رواية “الساخر العظيم” للروائي أمجد توفيق صدرت العام الماضي بـ 662 صفحة، عن إحدى دور النشر العربية من عمّان، ونالت ثناء وإعجاب الأوسط الثقافية والأدبية والإعلامية، وعدتها “إنتقالة نوعية بارزة” في عالم الرواية وتقنياتها، لما احتوته من مضامين وقيم جمالية ووطنية وإنسانية، وكتب عنها النقاد والإعلاميون الكثير من الدراسات التي أشادت بمضامين الرواية ومنهجها الإبداعي والجمالي والقيمي الكبير.
وعبرت تلك النخب الثقافية والإعلامية، خلال احتفالية بالرواية عن فخرها وفرحها بولادة هذا المنجز الأدبي والروائي الكبير، في حجمه ومضامينه، وعدته بأنه يبشر بولادة عصر إنطلاقة واعدة للثقافة العراقية، برغم كل ما تعرضت له من السلطة من تدمير وإبعاد لدور المثقفين، بل وتحطيم ركائز الثقافة والإبداع، من وجهة نظر مثقفين وفنانين ونقاد وكتاب رفيعي المستوى، حتى أصابت الوعي العراقي وعقله الإبداعي بأضرار بالغة، وعرضته لمخاطر كثيرة، أبرزها فقدان الهوية الوطنية والإنسانية وسيادة أجواء التسلط، بل وعدت السلطة النخب الثقافية على أنها (خصم) ينبغي توجيه السهام إلى قلبه النابض بالحياة كي تتوقف عجلة الإبداع، ولكي لا يشارك المثقفون في صنع مستقبل بلدهم، وليبقى الساسة هم من يسيطرون على جموع الجهلة والأميين، بهدف إشاعة أنماط التخلف والانحاط الفكري والقيمي، ولينزوي المثفقون وكل المبدعين جانبا، ويبقى الساسة هم المتربعون ومن يمسكون بمقود السيطرة على عقول البشر والعمل على ترويضهم وإستباحة كرامتهم.
وخلال إفتتاحه لإحتفالية التكريم، ألقى رئيس رابطة التطوير الإعلامي في العراق عماد آل جلال كلمة أشاد فيها بمناقب ومنجزات الروائي والإعلامي أمجد توفيق، مشيرا الى أن الواجب الإعلامي والوطني يقتضي أن يتم إطلاع الرأي العام العراقي والنخب المثقفة على إنجازات وابداعات الرجل، وأن يتم تسليط الضوء على هذا المنجز الثقافي الكبير المتمثل برواية “الساخر العظيم”، مشيرا الى أن أمجد توفيق يعد عنوانا مميزا في عالم الثقافة والإبداع، وهو يستحق أن يتم تحويل هذا العمل الإبداعي إلى عمل فني سينمائي كبير، ليدخل الذاكرة العراقية على شاكلة الأعمال الإبداعية لكبار الروائيين الذين تحولت روايتهم الى أفلام سينمائية، وحصدت أرفع الجوائز.
وقدم الكاتب والإعلامي حسن عبدالحميد الروائي أمجد توفيق، بعد أن أثنى على روايته وعدّها من أروع الأعمال الروائية الإبداعية، التي هزت مشاعره وحركت كل عوامل الإبهار، حتى أنه عد كل سطر في الرواية على أنه (قنبلة) بحد ذاتها، ومن الواجب كما يقول الكاتب حسن عبدالحميد، أن يطلع عليها كل مثقف وإعلامي ومن هو معني بشؤون الثقافة والادب، كونها عملا أدبيا جماليا وإنسانيا، ربما يفوق في إبداعه روائيين عالميين كبار، وهو يستحق بهذا المنجز الإبداعي أن ينال ثناء العراقيين جميعا وتقديرهم له، لما شكلته الرواية من استعراض لأخطر مرحلة مهمة من تاريخ العراق، وهي فترة احتلال داعش لنينوى، وما مارسته عصابات داعش من عمليات انتهاك للعراقيات وبخاصة لنساء يزيديات، وما فرضته تلك العصابات من أعمال إجرامية بحق أبناء الموصل.
والرواية من وجهة نظره، تكاد تكون أفضل عمل أدبي يؤرخ لتلك المرحلة، ويرسم معالمها وإشكال ما تعرضت له من انتهاكات وحالات إستباحة لكرامة مدينة، لها إرث تاريخي عريق ضارب في التاريخ العراقي، وشكلت مقاومة أهلها لتلك العصابات أبرز حالات الفخر ببطولات شعب نينوى وهو يقارع الظلم الفادح بكل أشكاله، ولن يقبل أهالي نينوى أن يتم توجيه أي إتهام لهم لما تعرضوا لها.
