نزيهةُ
جميلة في حسنها القمحي دلالٌ، سمراء.. من حسنها يخجل الحسن.. عرنينها به شممٌ ومن نظرة عينها تنشق النجوم.. خرجت من حوشها ومن زقاقها لزقاق آخر، ومنه إلى شاطئ البحر.. اقتربت من الشاطئ فدنت ودندنت.. اشعة الشمس تعكس على سطح البحر عناقيد من الأصداف والمرجان والحلل واللؤلؤ.. أحست أنّ أمامها يوم جميل.. رذاذ الموج يهفو من فوق وجنتيها.. خلعت حذائها.. ومشت نحو حقل الموج.. أحست بوشوشة الموج لقدميها، حباتُ رملٍ مشاكسة تلثم أصابعها.. شمرت فستانها حتى ركبتيها، ازداد الموج علواً.. وأشعة الشمس تترنح في لهفةٍ.. ساعات قليلة مرّت.. قفلت راجعةً للحوش.. لم تعبأ بكلمة قبيحة واحدة إثر عودتها إلى حوشها.. دخلت البيت ومن جنانه وظله المخملي التقطت عرف نعناع وعرف مردقوش وعرف حبق وانتعشت بها شغفاً كانتعاشها بنسيم البحر.
غيرة السحائب
البحر يبدو هادئاً لا موج فيه يهيب بأجنحة الرياح كي تحطّ من بعيد، ساكنٌ في سكوت تجلت مرآة السماء فيه تستثير الأماني، تلألأ وجه السحائب يملأ الأرض ربات البهاء.. السحائب تدخل في نوبةٍ من الذهول والصمت يرنو للكلام.. السحائب رقصت ليوم جديد، أبصرت أميرة أندلسية أبهى حُسناً من لؤلؤ البحر وما حاك الخيال، ابصرتها خلسةً في لحظٍ الحلم الأثيري، أميرة من مليحات العرائس، أيقنت أنّها أحلى من أماني الحسان تطفو في العيون الحالمة.. غارت السحائب وأنشدت لحنَ حُسن الأميرة وبثت حكايتها الأثيرة.. غردّ الموج وقد خرج عن صمته يشدو لمُحياها وقد تجمعت فيه جميع المحاسن.. كلّمه سكون البحر وهو يراقبها من بعيد من ركنٍ خفي: “هي الشمس إلا أنّ للشمس غيبة… وهذا الذي نعنيه ليس يغيب”.
القمر
أقبل الليل يخاطب الروح، نزل القمر مترع بالدهشة، سكنَ الليل في حُجب الظلام، اختفى ضوء القمر يبحث عن عروس في وكنات المساء، اِختفى خلف أوراق العرائش الهائمة في نوار الروض، سكنَ الليل عَطِراً.. مرّ الليل، وقف عند بابها يغمره الظمأ، وصل من حيه لحيها مترنماً يناجي النجوم، دندن مُصفراً ببشاشة صفير فيه نغمٌ سنباطي ساحر مُصفراً من تحت شباكها، سمعته فهامت بكفّ الخيال، امطرها اللحن بوابله الذاهلة يعبر الليل ويمضي، ابتهجت على جنح المساء، لحنٌ سرى في الليل سراه.. دنت أميرته من الشباك أكثر.. غنى لها: “أنا طيرٌ رنّام في دنيا الأحلام”.. اختفى، طواه الليل.. رقص القمر لها بين أوراق العرائش ووهبها نبض الكلم الشامخ.