المبروك سلطان
في الفصل الأخير قبل التخرج نهاية الثمانينات عملت في مركز قرطبة للحاسبات، اول مركز للبرمجة والصيانة في بنغازي، لاحقا اصبحت شركة الطارق … كان يقوده د. فوزي بن علي وبه نخبة من المميزين من الدفعات السابقة، وقتها لا يوجد انترنت ولا اجهزة نقال ولا لابتوب، فقط اجهزة حاسب شخصي وبرامج ما قبل الويندوز (دوس) وبعض الالعاب ومنظومات بلغة البيسك والداتابيز وبعض برامج الشبكات مثل نوفل والتوكينج رينغ.
كانت المتعة تأتي من بعض البرامج التي نتحصل على نسخ منها من بعض شركات النفط او النهر الصناعي مثل برامج الجداول الالكترونية (123) قبل ظهور الاكسل وبرامج خدمات الكمبيوتر مثل برنامج نورتون كوماندر وبعض برامج الجرافيك مثل هارفارد جرافيك وبعض برامج التحريك من شركة أوتوديسك. كذلك بعض الالعاب مثل تيتريس وبرامج محاكاة الطيران وسباقات السيارات.
أتذكر انني تحصلت على برنامج يقول اعلانه انه برنامج ذكاء اصطناعي يستطيع الاجابة على أي سؤال، وكان شبه موسوعة تشمل الكثير من علم النفس والاجتماع ومحاولات بدائية لجعل الكمبيوتر يفكر كالإنسان.
اذكر انني جربت معه الكثير من الاسئلة وكانت بعض الاجابات مرضية وبعضها اجابات عامة نتيجة عدم تمكني من اللغة الانجليزية، فطلبت من الدكتور فوزي بن علي ان يجربه بحكم تمكنه من اللغة، فوضع له سؤالاً فلسفيا معقد، فكانت الاجابة كلمات غير مترابطة وجمل غير مفهومة فضحك الدكتور فوزي وقال لي، هذا لايزال تفكيره اقل من تفكير شمبانزي.
عند مقارنة التطور الذي حدث خلال الاربعين سنة الماضية للذكاء الاصطناعي خصوصا خلال العقد الاخير، فمع توفر بيانات ومعلومات مهولة الحجم وسرعة المعالجة والتعلم وتطوير الخوارزميات وتشبيك الانترنت أصبح الذكاء الاصطناعي يقترب وبسرعة كبيرة من قدرات الانسان ويتفوق عليها في بعض المجالات، لدرجة انه أصبح هناك اشكالية اخلاقية كبيرة تدور حول العديد من استعمالاته، فمثلا حتى فترة قريبة كانت الصور والوثائق وتسجيلات كاميرات المراقبة موثوق بها لدرجة كبيرة بل وتعتبر حاسمة في بعض المجالات. الآن باستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة بالإمكان خلق صور عالية الدقة بل وصنع مقاطع فيديو لا تستطيع تفريقها عن الحقيقية إلا باستخدام وسائل متقدمة وبالتالي اصبحت مصداقية الصورة او الصوت او المقطع المصور محل شك كبير ولا يمكن الوثوق بها او الاعتماد عليها، بل ان بعض الدول اتجهت لإجبار صانعي هذه النماذج لوضع علامات تحدد انها صنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي.
المرحلة القادمة لمجالات الذكاء الاصطناعي إضافة للتطوير الذاتي، هو اكتساح مجالات كثيرة كان يعمل بها البشر وستحل محله الآلة وهذا لا يمنع خلق وظائف جديدة اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، لكن يبقى السؤال الحائر ” هل سيستطيع الانسان التفريق بين الاصل والمختلق” هذه البداية فقط، فالقادم برغم كل الاماني لا يعلم أحد الى اين سينتهي بنا كبشر.
هذا ما يدفع الكثيرين مثل ايلون ماسك (تسلا+سبيس اكس+تويتر) وبيل غيتس (مايكروسوفت+بينغ) وجيف بيزوز (امازون ) واضطر (قوقل) لاستدعاء مؤسسيها لاري بيج وسيرغي براين لمحاولة وضع إطار اخلافي وقانوني وتصور يحدد بعض الملامح التي على البشر الانتباه لها وعدم التفريط فيها، فالقادم ان نظرنا له من عدة زوايا مرعب إضافة لمتعته!