بداية الفلسفة للفيلسوف الألماني «هانز جورج غادامير» وترجمة علي حاكم صالح – حسن ناظم»، في بدايته تناول الكاتب محاضراته الأخيرة في هيلدبيرغ عام 1967 والتي سلط الضوء فيها على بداية الفلسفة عند الإغريق كتوطئة قدمت لإنتاج الثقافة الغربية مواجهة بتلك الراهنة ومرجعية الافتقار إلى الثقة بالذات، ومن هنا بدأت بوادر ارتباطي بالكتاب حين وضعني الكاتب في ترجمة الأفعال والتحدث من الداخل قبل ملامسة للثقافات المتعددة التي يكون فيها السلوك أهم معالمها ونضال تلك الشعوب للتواصل وتكوين أواصر ثقافية مشتركة.
وبداية الفكر عند الإغريق التي ربطها الكاتب بتطور العلم والتجارة وكيفية وورود الفلسفة من آسيا الصغرى من ملطية وأفسوس وبدأ بذلك قبل سقراط ومن أفلاطون وأرسطو باعتبارهما رواد الفلسفة وعملية الشغل على النصوص الرومانسية الأصلية في القرن الثامن عشر، كما أشار الكاتب إلى اهتمام الجامعات والمدارس الأوروبية في الحفاظ على تراث النزعة الإنسانية،
كان هذا المدخل الأول الذي شدني إلى الفصول الأخرى من الكتاب والتي بلغت عشرة فصول
المدخل التأويلي للبداية
الأساس المتماسك.. أفلاطون وأرسطو
الحياة والنفس. محاورة فيدون
النفس بين الطبيعة والروح
من النفس إلى اللوغوس
المقترب الأرسطي في جمع الأقوال
الفكر الأيوني في علم الطبيعة
بارميندس وآراء الفانين
بارميندس والوجود
احتوى الكتاب على مقتطفات من قصيدة بارميندس في الطبيعة وقاموس لبعض المصطلحات المهمة.
عن بداية الفلسفة اليونانية يعيد هانز جورج غادامير-عرّاب الفلسفة الألمانية الذي ما يزال يهوي نحو قرار القرن الجديد-تأويل البداية، بداية الفلسفة اليونانية؛ وكيفية تشكيلها، وأهمية هذه البداية والفلسفة اليونانية بالنسبة لتاريخ الغرب المعاصر، فهذا هو الهدف الأساسي الذي يعلن عنه غادامير في مطلع هذه المحاضرات، فهو لا يستدعي لحظة الفكر اليونانية لمجرد طرح قراءة مختلفة، إنما هو يؤمن أن بداية الفلسفة اليونانية تلامس مشكلات الثقافة الغربية الراهنة.
استهل غادامير تأويله مرحلة ما قبل سقراط ببداية مختلفة. فعلى عكس ما درجت عليه التواريخ المدرسية والأكاديمية التي تتخذ من طاليس، أو هوميروس وهزيود قبله، بداية الفلسفة اليونانية والفلسفة بعامة، يقف غادامير في وسط التيار، فهو يطلّ على هذه المرحلة عبر أفلاطون وأرسطو، وهذان الفيلسوفان هما البوابتان اللتان تدفق عبرهما سيل المرحلة السابقة عليهما.
إن أفلاطون وأرسطو كانا باعتبار معين مؤرخين رئيسين لمرحلة ما قبل سقراط، فالمحاورات الأفلاطونية التي كان مؤلفها أفلاطون، وكان سقراط يمثل صوت الراوي فيها، وهي مسرحية لهذه المرحلة، ولكنها بكل تأكيد مسرحية تعبر عن رؤى وأفكار أفلاطون نفسه.
وكذلك الحال بالنسبة لأرسطو، فهو وإن اختلف في شكل الكتابة عن أفلاطون وطريقة العرض والمجادلة، فإن وصفه وتشديده وإظهاره لهذا المفهوم أو ذاك إنما يعبّر عن موقف أرسطو وفلسفته.
إذن لا يمكن المرور عبر هاتين البوابتين بأمان تام، فهذان الفيلسوفان صوّرا ونقلا أفكار السابقين عليهما بما يتوافق مع اهتماماتهما ومصالحهما الفكرية.
إذن يبدو غادامير في تأويله هذا كما لو أنّه يريد تفتيت ذلك التطابق بين النصّ الفلسفي والزمن الاعتيادي، وهو تطابق رسّخه وثبته التناول السريع والتقليدي الذي يتخذ من التعاقب الزمني سبيله الوحيد للتاريخ
يعيد هانز غادامير تأويل البداية بداية الفلسفة اليونانية وكيفية تشكلها، وأهمية هذه البداية والفلسفة اليونانية بالنسبة لتاريخ الغرب المعاصر، فهذا هو الهدف الأساسي الذي يعلن عنه غادامير في مطلع هذا الكتاب، فهو لا يستدعي لحظة الفكر اليونانية لمجرد تأريخها أو لمجرد طرح قراءة مختلفة، عندما هو يؤمن أن موضوع بداية الفلسفة اليونانية تلامس مشكلات الثقافة الغربية الراهنة، فهذه الثقافة لا تجد نفسها في حالة تعبير جذري حسب، إنما ثمة غياب أو انعدام الثقة بالنفس حسب تعبير غادامير.
هانز جورج غادامير هو فيلسوف ألماني، ولد في ماربورغ، 11 فبراير 1900. اشتهر بعمله الشهير الحقيقة والمنهج وأيضاً بتجديده في نظرية تفسيرية (الهرمنيوطيقا) وتوفي في هايدلبرغ
_________
بارمنيدس هو فيلسوف يوناني، مؤسس المدرسة الإيلياتية الفلسفية، ويُلقّب بأبي الميتافيزيقيا.
قصيدة “في الطبيعة”
يذكر فيها ما يعتقد أنه الحقيقة المطلقة على نحو دوجماطيقي يقيني، يطرح بارمِنيدس فلسفته في قصيدة لم يبق منها إلا شذرات، أسماها «في الطبيعة» ضمَّنها آراءه في الوجود والعدم، فكان أول من نظم الشعر في الفلسفة. والقصيدة تتألف من مقدمة وقسمين: أما المقدمة فتصف بارمنيدس وهو يلتقي بإلهة توحي له بالحقيقة التي نراها في القسم الأول من القصيدة، فيضع مذهب الحقيقة القائل بأن الوجود الحقيقي واحد ومتجانس وأبدي وثابت في موضع التعارض الشديد مع جدل هيراقليطس القائل بالصيرورة أو التغير الدائم
جزء من القصيدة …
_______
قادتني الأفراس التي كانت تحملني بعيداً إلى حيث هفا قلبي، أوقفتني الآلهة عند ذلك الطريق المشهور الذي يهدي الحكيم العارف بسائر المدن. وأسرعت بي الأفراس الحكيمة تجر عربتي في ذلك الطريق والعذارى ترشد إليه. وتطاير الشرر من الرحى في تجويف العجلة، وصرت صريراً كأنه الزمر، ثم ضاعفت العذارى بنات الشمس (هيليوس) من سرعتي، وكشفن بأيديهن النقاب عن وجوههن، ليحملنني إلى النور، وقد خرجن من مسكن الليل.