محمد مسعود
أثناء مرحلة الإعدادي.. كنت أستيقظ باكرًا كل صباح، وأذهب متأخرًا متفادياً الوقوف الجبري في الطابور.. أكره سياسة الوقوف ودقائق الصمت التي لم تنته، ونشيد الحرب ورفع العلم.. أشياء كانت لا تفيد العقل بشيء.. مجرد تفاهات نجبر على ممارستها وتكرارها.
كنت أقف دائمًا ضمن قائمة المتأخرين.. هناك من يقدم كذبة قربانًا للهروب من جلد العصا.. وهناك من يقطن بعيدًا عن الحي الذي تقع فيه المدرسة؛ فلا يملك حجة لتأخيره سوى الحقيقة.
كنت أقف مع الطلبة ولا أقدم الأعذار.. ولا أبالي؛ بينما أنفخ يدي لاستقبال الجلدتين اللتين كانتا مفعولها مثل شرب زجاجة فودكا في صباح الشتاء آنذاك.
ها هو المعلم يرفع العصا وينزلها عموديًا على كفي مستقبلاً لسعتها الأولى، ثم أذهب مسرعًا إلى الفصل.
كانت الحصة الأولى في بداية الأسبوع حينها، مادة الجغرافيا.. عندما صعدت من الدرج كانت المعلمة أمامي تبدو عليها علامات الغضب. يبدو أنها غاضبة من شيء ما.
– صباح الخير..
هي في صمت آنذاك.
لم ترد السلام الصباحي.
أركض نحو الفصل وأجلس كالمؤدب على المقعد!
دخلت المعلمة ووقف طلبة الفصل تقديرًا لها.. يجلس الطلبة بعد التحية ويبدأ الجميع في النظر باتجاه السبورة.
تقول بصوت مرتفع:
– طلع أنت وياه الكتاب والكراسة.
الطلبة، كانوا منقسمين، نصف لا يمتلك كراسة والنصف الآخر كان مواظبًا في تبويب كل شيء في الكراسة.
التفتت المعلمة على السبورة وأخرجت الطباشير وكتبت درس اليوم: (الأرض تدور حول نفسها)،
عندما بدأت المعلمة الشرح ساد صمت المكان والكل يستمع!
قالت المعلمة منذ البدء أن الأرض دائرية، وتدور حول نفسها.. ثم كررت ذلك عشرات المرات حتى أنها أخطأت وقالت: (تدور الأرض حول الخاتم!)، وأشارت نحوه، بينما فجأة تفطنت المعلمة وعادت إلى نفسها.
توقفت بعد الخطأ.. حينها قال لها أحد الطلبة بتهكم:
– مبارك الخاتم يا أبله.
تعجبت المعلمة! ثم اقتربت من الطالب وصفعته على وجهه وقالت له: (اذهب إلى الإدارة).
ياله من مشهد درامي مؤسف!
من هناك، من ذاك المكان القامع الذي يصفونه بالإدارة، تم استدعاء ولي الأمر إلى المدرسة من قبل الأخصائية الاجتماعية.
في اليوم التالي:
كالعادة.. تأخير.. جلدتين؛ ولكن هذه المرة حصة الرياضيات والمعلم الذكي. وذاك الطالب الذي وصفته المعلمة، بحضور والده، (بقليل الأدب!).