حسام الوحيشي
ينكب على الجثة رافضاً إعلانها على قيد الوفاة، وهو يغرس النصل في لحمها الثقافي قالت له الروح الراحلة: أوقف هذه الأسطوانة الشعواء التي تطرق التشخيص ولا تدخل المتن، تمزق أنسجة كمبرادور وتربت على رفيقه، تضع القنفذ على الطاولة وتتهمه بالشوك، تصنع شيطانا وتعكف علي طقوس شتمه وتتناسى بقية الأبالسة وهي تلعب بالأقواس لصالح مشاريع أخرى، أنا أعرف سر الإصرار على شطب أثارها من المشهد لهذا توقف عن ترديد صلاة خشوع عوراء، وارتكاب أناشيد شموخ مبتورة.
لإحياء شعيرة النقد في مناسك النص والابتعاد عن محافل استعمال الحبر كوسيلة لتصميم العلاقات العامة سيفترس المقال كليشيهات ممجوجة بقسوة غير مبررة.
يشتري السياط العالية الجودة من أدبيات الكوكب، لم يخلق المثقف الليبي مصطلحات فخمة تشرح العلاقات المريبة مع روسيا، ولم يستعر مفاهيما ليمارس النقد الحر أيضا، وبعد إطالة النظر لا وجود في عقله لفاعل شرير يمكن أن يوضع في قالب جغرافي عدا الرأسمالية، الاتحاد السوفيتي السابق والنخب المرتهنة له، أضحت مرتبطة بشكل مباشر وغير مباشر مع حلم أوراسيا، على ما يبدو خارج نطاق القلم دور لأهم اللاعبين في البراح، الا نزر مهمش.
اليسار العظيم لم يتعاطف ولو إنسانيا مع الشعوب المقهورة حيث تبزغ الشمس، أثنيات ولغات و و أديان وأراء سحقت بنعل بطرياركي، “فاضل” لأنه يمضغ فاسدا في معركة مغايرة، مكاييله أقل فجورا نسبيا لذا هو “عادل ” واهم من يظن تداعيات القطب المراوح لفحت أرضنا بهذا يريدون اقناعنا، للفكر العتيق سريريا جوقة تدين كل ما هو قادم من الغروب وتسب تفاصيله، من الصعب أن تتجاهل أشباح الفجر وقفزها في الأفق برجل واحدة عندما تمعن برهة، الشرق يستعمل وطننا كنقطة متقدمة للاشتباك مع حضارة البحر.
قوس النار المتقد خط دفاع مبكر عن المشروع الاشتراكي الرث وركامه الشوفيني الذي يحاول الانبثاق، لماذا تواصل السبر بعين واحدة بدل إشعال سلة من العيون تكشف الإرادات المتناحرة وهي تنشر استراتيجياتها جهرا، في البعد الفلسطيني للخيمة العبرية عمودان حتى وإن كان الثاني أصغر ويواصل الكفاح، لكن دوره يجب أن يوضع في حقيبة الحسبان تماما كالكمبرادور الانجلوسكسوني المرصود، وإذا شئت الدقة، للخيمة العبرية حزمة أعمدة بعضها عربي اللسان.
أكرم ذلك الجثمان بالدفن في مقبرة زمنه القديم، أحضر مبضعك الحاد للمنضدة من جديد هناك مريض حضاري لم يمت يحتاج الى جراح ماهر مقلتاه في محجريهما ويداه لا ترتعشان، لا تقفو خطوات كبرادور لسخطك على آخر.
عندما يرتكب الصهاينة جريمة في غزة لا يلوم الكرملين تل ابيب، بل يربت على نجمة داوود ويشتم واشنطن، عندما يلغ نتنياهو في الدم الفلسطيني لا يوجه صديقه بوتين أصابع الإدانة للكنيست بل يشير بها إلى البيت الابيض ويداعب الكيبوتس اللطيف، الموت القادم من الغرب يأتي من الشرق أيضا، المثقف اليساري الكاره للولايات المتحدة الامريكية وهو يخرج حصيلته الزاخرة بالمصطلحات المنددة في وجه بايدن مصاب بفقر المفاهيم الحاد كلما كان أليكسندر دوغين الشريك الرئيسي في ملعب الأمم، وهذه ليست المرة الأولى، أحجار الشطرنج لم تتوقف .
لم يخلق المثقف العربي أفكارا فخمة تشرح العلاقات المريبة مع أنصار تموضع (البجعة السوداء) كلما ارتفعت معزوفة الشرق الأوسط، المثقف أعلاه لم يستعر الفاظا مدججة من وراء المالح أيضا، لا وجود في عقل اليسار العالمي برمته لفاعل شرير يمكن أن يهجى عدى الرأسمالية، مشاريع التبعية صممت هكذا وإن ابيضت نواياها قادها اللجام الفكري عسفا، عن اطار مجايل أشير، ربما صناعة صندوق خاص هو الحل، كثيرون خرجوا من العلبة وسرقهم التيه.
يضع القنفذ على الطاولة لتشريحه ويتهمه بالشوك للمرة الثانية الأمر واضح، إنه صدى لصراخ النظرية العالمية الرابعة في ليبيا بلاد الثالثة ولا ريب، وما على المثقف إلا استدعاء اللهجة الغابرة وغض الطرف عن توابعها ومواصلة التصفيق لأسباب وطنية، الإقليم يتحول الى ساحة حرب دولية يتقافز فيها وكلاء محليون لمشاريع كونية، ينص مراقبون في صعيد ثائر، سيتكرر الدوران في حلقة مفرغة، تتردد كلمات سمجة وجدت طريقها الى الحائط سابقا واصطدمت به، ولم ينجو أحد من ويلاتها، القلق يقفل جمجمته على خوارها ليطمئن. اهتزاز ملامح التفسير البسيط لا يروق له، الصورة العرضية تكاد تغدو مبهمة، تصاعد الهتافات ليحيا الظربان مات القنفذ.
لقد جئت الآن بنوايا طيبة خاليا من المصطلحات الفاخرة لتشريح الظربان، تاركا القنفذ لآلامه العلوية المبرحة، أتيت بلا حصيلة فلسفية جاهزة ترسبت خارج الأسلاك الشائكة لأساهم في التفكير بطلاقة لو سمح لي الأصدقاء، راغبا في تكوين سلة من الأعين غير المشمولة لأتحدث عن الكمبرادور بصيغة الجمع وأتصفح معكم كتيب عائلته الساري والحاشية الكريمة، الظربان يحتضر!