المقالة

هرطقات ليبي معزول (6): عن بعض الامثال الشعبية

أمثال شعبية

 

عن الأمثال الشعبية الليبية وربما حتى الشعبية العربية أحدثكم، أقصد بالعربية هنا ليست تلك التي ورثناها من حضارتنا العربية وصيغت بالعربية الفصيحة، إنما تلك الموروثة والمتداولة في بعض الأقطار العربية وهي بعامية تلك الأقطار..

ما دعاني للحديث عن هذا الموضوع حوار قصير مع مسن (شاباني) في إحدى اللقاءات الاجتماعية بطرابلس، حيث كان الحديث عن العادات السيئة التي يتعامل بها الليبيين مع بعض الأمراض الموسمية كنزلات البرد وما إليها، فذكر أثناء حديثة مثلا رأيت أنه من الواجب التفكر فيه وربما العمل على تعديله من حيث الشكل اللغوي والمعنى الموضوعي.. فقد استشهد الرجل في حواره معي بالحديث الذي نصه عند العامة (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب)، وأيده الكثيرون ممن كانوا يستمعون لهذا الحوار.

في الحقيقة لم أدخل مع الحضور في حوار، وأجلته لتناوله في هرطقاتي التي أطل بها عليكم كل أحد من كل أسبوع في هذا الموقع الثقافي الليبي الرائد، وغايتي أني سأتناول هذا المثل وأمثال ليبية كثيرة من زاوية لا تسمح بأن يتم تناولها في جلسة اجتماعية عابرة.

زاوية فهمي لهذا الحديث تتمثل في أننا ورثنا مثلاً إما أننا ورثناه من جهة جهلنا بأهمية الطبيب ولأنه لم يكن (ولايزال) الليبيون يتعاملون مع الطبيب بالشكل الطبي السليم، وإما أننا نقلنا بالتواتر من الأجداد مع بعض التحوير الذي ربما طرأ عليه.. وقراءتي لهذا المثل أنه لابد أن يتم تصحيح أو تعديل هذا المثل ليكون وفق الصياغة التالية (اسأل مجرب ولا تنسى الطبيب)، لا (تنسى) تعطي للمثل قيمة علمية كبيرة وتشعر قائله بأنه يحترم الطبيب (ولا ينساه) مطلقاً من باب الأخذ بالأسباب العلمية التي ينبغي علينا الأخذ بها في كل حياتنا، وأن احترام رأي الطبيب يزيد من قيمة المثل ومن التجربة الشخصية، فهي تعطي للمثل قيمة علمية فوق القيمة التجريبية.

وما قد يفتح الباب أمامي هنا الحديث عن بعض الأمثال التي لا تتماشى مع قيمنا الدينية التي نستقي منها كل علاقاتنا الاجتماعية، فمثلا الأمثال التالية:

(حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس).

(أخطى راسي وقص).

(كل شاه معلقة من عرقوبها).

وغيرها كثير، لا يتسع المقال لذكرها، هذه الأمثال تتعارض وتتعاكس مع كل ما دعانا إليه ديننا الحنيف في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقد تعلمنا من أن المجتمع المسلم مجتمع التكافل والتواد والتراحم، وأنه بنيان مرصوص ويعتمد على فضائل المروءة والوفاء وإغاثة الملهوف ونكران الذات وهي قيم جسدها القرآن الكريم في الكثير من الآيات وعلمنا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) في الكثير من مواقع سنته الشريفة الكثير من الأحاديث التي تؤكد كل هذا القيم وترسخها ثقافة وسلوكاً ينبغي نعيشه منذ الولادة حتى نهاية العمر، ثقافة تناقض كل تلك الامثال، ومنها:

(لا يؤمن أحطم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

(ليس منا من بات شبعان وجاره جائع).

(المؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه بعضاً).

والكثير الكثير من الأحاديث النبوية التي ترسخ لقيم المجتمع الإسلامي الذي يبني دولة قوية أساسها البناء الأخلاقي.

فهل ينبري علماء الدين والمثقفون وعلماء الاجتماع والتربويون إلى التصدي لمثل هذا الأمثال والعمل على البحث عنها ودراستها وتمحيصها وتصحيح ما يمكن منها لتوعية الناس كل من خلال موقعه على أهمية العمل بالأمثال التي تتماشى مع فيمنا الدينية وترسخ بالتالي هذه الامثال بما تعمل على تغيير سلوكيات الناس اليومية التب باتت تحتاج إلى تغيير الأن وقبل أي شيء.

وأذكر أني ومنذ حوالي 25 سنة قد كتبت منتقداً في مقالة صغيرة بأحد صحفنا الليبية لكتاب عن الأمثال الشعبية كان أحد أشهر مثقفي ليبيا حيث أقدم على نشره (كتاب سردي للأمثال الليبية) ذكر فيه ما ذكر من أحاديث كثيرة مما أراه في ذلك الوقت – حتى الآن – مما يجب طمسه من موروثنا الثقافي، وعدم الإشادة به كقيمة تراثية لا تتماشى مع ما نعتقده جازمين بصحته ونؤمن به.

وأنا لست ممن ينسبون هذه التعديلات أو التشويه الذي أصاب الكثير من موروثنا الثقافي أو التلويح به إلى أيادي خفية كاليهود الليبيين أو بعض (المتطلينين) (دعاة الحضارة الغربية)، أو أياً من كان، إنما أعزي ذلك إلى فترة الجهل التي طالت المجتمع الليبي في منتصف الولاية العثمانية لليبيا إلى ما بعد الاستقلال، تلك المرحلة التي ساد فيها الجهل والمرض بسبب الكثير من المؤثرات الخارجية، والتي خلفت هذا الجهل الذي لازلنا نعانيه حتى اليوم.

 

إنها هرطقة.. اقبلوها كما قبلتم ما قبلها، لعلها تكون صائبة.

مقالات ذات علاقة

البنيوية التوليدية وإشكالية التناول التراثي

المشرف العام

حكايات للكبار فقط

سالم العوكلي

“الزواوي” الذي ظلمناه

أسماء الأسطى

اترك تعليق