طيوب البراح

رسالات مُخلدة

عبدالسلام بن إبراهيم

من أعمال التشكيلية الليبية إسراء كركره
من أعمال التشكيلية الليبية إسراء كركره

مأساةٌ قيد الوقوع!

مُنْذُ أربَعةِ سنَواتٍ مَضَنْ، كانَ يتواجدُ بينهم رَشَادْ، عفواً! أقصدُ اسْمَاعِيلْ الحُبِ والتملُكِ الشنعُ، فدخلَ الى بيت ليسَ ببيته، والى غُرَفٍ بِالكادِ ما أن يُسْمَحُ لَهُ بدخولها فيما سَبق، فقبع بالبيتِ الأمن المطمئن، وراح ينزلُ جبروتهُ القاسِي على ساكِني القصر، الى أن قضى عليهم جميعاً، فرقَ شملهم وأشعلَ الحسدَ والغيرةَ بنفوسهم، وجعلهم كالأعداءِ لبعضهم البعض، فسلمتَ جزيلَ السلمِ أيا رَشَادْ عفواً! أقصدُكَ أنتَ أياَ إسْمَاعِيلُ الحُبِ والتملك الشنعْ؛ بما ظللتْ تحاربُ من أجلهِ حتى اقتنيته، لاسيماً اجتهادك المنقطعُ النظير الذي نُبِغْتَ بهِ دونما شأن يذكر، إذْ تمكنتَ من إحكام سيطرتكَ على تفكير الفتاة فدوى؛ فدوى ذاتْ الرابعة والثلاثون ربيعً من عُمرِها المُزهرٌ، فهي ولطالما لم ولن تستسلم للمنحرفات الهادمة فها هي الآن نجدها مُرضيةً لإسْمَاعِيلْ وتطلبُ منهُ الصفحَ لها على ما جرى سابقاً، إذ يتبين للقارئ بأنه تمت أواصر لعلاقة اجتماعية ما تربطهما ببعضهما البعض، عندها دخلَ الأبُ الى بيتهُ، وأخدَ يتلذذُ باحتساء فنجانِ القهوةِ الباردةَ له كعادتهِ فلمْ يكُ يَدري عن ما هو حالها أبنتهُ الوحيدةَ فدوى، حتى أقتربَ منهُ إسْمَاعِيلْ فلم يعرفْ بِنفسهِ بلْ تَخَفى، فصُدم الأب مما رءاهُ مُتجسداً أمامهُ، مما أضطر اسماعيل بالتعريف عن نفسهِ، فقالَ لَهُ بِما مفادهُ:

سوفَ لن يكن بمقدوركَ رؤيتي مجدداً، منذُ الآن ولاحقاً!

فوضعَ الأبُ الفنجان جانباً ثم نهضَ من على كرسيهِ المُتحرك خاصتهِ، ولأول مرةٍ بعدما خمسةَ عشر عاماً على حادثةِ شَلَلِهِ الكاملُ، والذي توفيتْ خلالهُ زوجتهِ (والدة فدوى) حينها، مما أثرا عنهُ شللهُ الكاملُ عدا فمهِ الناجِ الوحيد من إعاقته الجسدية، وبالعودة للحاضر؛ قال الأب لإسماعيل بلطخة صوتٍ مبهمة قليلاً:

أظنكَ أنتَ الذي لن يستطعَ التحديقَ أليَّ ولا إلى هدا البيت الكبير، حتى وأنْ طأطأتَ أرضهُ المخلصةُ لمجيئكَ أليهِ مرات عديدة عديدة!

