الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
أقيم بفضاء محمود بي الثقافي بالمدينة القديمة طرابلس ضمن فعاليات ليالي المدينة الموسم الصيفي لعام 2023م ندوة جاءت بعنوان (رائدات ليبيات) مساء يوم الإثنين 4 من شهر سبتمبر 2023م، وذلك بمشاركة كل من الأديب “منصور أبوشناف“، والكاتب والناقد “يونس الفنادي“، وقد أدارت وقدمت الندوة الكاتبة الصحفية “سالمة المدني”، بحضور نخبة من الفنانين التشكيليين والكتاب والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي في ليبيا، وتطرق الكاتب “يونس الفنادي” من خلال ورقته المعنونة (الريادة بين القصدية والصدفة التاريخية) بالإشارة إلى أن الريادة الأدبية كغيرها من الريادات الأخرى فتبرز السبق التاريخي الذي تشرفت به وسجلته عبر مسيرة الإبداع الإنساني في ليبيا ولها الفضل في تمهيد الطريق أمام الآخرين لمواصلة المسيرة بنسج على منوالها بالمزيد من العطاء المماثل، وكذلك التطوير الفني والتجديد بجميع أوجهه، وأضاف الفنادي بأنه ما من شك أن الخطوة الأولى في أي مجال تُمكّن الإنسان المبدع تحديا بجملة من الصعوبات والعراقيل الفكرية والاجتماعية علاوة على المرئية على أرض الواقع بكل أنماطها، ويرى الفنادي في المقابل أن للرغبة والإرادة والعزيمة الحماسية عامل في تلاشى تلك المعوقات ويتحقق الهدف بتسجيل الريادة الإبداعية تقدح شرارة أو إشعاعا في بداية مشوار إبداعي جديد لابد له من التوهج ليعم نوره أرجاء كاملة.
الريادة والصدفة التاريخية
ووفق التصور الشخصي للفنادي أنه بقدر أهمية استعراض كل الريادات وأسماء الشخصيات المحترمة التي سجلت سبقها في المجتمع الليبي منذ نشأة الدولة الحديثة وظهور بوادر مواكبة العصر والنهضة الفكرية والمجتمعية بجميع صنوفها فإن ما يجب التعرف عليه والاهتمام بدراسته يتلخص في أربعة نقاط، أولها الظروف الملابسات والمناخات التي انبثقت منها تلكم الريادات حتى تحولت إلى نقلة حضارية تحققت للمجتمع ثانيا مستوى الوعي الجمعي الماضوي بأهمية المبادرة ذاتها، والسعي لتسجيل الريادة والسبق ثالثا دوافع المظلة الاجتماعية في احتضان ودعم وتشجيع كل المبادرات الرائدة رغم الفقر والجهل وانعدام مواكبة العالم، رابعا الرؤى والتطلعات الفكرية التي كانت سائدة في تلكم العهود الزمنية البعيدة، ومدى قدرتها على استشفاف المستقبل بأهمية الريادة وتأثيراتها القادمة كما أوضح الفنادي أنه عند تتبع موضوع الريادات والاكتشافات والابتكارات بشكل عام يمكن القول بأن ولادة بعض الريادات قد جاءت إثر صدفة تاريخية وليست وفق منظور تخطيطي ورغبة قصدية متعمدة ضمن برنامج يهدف لتحقيق سبق تاريخي بخطة استراتيجية شاملة لتقليد تجارب غيرية مشابهة ونقلها من مجتمعات أخرى سواء عربية أو أجنبية ايمانا بأنها ستكتسي أهمية المستقبل وتستقطب العديد من اللاحقين بها والمنضمين إليها من الأجيال التالية، وأكد الفنادي أيضا أن هنالك من استغل بفطنته وذكائه هذه الصدف المثمرة، واستعرض الفنادي أسماء الرائدات النسويات في ليبيا أولهن وسيلة العاشق، أول سيدة ليبية تؤسس وترأس حزباً سياسياً وهو حزب الأمة في شهر نوفمبر 2012م بالإضافة لسعاد مازق مصطفى باعتبارها أول ليبية متخصصة في مجال الأرصاد الجوية تخرجت معي ضمن أول دفعة في قسم الأرصاد الجوية بكلية العلوم بجامعة طرابلس سنة 1984م والتحقت بالعمل في مجال التنبؤات الجوية بالإدارة العامة للأرصاد الجوية، ثم مشروع زراعة السحب والأمطار الصناعية، ولكنها في نهاية المطاف انتقلت للعمل في مجال التعليم.
