قصة

فـيـما بـعـد

كان حضورك سخياً، فصار لطعم اللقاء الأول نكهة سرية غامضة، فاستبدني الحلم حينما راودتني فكرة الوقوع بالحب من أول نظرة!

فيما بعد، أتت مواسم الغياب سريعاً، وقررت أن منذ تلك اللحظة وكلما كتبتك على أوراقي، سأكتب فيما بعد، وعندما يهاجمني البوح سأقول- فيما بعد! وكل غفلة مني يداهمني الشوق فيها إليك لابد أن تفسدها كلمة فيما بعد!

فيما بعد، حارقة وأكثر إيلاما من كلمة فيما قبل، فهل تكون البدايات شهية إلى الحد الذي تلغي معه، دمعة المكابرة، ونحن نسخر من لحظة الغياب والفقدان.

ما قبل، جئت لتعيد لي إيماني بالحب وهو يخلق من أول نظرة، وأول قصيدة تسحرني، وتقول بل منذ أول اكتشاف للتكامل والتوحد بيننا، وسألتك يومها: ما الذي يحدث؟ لماذا أحبك في وقت متأخر عن زمن الحب؟ وما معنى العمر الذي خلفته ورائي؟ أسئلة كثيرة وإجابة واحدة منك قلت لي:- عمرك الذي مضى كنت تتهيئين لي فقط؟

فيما بعد، آمنت بالحب من أول لقاء، ماهو إلا جنين سرَي نحملُ به مُغتصبين، وليس عن سابق إرادة وتخطيط. الجنين ينبت داخلنا قبل أن ندرك بأنه أخذ ينغرز في خلايانا، ويتسرب إلى مساماتنا، يتغذى على نزيف أوردتنا، الجنين يكبر فنبدأ بتلمسه مع كل لقاء جديد.

في كل لقاء، وكلما أتممت لك جملة ناقصة، تدعَي أنني النسخة الأنثى لملامحك الداخلية، بجرأتها وشفافيتها، بعذوبتها وقسوتها، ونكتشف تكاملنا!

فيما بعد، نرصدُ مشاعرنا فالجنين السري أخذت ملامحه تتضح، ومازال يكبر خارج القانون، ولا تحكمه إلا الجاذبية المنحرفة عن كل قوانين العالم. واتفقنا بصمتنا المشترك انه أجمل ما صادفنا، هو تمرد أحاسيسنا التي رصدنا! وتقاسمنا الشبه، بفرحنا بالاكتشاف وانتصاراتنا على سرقة مواعيد حماقاتنا عن أعين الآخرين، وتلذذنا بانخطافنا نحو فضاءات الروح متواطئين على إطالة عمر الحب بتأجيل الاعتراف، بذاك الاقتراف السري المخبوء.

لأن الجنين السري سينتهي إلى الفضيحة بولادته العلنية، ومعها تبدأ كل الحقوق العاطفية بفرض شروطها علينا!

فيما بعد، توافقت مقاييس الحب لدينا وامتلئ الواحد منا بالآخر،وتململ الجنين من سرية الإخفاء، وكنت رجلاَ شجاعاً قادر على تأجيل الاعتراف إلى اللحظة الحاسمة، حالما وقفنا عند حافة السعادة الأولى، وتذوقنا الطعم المر لبداية الغياب، أخذنا نبحث عن الحقيقة فأتت سريعاً الحماقات التي لابد أن ترتكب، سواء سلكنا ممرات سعلة أو وعرة! رحلت وانتظرت هاتفك، بنفس اللهفة التي دفعتك لتقول: أحبك.. أحبـــك أريد إعلانها للملأ!

في لحظة، أوصلتني حدَ السعادة الغامضة، التي لا يمكن معها سرد تفاصيلها، ولكنني كنتُ أشبه كل النساء، طالبتك بحقوقي العاطفية، وشرطي الأول عدم الغياب! وكأي رجل شرقي فرضت عليَ قمع غواياتي، لأن حساسيتك العالية لا تحتملُ مشاعر الغيرة. فهل كان الحب يستحقُ الولادة بعملية جراحية؟ تترك ندوبها وشماً على ذاكرة الحب؟

كلمة أحبك قلتها ومضيت سريعاً مخلفاً وراءك امرأة مبللة بأمطار الشوق والحنين، أحبك اخترقتني رصاصة شوق مندفعة، فأيقظت غفلة أحاسيس مدسوسة عمراً، فمن يعيدني بعدها إلى اللحظة السرية، فيما بين رصد المشاعر وبين الاعتراف؟ ألم أحذرك أن عمر الحب ليس إلا تلك اللحظة المتأرجحة بينهما؟ لماذا نستعجل النهايات لكل المشاعر الجميلة؟ لماذا نتغابى على الاحتفاء باللحظات الغامضة المرتبكة ولانعرف كيف نتعامل معها؟

أحبكِ، قلتها وها أنا أقف خائفة مما سيأتي بعدها! خائفة أن نعتاد الحب فيفقد لحظات الدهشة .

خائفة من تجاوز منطقة السرية الحرة والعبور نحو منطقة العلنية الخطرة! فلا نستمتع بعد إذ بلحظة ارتباك خجلة!

عمر الحب هو عمر الجنين السري حتى لحظة إعلان ولادته، أنها لحظة حياة!

مقالات ذات علاقة

المطر في المقبرة

أحمد يوسف عقيلة

فـــــأر

المشرف العام

هَجْعَة

حسين بن قرين درمشاكي

اترك تعليق