عندها .. تَطايَرتْ النَمَارِقُ نَاحِيةُ رِسَالَةً مَا حتى وَصِلَت غِلاَفَ صَوْتِي! والملفت بالنظر هاهنا هو إبراز زمن الصمت للأقصوصِة والمستحوذُ على الأفراد الذين بالبيت الكبير ذاك، إذ يقفُ بنا الحال مصوراً لعتبات القضايا الاجتماعية الكبرى المتمثلة بصراعِ التركات ودور كل حفيد بنيلِ ما لديهِ من حقْ بالحصصِ المتبقية لهُ من أصولهِ؛ الأمر الذي قد أصدر العديد من المُشاخصات والفتن داخل نطاق الأسرة الواحدة؛ والمتكونة من أبناءها المباشرين والغير مباشرين، بحيث نلاحظ اختلاف التفاسير القائمة على اقتسام الميراث، بسبب وجود أكثر من ديانة واحدة بهذا البيت، فكل فردٍ قد جالَ بتقسيمِ حصتهِ بنفسهِ ظنً منهُ أن معتقدهُ الديني هو الأحوطُ بذلكَ، فالجميعُ يزعمونَ الريبةَ بتجزئة الأخر وكأنما يتقاسمون فيما بينهم قطعة حلوى يدوية الصنع والمأكل، فمكثتْ الأديان السماوية الثلاثة بداخل هذا البيت الكبير وهي: الديانة الإسلامية والمسيحية واليهودية المعتنقانها أبرانيم ناسيخ وزوجتهِ للا باهرحان، بما في ذلك عرض لقائمة الشخصيات البطولية للرسالاتٍ المُخلدةْ وهي كالتالي: اسْمَاعِيلْ، فدوى، الأَبْ، أبرانيم ناسيخ، للا باهرحان، والكاتبُ بشخصيةِ الراوي .

الراوي:

” أهنئكم جميعاً أيا ساكني البيت العريق ذاكَ، بفوزكم الذي أنجزتموهُ لتوكما، بسيطرتكم على الدخيلِ الوادعُ الراكلُ بينَ ثنايا لبنات أعمدةِ البيت خاصتكم، فثابروا حتى تتركوا ليَّ بصماتٍ أعُايشها، أو تخلدَ عند مكان ما فأرسلها إليكم تارةً أخُر، مثلما الرسالاتْ الخالدةَ خاصتكمْ والمحتويةُ على أسراركم وبعض من صورً حياتكم القيمة، فما يميز رسالاتكم هو انفرادكم بذكر مسألة التريكة والحجج فالوصاية، والغريب هو تجوالكمِ بين الفقه المختلف للتجزئات بخلاف الظاهر الديني العقائدي، بحيث تتطور الاحداث تبعاً لتنوع الأفكار والوسائل هنا وهناك “

انتبه فأمامك قصة قصيرة ما قد عمد القارئ على قراءتها بالحين، إذ عمد اسماعيل كذلك الى سؤال فدوى غير أنها وكعادتها قد أجابتْ لهُ بعزةٍ وانسيابية مُبهمة بعض الشيء:

لكي تُصبحَ طيبَ النفسِ عِزيزً ذو نِبراسٍ شُجاعٍ للغايةِ لا تهابُ الأعداء!

ثم قامتْ بطرحها لسؤال لهُ بطريقة عنفوانيه زجلة ولم تتمهل في ذلك بالقصد، قائلة له: أأنتَ مستحوذً الديار لنا ؟

هنا تسارعت وتيرت خفقان قلبه ولم يدري عن ماذا سيقول لها حتى أجاز الكلام قائلا لها: جُئتُ الى داري لأدير أملاكي!

فقالتْ له فدوى مسرعة وكأنها عادية بالسبق من مكان بعيد:

 والبيت هدا أضمن الاملاك العقارية خاصتك ؟

فقال لها رشاد “عفواً” أقصد اسماعيل وهو مجزمٌ برأيهُ السديد حسبما ظنهُ هو:

 أن جميع ما في هدا البيت الكبير وغيره لي انا فقط محررا!

فقالتْ له فدوى مُندهشةً من ذلك الرد اللعين: ولكن كيف …. كيف!؟

فأجابها اسماعيل قائلاً لها:

لي مأرب امتلكهنَ هاهنا من بعد وصية قدمها بيده والد السيد ابرانيم ناسيخ قبلما وفاته بأيام معدودة داخل هذا البيت الكبير

فأوجس الهلع والاضطراب في نفس فدوى، فقالت له بصوت ذو نبرة مخيفة:

حسبي الله تعالى لمن كان له السبب بمجيئك إلينا!

