الثلاثاء, 8 أبريل 2025
تجارب

الرسالة الأولى

حكايات وذكريات : سيرة قلم 4

سعيد العريبي (حكايات وذكريات – سيرة قلم)

بدأت الرغبة في الكتابة معي منذ الصغر.. وكتعبير حقيقي ومبكر عن هذه الرغبة.. كتبت وأنا في المرحلة الابتدائية.. رسالة إلى مقدم برنامج لغتنا العربية بإذاعة بنغازي.. التي كانت برامجها تذاع على مستوى البلاد بأسرها.

كنت وقتها تلميذا بالصف الثالث الابتدائي.. وكان أستاذ الفصل قد درسنا سورة القارعة وشرحها لنا شرحا مستفيضا.. وأمرنا بحفظها فحفظناها عن ظهر قلب.. أعني لم يكن ثمة ما يدعو إلى مراسلة الإذاعة المسموعة والسؤال عن معاني كلماتها.. سوى رغبتي في سماع اسمي من خلال المذياع.. الذي كان وسيلة الإعلام والاتصال الوحيدة التي يتابعها الجميع قبل ظهور التلفاز ووسائل الاتصال الحديثة.

تلك كانت رغبتي.. وقد سعدت بالفعل لسماع اسمي في الراديو – الذي كان أكبر وسيلة إعلام قبل ظهور التلفاز.. وأنصت بفرح غامر إلى مقدم البرنامج وهو يذكر اسمي.. ويفسر لي معنى الآية الكريمة.

والأدهى من ذلك والذي لم أحسب له حسابا وعقابا.. الصيغة التي ذكر بها اسمه التي تقول : ومن مدرسة المقرون الابتدائية بعث إلينا الطالب سعيد مفتاح العريبي مستفسرا عن معنى قوله تعالي: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ).

في اليوم التالي كانت الرسالة حديث الإدارة ومدرسيها.. وأستدعي مدرس الفصل إلى الإدارة.. وهناك عنفه المدير على تقصيره في أداء رسالته العلمية.. الأمر الذي كان سببا في نقل صورة غير مشرفة عن المدرسة من خلال الراديو.

وعاد المدرس من الإدارة غاضبا.. وأمرنا بالقيام.. ثم قال: (فيه واحد منكم.. ما يعرفش شن معنى العهن المنفوش.. ؟).. فأجاب التلاميذ جميعهم.. بلا.

ثم وجه كلامه إلي موبخا ومؤنبا وهو يقول: (وإذا كنت يا شاطر.. موش فاهم.. ليش ما تسألني).

لم أقل له شيئا.. أو بالأحرى لم أستطع أن أخبره بالغرض الحقيقي من رسالتي تلك خوفا وخجلا ـ فقال لي تعالى إلى هنا.. وذهبت إليه.. فأمرني أن أمد إليه بكلتا يدي وأن أقلبهما.. وانهال على أصابعي المقلوبة ضربا بحد المسطرة كعادته دائما.

من بركات تلك الرسالة:

وبعد أكثر من عشرين عاما على هذه الحادثة الطريفة.. ذهبت إلى الإذاعة نفسها.. وعرضت عليهم عدة حلقات من برنامج أسبوعي مدته نصف ساعة.. بعنوان: (مدارج النور).. فاعجبوا به ووافقوا على إذاعته.

فاقترحت عليهم المرحوم عبد الله عبد المحسن كمقدم للبرنامج.. بحكم الصداقة والعلاقة التي كانت تربطني به يرحمه الله.. فلم يوافقوا على ذلك.. بحجة أنه مشغول بتقديم العديد من البرامج.. وقرروا تكليف مذيع آخر.. فاقترح علي الأستاذ عبد الله أن أقدمه بنفسي فوافقت.. وعرضنا الأمر على المختصين.. فلم يمانعوا شريطة أن أسجل حلقة تجريبية من باب الاختبار.. فسجلتها واجتزت الاختبار بنجاح.. وسجلت منه العديد من الحلقات (معدا ومقدما).. وكان بأشراف وإخراج جمال بن خيال يرحمه الله.

وكل ذلك بفضل الله أولا.. ثم تلك الرسالة التي حببتني في الإذاعة التي اهتمت برسالتي ولم تهملها.. واحترمت رغبتي وأجابت عن سؤالي.. ونطقت باسمي عبر الأثير.. وأنا لا أزال تلميذا بالصف الثالث الابتدائي.

مقالات ذات علاقة

اليوم الأول في المعهد الديني

سعيد العريبي

منذ خمسين يناير وروعة ✈

عائشة الأصفر

حيوات العرب

سعيد العريبي

اترك تعليق