المقالة

النـص الشـعـبي

 

النص المكتوب باللهجة عموماً مازال يحفر في مناجم الذاكرة ويستأنس جماليات جاهزة وبنى علاقات لها تاريخيتها, ورغم كل محاولات التجديد التي حاولها شعراء عاميون وكتّاب أغنية وزجل, إلا أن هذه المحاولات تعاملت في أغلبها مع السطح والشكل ولعبة المفردات الحديثة المبثوثة تعسفاً وسط سياقات تقليدية, هذا إضافة إلى استخدام هذا الشكل الموحى بالتجديد لتغليف مضامين غاية في التخلف, تعكس علاقات متأزمة أنتجها واقع بدائي له آليات صراعه الخاصة, فمازالت الحبيبة تخاطب بضمائر مذكرة, ومازال الآخرون حاضرين بشكلهم العدائي (حُساداً وعذالاً) لا هم لهم سوى الحيلولة دون الحبيب وحبيبته, ومازال الفراق والرحيل والبكاء على الأطلال ديدنهم الأساسي لتسريب هذا اتلحس المحبب من الحزن والفجيعة, واستحلاب الدموع بخلق علاقات يحكمها مسبقاً اليأس الذي يكاد يكون مفردة لازمة في معظم النتاج الشعري الشعبي الذي يستمد هويته من ذاكرة تلك العلاقات التي مآلها غالباً إلى الفشل.. فنجد مفردات أخرى كالمرهون والغبي, والتي تعني عشق حبيبة متزوجة أو مجوزة وهي في مجملها علاقات لم تعد موجودة بهذه الحدة.

وبمراجعة واقعنا الراهن سنكتشف أن كل مجموعة من الاوهام والوقائع المنمطة التي كسرتها الذاكرة واستراحت لها قريحة الشاعر ومخيلته المحدودة التي حجمها هذا الارتباط بالمنجز السمعي.. وعدم فتح العين على الراهن الذي من شأنه أن يشحن اللغة أيضاً بطاقة جديدة تسعى إلى بلورة جماليات مختلفة وخطاب مغاير، وعلاقات مدنية تسعى في حدها الأدنى إلى نوع من الحوار بدل هذا العنف والقسوة التي تجسدها ذهنية أسيرة الإطلاقية وأحادية الرؤيا.

إن نصاً راهناً مكتوباً باللهجة, سيكون جزءاً من دوره المعرفي طرح لغة جديدة, وعلاقات أكثر حضارية تتسم بالحوار والتسامح, بدل صبّ اللعنات على الحبيب المفارق, أو طلاق شتى أنواع الأسلحة التدميرية على الآخر المتوهم, وهذا المنحى من المفترض أن يحيل القصيدة العامية إلى نص أدبي يجد مكانة في المجلات الثقافية والأدبية بجانب نصوص الفصحى, لأن مفهوم الأدب غير مقترن بفصاحة اللغة بقدر اقترانه بخطاب ملفوظ يتبنى جماليات وأسئلة اللحظة الراهنة, وهذا بدوره سيرقي بالنص الغنائي إلى حضوره الشعري والموسيقي في الوقت نفسه, ويجعل أغنيتنا تأخذ مكانها في بانوراما الأغنية العربية, التي حققت منجزاً مهماً في هذا الصدد من “سيد درويش” إلى “زياد رحباني”.

 _______________________________

صحيفة الجماهيرية.. العدد:3955.. التاريخ: 28-29/3/203

مقالات ذات علاقة

الملحن الليبي علي ماهر، لكل جيل فرسانه!

المشرف العام

مسرحية (حفلة ليبيا) تبرر لانتهاك الملكية الفكرية من جديد!!

حسن أبوقباعة المجبري

الشخصية الليبيـة

المشرف العام

اترك تعليق