 اسماعيل: ولما تتحسبني مني الآن ؟

حيث أجابتْ له فدوى، قائلة:

لأنك أركست صفوفنا على كامل ما نمتلكه ها هنا، وبعثرت رجاءنا الخائب أيا رشاد الحب والتملك الشنع “عفواً” أقصدك أنت أيا اسماعيل، فأنك لإن بسطت علينا حكمك العائلي المُتخلف ذاك ما ربحتَ ولا فلحتَ ولا هنئتَ ها هنا إذاً أبداً أبداً

فانتبها الى كلامها هنا ولم يبالي لها، فقد بانَ عليهِ اسماعيلٌ التوتر لاسيماً بعدما كادتْ فدوى أنْ ترمِ بهِ الى مزلقة القيل والقال، فأجابَ مُنصتً لرأيها المستبد ذاك: ويكأنني صبرتُ، فطمحتُ، فلم أوفقَ بشيء أبداً!

فأكثرتْ هنا بتعجبٍ مذعنٍ بشتى ألوان الحياة، فقالتْ لهُ تارةً أُخرَ:

أنْ لم تجدْ رفاتُ الكُلِ جثث، توفقَ لنيلِ تركاتِ الحولِ أسلافً، فمنهم من أنقضى؛ أجدادي وبِني أقرانِي، قد كانوا فيما سبق أخوةَ موسرونَ فما وهنوا حتى اندثروا وما لقوا ضَعَفَا!

ولكن تمتْ أمر غاية في النبل والكمال لم تدركهُ فدوى لتوها بحيث قالتْ:

أما وأن نسيتُ فمن شموليةِ السردِ مني، ما لم تزدريهِ نفسي لا يوفقُ لذي!

فعقد بحاجبيهِ رشاد “عفواً” أقصد اسماعيل، فقال لها:

نبئيني عن التركاتْ وماضي الرِسَالاَتٍ المخلدة بالتحديد .

فعندما قال لها ذلك طفقَ الحالُ بها أبنتُ الرابعة والثلاثون، فاستفهمت لقصدهِ الحاد، فقالت لهُ:

لربما ما تودُ أن يركلَ الثبات بكَ بحجارة النفوذ، لإن بسطتَ حكمكَ الوراثي لهذا البيت الكبير وما امتلكناهُ من تركات عديدة ما هنئت ولا ربحت هاهنا ايام ولا سنين إذاً أبداً!

فقال لها اسماعيل بعدما أن ردتْ أليه الروح مجدداً، من هول ما سمعه لتوهِ:

هذا ما دفعني للاستمرار بذلكَ أيا فدوى!

ثم قالتْ له فدوى: قف تمهل!!! ريثما تعيد جُلَ ما قلتهُ بفاكَ الأصم ذاكَ!

فأجابَ لها مردودٌ الخاطرِ والبال الهنيء: لي مآرب بحصصً أمتلكهنَ هاهنا بعد!

فقالتْ لهُ فدوى: أجلس على الأريكة بمكانكَ، ثم لنتبادل أطراف الحديث بشأنكَ أولاً!

حينها قد أردفتْ القولُ لهُ، قائلة:

أستدر ناحية الشمعة المُنيرة بذروة المجلس، لعلها وعسى أن تلهمنا أفكاراً وضاحَة ساطعة للغاية، لربما!

ثم فعل جميع ما طلبتهُ منهُ، عندها اسماعيل قد تجمعَ العرقُ نُصبَ عينيهِ وأحمرا وجههُ فقال لها: لا شيء لعائلتك! فأن جميع عائلتك ليس لهم حقٌ فيما قد تُرك!

حينها فدوى قد نهضتْ واقتربتْ منهُ فقالتْ له وهي مستصرخه بالكلام:

إنكَ ظالمٌ عاصبْ!

اسماعيل: ولا مظلمٌ الشمسَ بحاجبِ الغربال كأمثلكِ أنت وأباكِ الهرمِ القعيد ذاك!