ثم تحدث الروائي والكاتب الكبير أمجد توفيق عن فكرة الرواية ومضامينها ودلالاتها الرمزية والتعبيرية والجمالية، مشيرا الى أن أي كتاب أو رواية يمكن أن تتعرض لحالة الموت اذا لم تنل حظها من القراءة، والقاريء هو من يضفي عليها الحياة، مشيرا إلى إنه ليس بإمكان مئات الشاحنات من الكتب أن تنتج حركة ثقافية، وقد يثير كتاب واحد الجدل بشأنه، ويحرك أشياء جديدة في الواقع الثقافي الأدبي، لافتا إلى أن أصحاب القصور ومن الأغنياء هم من حفظوا للوحات الفنية الكبرى قيمتها، ولو لم يشتروها ويعلقوها في قصورهم لضاعت ولما اهتم بها أحد، حيث يتباهى أصحاب تلك القصور الفخمة بأنهم علقوا تلك اللوحات والأعمال الفنية في قصورهم، وانعكست بالنتيجة على تلك اللوحات، بأن حفظت لها قيمتها الفنية، ونالت الثناء والتقدير العاليين في وقت لاحق، ممن وجدوا فيها أنها لوحات ثمينة بقيمتها الجمالية، لا تقدر بثمن.
وأوضح توفيق أن أغلب الأعمال الروائية اذا لم تعنَ بالقيمة الجمالية وبخاصة للمرأة، ليس لها قيمة، وبخاصة بعد أن طغت (الذكورية) على أغلب الأعمال الأدبية، ولهذا ينبغي الاهتمام بالجانب الجمالي لإظهار قيمة المرأة والانتصار لدورها في المجتمع، وكذلك للجمال ولقيمه التي شكل عالما سحريا يرمز إلى الروح الإنسانية في أبهى صورها.
وبشأن موقفه من موضوع “المتعة” في الرواية قال توفيق إن “المتعة” في الرواية لا تعني المعنى الظاهري، بل أن “المتعة” هي في كيفية تحويل مضامين أي عمل أدبي إلى قيم جمالية واجتماعية ترافق مسيرة حياتنا.
من جانبها عبرت الفنانة القديرة الدكتورة عواطف نعيم مدير عام دائرة السينما والمسرح عن خالص تقديرها لمبادرة تكريم الروائي أمجد توفيق لإعماله الروائية المبدعة، مشيدة بمسيرة الرجل، وما قدمه للبلد من منجزات، وبخاصة روايته الأخيرة “الساخر العظيم”، وعدتها مبادرة تستحق التقدير والثناء، مشيرة الى إنها تشعر بالغبطة والفرح الكبير لأن تلك النخب وهذا الحضور الكبير هو عامل إيجابي يفرح القلب، كونه يناقش مشكلات الثقافة وما تعرضت له من تدمير ممنهج، وبخاصة من السلطة، التي تشعر أنها في واد والمثقفين في واد آخر، وقد صمت آذانها عنهم ولم تعد تهتم بهم، ولولا جهود فردية قام بها مبدعون لتعرضت الثقافة إلى الإضمحلال والاندثار، معبرة في الوقت نفسه، عن استهجانها لموقف قيادات تعد كبيرة في مستوى المسؤولية، واذا بها هي من تناصب المثقفين العداء، وقد مارست ضدهم حالات إفساد للثقافة والقيم، حتى وصلت أحوال الثقافة والفنون في العراق إلى الحضيض.
ومن جانبه تحدث الكاتب المخضرم والإعلامي القدير عكاب سالم الطاهر عن علاقته بالروائي والكاتب والاعلامي أمجد توفيق، مشيدا بمناقب الرجل، لافتا إلى أنه برغم كل ما مرت به الثقافة العراقية من تحديات عرقلة مسيرتها فإن الكتاب الآن بخير، وما نشهده من إقبال على الكتب بمختلف مضامينها في شارع المتنبي وفي مكتبات عراقية كثيرة يدل على أن الثقافة ما زالت بخير.
أما الناقد الكبير مؤيد البصام فقد أشار الى أنه كان مشاركا في تلك الرواية، منذ أن كانت مخطوطة، وأن أمجد توفيق كان يطلعه على مسوداتها الأولية، ويضيف عليها من ملاحظاته، عادا رواية “الساخر العظيم” أهم منجز ثقافي وأدبي، مشيرا إلى أن الرواية تعد من الطراز الأول، ومشيدا بقدرة الروائي الهائلة في السرد، لافتا إلى أن الرواية تنقسم إلى روايتين وليس رواية واحدة، وأن ما كتب عنها حتى الآن الكثير، وتناولتها 16 دراسة نقدية وإعلامية بالعرض والنقد والإشادة بها من نقاد وإعلاميين كبار.