مفهوم الريادة
من جانبه شارك الأديب “منصور أبوشناف” بورقة حملت عنوان (رائدات الزمن الصعب) حيث أشار إلى أن لكل مجتمع رواده ورائداته, ولسنا كليبيين بمختلفين عن المجتمعات البشرية ,فلقد كان لنا بالتأكيد روادنا ورائداتنا وإن جهلنا وجودهم، ولكن دعونا أولا نتفق على مفهوم الريادة وما عنته وتعنيه في مجتمعنا، وأوضح أبوشناف بأن مفهوم الريادة ظل يعني بالنسبة لنا أن من تقدم بالجديد أو طرق أبوابا جديدة واستخدم أساليب جديدة في مجال ما وفي حقل من حقول ذاك المجال أو غيره، واستطرد أبوشناف قائلا : إن الريادة في الفنون وخاصة التشكيلية منها تمثلت حسب ما يورده الدارسون كانت في انتقال ممارسة الرسم من الجدران والنسيج والفخار، وحتى زخارف الشبابيك والأبواب إلى سطح اللوحة ورقا أو قماشا، وبالتالي يجمع الباحثون على أن ذلك تم في العهد العثماني الثاني حين دخلت اللوحة كعنصر جمالي إبداعي بعيدا عن الحرفة، وأكد أبوشناف على أن الرسم ارتبط لقرون طويلة من التاريخ الليبي بتزيين المنتجات الحرفية وبالصناعات اليدوية كالنسيح والفخار والأربيسك وما نحوه، وتابع بالقول : هذا الانفصال ما بين الرسم والتزيين للمنتج الذي كان يقوم به حرفيون من نقش وتلوين وحفر لأسطح تلكم المنتجات، وبين الرسم كعمل جمالي على سطح خاص ومنفصل هو اللوحة التي تعلق على الجدار ولا ترتبط بمنتج حرفي بستعمل لأغراض يومية مثل الفخار أو النسيج.
الرائدة الليبية في الفن التشكيلي
بينما أوضح أبوشناف بالقول: كان النقلة الأولى لبداية الرسم الحديث كفن يمارسه الليبيون, وكان بالتأكيد من قام بتلك النقلة هو الرائد إذن يمكنني القول أن الانتقال من سطح لسطح آخر ومن وسائط لوسائط أخرى في الرسم والأهم انفصال الجمالي عن أغراض الاستعمال اليومي كان هو الريادة، مؤكدا أنه مع هذه النقلة تغيرت إلى جانب السطح أو الفضاء الوسائط وكذلك المواضيع فلم تعد مواضيع تزيين (السلعة) التي مارسها الحرفيون من الرجال والنساء نفس المواضيع التي رسمها فنان اللوحة الجديدة , كل ذلك بدأ فعليا مع الاحتلال الايطالي وبداية تفاعل الليبيين مع الايطالين والثقافة الايطالية وقد رعى كل ذلك ايطاليون في المدارس التي فتحوها لتعليم الليبيين وحسب مايروى ممن عاصروا تلك المرحلة كان الايطاليون هم المقتنيون لأعمال الرواد الليبيين الأوائل من الرسامين, وكانت مواضيع البيئة الليبية بريفها وباديتها وعادات وتقاليد أهلها المواضيع الأكثر رواجا .ويمثل التشكيلي “عوض عبيده” الذي درس على يد الايطاليين وزار متاحف ايطاليا منذ ثلاتينيات القرن الماضي النموذج الأكثر اكتمالا لهذه النقلة , تقنية ومواضيعا كما أكد أبوشناف أن الريادة الحقيقية في الفنون التشكيلية بالنسبة للمرأة الليبية أهميتها وبدايتها الحقيقية هي من خريجات كلية الفنون، ولفت أبوشناف إلى أنه يقصد بالرائدة الليبية في الفن التشكيلي هنّ الفنانات اللاتي قدمن مشاريع فنية تميزت بتصوير صراع المرأة ومعاناتها مع إرث طويل من التهميش والقمع الذكوري، موضحا بأن الفنانات في هذا الإطار رسمن المرأة ليس كأيقونة للخنوع والاستسلام وليس حتى كرمز للخصوبة والاشتهاء بل صوّرن النساء في أعمالهن الفنية معذبات يصارعن قضبان الحرملك الاجتماعي والثقافي سجينات يصارعن قضبان السجون ويتطلعن لحياة أكثر إنسانية وأكثر عدالة.