافي، وكذلك السخرية من الشعب الليبي أيضا، وطريقة حياته البدائية الغوغائية الهمجية كما صوّرها الفيلم – ومن عاداته الاجتماعية ومعتقداته.
 
وبعيداً عن شكل شخصيّة (الدكتاتور) في الفيلم، والملابس التي يرتديها، ستجد أنّ هذه الشخصيّة تأتي وفق سياق اجتماعي كامل، يؤكّد أنّ البطل تشرّب ثقافتها منذ طفولته، مثل: وأد البنات، النظرة الاستحقارية لجميع البشر، حقوق المرأة والكراهية للغرب، وغيرها. ورغم أنّ بعض الممارسات المذكورة في الفيلم، والمنسوبة إلى الثقافة الليبيّة، تلامس شيئا من الواقعيّة والشخصيّة الليبيّة؛ إلا أنّ بها مبالغات جسيمة، وسوء طرح، كبيريْن غريبيْن.
 
> الملاك والشياطين
اختلافا عن المثالين السابقين، حيث أنّهما من أفلام الخيال، الذي له آلياته في مناقشة القضايا ومعاييره في مواجهة الواقع؛ يأتي فيلم (ذا إينجل – The Angel) المقتبَس من أحداث وشخصيّات حقيقيّة، من إنتاج نتفلكس؛ ليعطيك صنّاع هذا الفيلم، نظرة حقيقيّة عن ما تصوّره السينما عن الشعب الليبي.
 
ففي حين، يُفاخِر مخرجو الأفلام المقتبسة من أحداث تاريخيّة، بمدى اعتنائهم بالتفاصيل، من الأزياء والعربات والمباني، بل ونوع السيجار، ناهيك عن دقة سرد الأحداث التاريخيّة؛ يأتي هذا الفيلم ضاربا الحائط بكلّ هذه التفاصيل، فيما يخصّ الأحداث والشخصيّات الليبيّة.
 
تظهر في الفيلم شخصيّة القذافي الحقيقيّة، وتظهر شخصية أشرف مروان أثناء زيارته المعروفة إلى ليبيا سنة 1974م، ليلتقي بالقذافي الشابّ وقتها. تجري المحادثات باللغة العربية، لكن الغريب العجيب؛ يصوّر الفيلم القذّافي وهو يعيش في قصر (ليس فيه أيّة ملامح ليبيّة، بل قصر يُشبه قصر الخديوي إسماعيل في مصر)، وحوله الراقصات الليبيّات، بل ويعرض على أشرف مروان مجموعة من الفتيات الليبيات.
 
اللهجة الغريبة التي تتحدّث بها شخصيّة القذافي في الفيلم، بعيدة كل البعد عن اللهجة الليبية، إضافة إلى الملابس الليبية المصوّرة والمصمّمة خطأً، هي أمثلة فقط؛ وإلا فالمغالطات التاريخية الواردة في الفيلم، مهولة.
 
> هل نحن شياطين حقاً؟
مؤخّراً، شاهدتُ المسلسل الإسباني ذائع الصّيت (لاكاسا دي بابل – La Casa De Papel) من إنتاج نتفلكس أيضاً. وقد شدّ انتباهي في الجزء الأخير – المعروض هذا العام – تناقل الشخصيات، قصّة عمليّةٍ نَصَبَ/احتالَ فيها ” ليبيٌّ” يعيش في المغرب، على عضويْن من أعضاء العِصابة، حيث باع لهما أجهزة ثريّا مفضوحة؟
 
وفي حين كان ردّة فعل بعض الليبيّين الفخر، والإشادة بذكاء هذا الليبيّ، درجة أن يحتال على أفراد أذكى عصابات العالم؛ دار في ذهني السؤال مجدّداً: لماذا قامت شبكة نتفلكس – والتي تملك فروعا عربيّة، ولها قاعدة جماهير، مستهلكين، واسعة في المنطقة، بخلق شخصيّة ليبيّة، وإقحامها في القصّة دون أيّ حاجة لها؟ هل تاثّر هؤلاء أيضا بالصورة النمطيّة التي صوّرتها السينما الهوليوديّة لسنوات، عن الليبيّين؟
 
ومحاولة منّي الإجابة على سؤال: ما أسباب شيطنة هوليود وغيرها، الليبيّين تحديدا، دون غيرهم، ظهر أمامي سببان: الاقتصاد (غياب القوى الناعمة الليبيّة) وتأثيرها على الواقع، على غرار دول أخرى في المنطقة، كسرت صورة هوليود النمطية عنها. التعميم وعدم اهتمام صنّاع السينما العالميّة بالتفاصيل، ولو كانت على حساب تشويه صورة شعب بأكمله، ما دام المسلسل ناجحا، والأموال تتدفق.
 
> على عجل، ما الذي تعرفه – أنت – عن الليبيّ؟
أحد مظاهر القِوى الناعمة الليبية، قطاعات الفنون البصرية والسمعيّة، تلك القطاعات المهمّشة، التي لا تزال تراوح مكانها، لعدّة أسباب: اجتماعية، سياسية، ثقافية وإعلامية. هذه القطاعات/القِوى لم تستطع أن تثبت جدارتها ولا مواكبتها طيلة عقود؛ لإظهار الشخصيّة الليبيّة إلى العالم.
 
ليبيا حتى وقت قريب، كانت دولة مغلقة، لا يعلم العالم عنها شيئا، سوى ما يمكن استنتاجه واستنساخه من شخصية رئيسها – القذافي – في وضعٍ مشابه لما نتصوّره نحن اليوم عن كوريا الشماليّة.
 
وعلى الرغم من وجود موادٍ إبداعيّة على درجة عالية من الروعة والجمال – كالأدب الليبيّ مثلا – إلا أنّ هذه المواد تجاهلها صناع الأعمال التلفزيونيّة الليبيّون، والتي كان من الممكن أن تساهمَ في كسر الصورة النمطيّة عن الليبيّين للعالم، خصوصا إذا واكبها حركة ترجمة ونقد، ومستثمر فاعل صاحب رؤية.
 
بالطبع، هناك أعمال تلفزيونيّة “جيدة” على أحسن تقدير؛ إلا أنّها جميعًا لم تنجح في صُنع جبهة للقِوى الناعمة الليبية في أيّ مكان – حتى في ليبيا نفسها، والتي تملك كل مدينة صورة نمطية عن الأخرى – وهذا يعود لعدة إشكاليّات يصعب تناولها هنا.
 
> خاتمة
من غير المنصف، إلقاء اللوم كاملا على هوليود وغيرها، من منتجي الأفلام العالمييّن، للصورة النمطيّة السيئة التي يُصوَّر بها الليبيّون. خصوصا بعد فشلنا في تمثيل أنفسنا تمثيلا جيّداً أو تصحيح الصورة؟! والأهم: لماذا على العالم أن يهتمّ أصلا – بتصوير الشخصيّة الليبيّة بموضوعيّة، ونحن شعبٌ يعيش على هامش التاريخ.
 
ماذا لو قمتَ الآن، برسم الشخصية الليبية في خيالك، كيف ستكون؟!

مقالات ذات علاقة

ليبيا واسعة – 50 (يَتَمقَّـل)

عبدالرحمن جماعة

اللغة الليبية القديمة واللهجات البربرية (3 من 3)

عبدالمنعم المحجوب

أين موقع المصراتي في حياتنا الأدبية؟

أمين مازن

اترك تعليق