وما أن لبثت فدوى للحظات ما حتى أخدت بتوبيخُ اسماعيلٌ الأشر، حينها شهق اسماعيل ليدخل الهواء الى داخل جوفه مباشرة دونما أي ترددٍ، قائلاً:

أرجوك أيا وقتٌ أن لا تطيلنَّ الركود الىَ أهواءهم العمياء!!

فدوى: من هنا وهناك عندي رسالةٌ ما مختزنةٌ بأعماق جوفي العطر، فلازلتُ أجهلُ معناها وتفسير جُل ذخائرها الثمينة الاخلاص!

اسماعيل: وما هي أيا وريثة العرش بهذا البيت الكبير وفيما سواه!

فدوى: أن اراك مجنونٌ صائلٌ الحوى عن الهوى أيا اسماعيل

هذا وقد ظنتْ فدوى بإسماعيل ظن السوء لهُ، لكونهِ دائماً ما كان يخبرها عن صنائع السيد أبرانيم ناسيخ وزوجتهِ للا باهرحان نابغةُ البدعاءَ، القائلة:

” حُطَ بِي الرحال عند رُكنِ العربداء، حيثُ النقاوةُ الضُحلاءَ لكنائزِ الأموالِ فالأنوار”

فقال رشاد الى فدوى قبلما أن ينجلي عنها ويتلاشى بالأفاق القريبة:

لهما النصف مما ترك المصدران من بعد معاهدة قدمها بيده والد زوجها السيد أبرانيم ناسيخ قبلما وفاته بأيام معدودة حينها .

عندها تعجرفتْ خُطى فدوى مما سمعتهُ أُذناها، فقالتْ لهُ متسائلة بشيء من الشك الصلد وقليل من اليقين الذائب لولا انصهاره قبل جمودهِ الصلب أولاً:

ولما النصف قد اختصا بهِما مفردً ؟ ألا لنا الأثمان والأرباع فالأنصاف حتى نتقاسمها عدلاء فيما بيننا جميعاً!

فأجاب لها اسماعيل مُجيب لسؤالها الحاد هذا والمستعصي بالإجابة:

 بلى … ولكن تمت قرابة تربط والد للا باهرحان بجدك، إذ ينسبُ إليكم قبيلهُ ولقب مسماهُ الكنائي له ولكافة عائلتكم!

فقالت له فدوى:

يكفك جُل هذا! والأن لتسمعني أسماء شجرة عائلتنا المُحتكمة لأوجه كافة التخلف العائلي هذا .

ثم راح اسماعيل يرتل عليها مُسميات عائلتهم حيثُ امسك بيديهِ مخطوطة قديمة وأخد بقراءتها على مسامعها، فقالت له ابنت الرابعة والثلاثون:

أيعقل هذا الخبر البلاغي الذي قد سردتهُ على كلتا أُذناي!، فحسبما التواريخ والأسماء الواردة والتي قد سردتها بمخطوطتك هذه يبدو لي انها غير سليمة أبداً

اسماعيل: إذاً هل تطمعين بمعرفة اسماء شجرة عائلتك المُحتكمة لأوجه كافة

 التخلف العائلي ذاك بالكامل ؟

فدوى:

بلى فإن بالي وتفكيري يود العلم بذلك كله، لأنك أيا اسماعيل قد سَلبتَ أَمَوَالنا ومَعها ذكْرَيَاتِنَا القَائِمَة لنا، بِسَبَبِ مَشُوْرَاتِكَ الخَائِبَةِ لك علينا منها بذلك، وجميع رسائلك الخالدة المُخلدة تلك ما هي إلا فتنة ما، كذلك قد أشعلت وطيس لهيبها ببيتنا الكبير هذا، فحرقتنا، وحرقتْ إثرانا جميع رسائلنا وذكرياتنا وطموحاتنا فآمالنا وما قد رسمناهُ بمشاعرنا وأهدافنا في كل ما أن أختطه اصولنا الاولون بتركاتهم لنا في الرسالات المُخلدة!

مقالات ذات علاقة

جاريني إن استطعت

المشرف العام

صباحات غربتي

المشرف العام

ضربات

المشرف العام

اترك تعليق