أما الشاعر عبدالزهرة الديراوي فقد أشاد هو الآخر بالروائي والقاص والإعلامي المبدع أمجد توفيق، مشيرا إلى مضامين الرواية ومستعرضا شخوصها وأبطالها بإختصار، لافتا إلى أن رواية “الساخر العظيم” قد خرجت من دائرة الكاتب وهي تعد رؤية سيمائية بصرية، وهي رواية تخاطب الذاكرة الجمعية في مشهد شموخ، واكتست بـلغة شاعرية، وقد تشظت فيها الشخوص، برغم أنها مثلت كل الشرائح الاجتماعية الخيرة والمنحطة، ومثلت ذروة الرومانسية في أغلب فصولها، وقد اهتمت بإظهار قيم الجمال والإنتصار للإنسان وكيف يواجه التحديات، ولهذا تعد الرواية من وجهة نظره عملا إنسانيا خلاقا، وقد سمت بالفكر الإنساني ورفعت من شأنه درجات إلى الأعالي، برغم تحديات واختلالات الزمن المنحط.
من جانبه إستعرض الناقد عزيز عذاب الأعمال الروائية العالمية، وما قدمته من قيم إنسانية وجمالية نالت حظوة كبير لدى الجمهور، مشيرا الى أن رواية “الساخر العظيم” مثلت صناعة في صياغة الحوار، داعيا إلى أن من يمارس مهمة النقد عليه أن يطلع على العمل الروائي قبل إبداء وجهات نظره، لا أن يتحول الناقد إلى تقديم مآثر نفسه، وينسى أن مهمته كانت تقييم للعمل الأدبي أو الفني المطلوب تقييمه.
واشار الروائي أمجد توفيق في ختام كلمته عن روايته “الساخر العظيم” إلى أن “المتعة” التي تقدمها الرواية لا تعني رديفا للتسلية، بل هي التي تثير الحافز لخوض تجربة، وهي ليست عملية سرد وفك عقد، وإنما عليها أن تحمل من الفكر الإنساني والقيم الجمالية ما يرفع من شأنها، وان السجال حولها هو من يحرك العمل الروائي ويمنحه الحياة .
وبشأن موقف الإعلام والسلطة من الثقافة قال توفيق إنه ليس هناك إعلام في العراق عدا لغة الإخبار، ومهمة الإعلام أن يكون الرأي المستقل، لا أن يتحول إلى دعاية لهذه الجهة أو تلك، والإعلام شيء آخر تماما.
وأشار توفيق إلى أن القطاع الخاص في الخارج الذي يهتم بالنتاج الثقافي له معاييره ومستلزماته وهو يدعم الإنتاج الثقافي والفني، كونه يمتلك ركائز ومقومات ولديه إمكانات، وليس بمقدور القطاع العراقي الخاص أن يقوم بمهمة توسيع مديات الثقافة في ظل إمكانته شبه المعدومة، ومن حق الإعلامي والأديب ان يبحث عن فرصة عمل كون لديه عائلة ومتطلبات صرف وإنفاق، والكتاب لن يكون مادة عيش للكاتب يعتمد عليها، لكن الكتابة لا يمكن أن تتوقف والإبداع لن يتوقف، حتى وان لم تتوفر معالم الحياة للمثقف في أبسط أشكالها، لافتا إلى أن كل النقابات ومنظمات المجتمع المدني والتي تعلن اهتمامها بشؤون الثقافة والإعلام هي مجرد واجهات لجهات أخرى، وأن علاقة المثقف بالسياسي تبقى علاقة متشككة ومرتبكة، فالسياسي له برنامجه وأهدافه، لكن المثقف ليس مجبرا على الرضوخ لما يريده السياسي منه، وطموح المثقف هو الحياة، ونظرته أكثر عمقا وشمولية إزاء المجتمع والإنسان وكيف يرتقي بهما إلى الحالة الافضل.
وفي ختام الحفل قلد الدكتور فارس أحمد الدوري رئيس الهيئة الإدارية لنادي العلوية الروائي الروائي أمجد توفيق درع الإبداع، تقديرا منه لدوره الريادي في صناعة الإبداع، وفي الارتقاء بالثقافة العراقية إلى أرفع مدياتها، مشيدا برواية “الساخر العظيم”، وما حملته من قيم إنسانية ستظل تذكرها الأجيال لأزمان طويلة.