الشِعرُ ديوانُ العَرَب
أَبَداً وَعُنوانُ الأَدَب
( الشاعر الأمير الفارس العاشق: أبو فراس الحمداني )
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً.
( شاعر العربية الكبير: أبو الطيب المتنبي )
عزيزي القارئ الكريم..
الحديث عن الشعر والشعراء ذو شجون ولِمَ وهو علمهم الأول ولسان لغتهم والشعر يحكي أخبارهم وقصصهم وأيامهم وبطولاتهم ويؤرخ لحياتهم والشعر ينشد وقد نشأ نشأة غنائية وكان الأعشى جميل الإلقاء ولذا أطلقوا عليه صناجة الشعر والخلاصة الشعر بضاعة وصناعة العرب عبر العصور هكذا..
وقال أرسطو عن الشعر:
” إن الشعر أكثر تفلسفًا من التاريخ؛ لأن الشعر يتعامل مع الكليات، والتاريخ يتناول الجزئيات “..
ومما لا شك فيه ولا جدال تم استخدام الشعر في معرفة اخبار العرب وفي تفسير بعض آيات القرآن الكريم. وكانوا يحتفلون بميلاد شاعر في القبيلة لأنه لسانها والمدافع عن مجدها.
ومن خلال متابعتي المتواضعة أرى أن الشعر فن جميل قائم على التعبير والتصوير والخيال الواسع والخصب بجانب وصف معالم الواقع داخل التجربة معا.
بل فلسفة الشعر في نصها تخاطب العقل والوعي، وتطرح الحجة والبرهان المنطقية ، في نزعة لغوية بلاغية ودفقات الشعور النابع من القلب والحواس ويوحي بالصورة والاستعارة والرمز العميق وتارة المباشرة وأخرى الغموض وتوظيف الأسطورة، أضف إلى التشكيل الفني للغة والإيقاع النغم تنقلا بين بستان الكلمات..
وعن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن من الشِّعْرِ لحكمة) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الشِّعْر بمنزلة الكلام، فحسنه كحَسَن الكلام، وقبيحة كقبيح الكلام) رواه الطبراني.
والمْعْنى: أنَّ الشِّعْرَ المَوْزونَ مِثل الكلام وفي حُكمِه، فحَسَنُه كحَسَنِ الكَلام، وقبيحة كقَبيحِ الكلام.
قال ابن العربي في أحكام القرآن:
“يعني أن الشعر ليس يُكْرَه لذاته وإنما يكره لمتضمناته”.
وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيد بأن قوله: “ألا كل شيء ما خلا الله باطل”: أصدق كلمة قالها شاعر”.
عن شريح قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتَمثَّلُ بشيءٍ من الشِّعر؟ قالت: كان يتمثَّل بشعر ابن رواحة ويتمثَّل ويقول: ويَأتيكَ بالأخبارِ من لم تُزوِّدِ). والبيت: ستُبْدِى لك الأيام ما كنت جاهلاً ويَأتِيْكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّد. طرفة بن العبد.
ويقول الجمحي، محمد بن سلام، المتوفى سنة 231 للهجرة، في كتابه (طبقات الشعراء):
“أول من قصد القصائد، المهلهل بن ربيعة”.
ويقول ابن فارس:
” والشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعرفت المآثر ومنه تعلمت اللغة وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله وغريب حديث رسول الله وحديث صحابته رضي الله عنهم “.
ويقول الفيومي في المصباح:
“الشعر العربي هو: النظم الموزون، وحده ما تركّب تركباً متعاضداً، وكان مقفى موزوناً، مقصوداً به ذلك. فما خلا من هذه القيود أو بعضها فلا يسمى (شعراً) ولا يُسمَّى قائله (شاعراً)، ولهذا ما ورد في الكتاب أو السنة موزوناً، فليس بشعر لعدم القصد والتقفية، وكذلك ما يجري على ألسنة الناس من غير قصد؛ لأنه مأخوذ من (شعرت) إذا فطنت وعلمت، وسمي شاعراً؛ لفطنته وعلمه به، فإذا لم يقصده، فكأنه لم يشعر به”.
ويقول (ابن رشيق) في كتابه “العمدة”:
“وإنما سمي الشاعر شاعراً؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، فإذا لم يكن عند الشاعر توليد معنى ولا اختراعه، أو استظراف لفظ وابتداعه، أو زيادة فيما أجحف فيه غيره من المعاني، أو نقص مما أطاله سواه من الألفاظ، أو صرف معنى إلى وجه عن وجه آخر، كان اسم الشاعر عليه مجازاً لا حقيقة، ولم يكن له إلا فضل الوزن، وليس بفضل عندي مع التقصير”.
ويقول ابن الرومي:
وما المجد لولا الشعر إلا معاهد وما الناس إلا أعظم نخرات.
ويقول أبو تمام الطائي:
ولولا خلال سنها الشعر ما درت بغاة العلا من أين تؤتى المكارم.
ويقول الشاعر الحطيئة عند النزع:
الشعرُ صعبٌ وطويلٌ سلَّمُهْ
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلَّمُهْ
زلّت به إلى الحضيض قدمُهْ
يريدُ أن يُعْربَهُ فيعجمُهْ
ويقول حسان بن ثابتٍ شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم :
والشعر لُبّ لسان المرءِ يعرضُهُ على المجالسِ إن كيساً وإن حُمُقا
وإنّ أشعر بيتٍ أنتَ قائلهُ بيتٍ يقال إذا أنشدتَهُ: صدقا.
وقال أبو الطيب المتنبي شاعر العربية الكبير:
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً
فَسارَ بِهِ مَن لا يَسيرُ مُشَمِّرا وَغَنّى بِهِ مَن لا يُغَنّي مُغَرِّدا.
ومن ثم عبر عنه أبو فراس الحمداني قائلا:
الشِعرُ ديوانُ العَرَب
أَبَداً وَعُنوانُ الأَدَب
لَم أَعدُ فيهِ مَفاخِري
وَمَديحَ آبائي النُجُب
وَمُقَطَّعاتٍ رُبَّما
حَلَّيتُ مِنهُنَّ الكُتُب
لا في المَديحِ وَلا الهِجا
ءِ وَلا المُجونِ وَلا اللَعِب
وأخيراً فهذه كانت مقتطفات من عبق اللسان العربي القح الذي جمع البداوة والحضارة معا في لوحات شعرية نتذوقها فنيا وإبداعا لغويا وأدبيا تُزين مسيرتنا مع موكب الحياة دائما.