المقالة

الدولة اولا، ثم الغنيمة

عمليات الانتقال السياسي التي تمر عبر الصراعات المسلحة ليست من العمليات التي يتوقع لها ان تتم بسلاسة، فهي كالعملية القيصرية قد تقلل من الام الوضع الطبيعي لكنها تترك اثارها لبعض الوقت. فعادة ما تصاب الدولة خلال عملية الانتقال بحالة من الضعف والوهن نتيجة انهيار منظومة الامن فيها او تغييبها، يصاحبها بروز ظواهر سلبية تزيد من ضعفها ووهنها، وهذا الامر واضحا في الحالة الليبية بالخصوص وفي حال دول الربيع. ومن الظواهر السلبية التي تبرز هو الايمان بقوة السلاح في تحقيق المطالب، لذلك تسعى العديد من الفصائل الى امتلاك السلاح او المحافظة على ملكيته، واستعماله في فرض مطالبها التي لا تنتهي نتيجة وهن الدولة وانصياعها للابتزاز مرغمة.

هذه الحالة تؤدي الى تراجع السلطة المركزية وانحسارها، ويرافق هذا التراجع بالتاكيد بداية اختفاء الدولة، وانهيارها التدريجي. والبديل لهذا الغياب هو الانتقال الى حالة الفوضي، التي من نتائجها فقد المكتسبات التي اسفرت عن عملية التغيير والانتقال.

كل هذه الامور في مجملها تعمل على ضياع الفرصة التاريخية لانتاج الواقع المرجو من التغيير. او، في احسن الاحوال، تعطيله الى حين، تعطيل الفرصة التاريخية في تكوين دولة المؤسسات، الدولة التي يسودها القانون، ويصبغها وئام تكافؤ فرص الحياة، ويبنيها التنافس المشروع بين مكوناتها.

اذا غاب عن رؤيتنا اهمية النضال من اجل تكوين الدولة، ووضعنا كل تقتنا في البندقية التي نحملها فوق اكثافنا او في المدفع الذي ننصبه على سيارتنا، علينا ان ندرك من تجارب الامم السابقة ان البندقية التي نوجها لفرض مطالبنا قد توجه إلينا لنزع هذه المطالب التي حققناها بقوة السلاح، ونكون كما يقول المثل “كمن يحرث في البحر”.

انا اتفهم جيدا مطالب الفيدرليين رغم اني لا اوافقهم على الاسباب التي يسوقونها في هذا الخصوص، فموضوع التهميش ليس حكر على اقليم دون اخر، ولا على مدينة دون اخرى، ولا على قرية دون جارتها، وقد كتبت في هذا الموضوع اكثر من مرة، ونظرتي اليه واضحة في مقالي المعنون “الهدم الممنهج” بموقع ليبيا المستقبل، فلم يسبق لي ان رأيت مدينة او قرية ميزت عن اخرى، اللهم الا مدينة واحدة فقط. لكن، حتى وان قبلنا جدلا بصدق مطلب الفيدراليين، فهو في النهاية مطلب سياسي صرف، والمطالب السياسية مطالب توافقية لانها تمس الصالح العام. نحن نشترك في رقعة الارض التي ننتمي اليها، فاقليم برقة اقليما ليبيا يشترك مع ادنى قرية في اقصى الجنوب الليبي او حدود جبل نفوسة الغربية، او في اقصى خط تماس حدود الجنوب الغربي، وبالتالي فهو يشترك معها في كل ما تجود به ارض هذا الوطن من خير، ويتحمل معها كل تبعات الانتماء لهذا الوطن، فالوطن ليس غنيمة نغنمها فقط، هو اكبر من ذلك بكثير لكل ذي نظرا سديد.

هنا اود ان اشير ايضا الى مطالب الامازيغ، وساعرج اولا على مقال استاذنا الفاضل السيد ابراهيم الهنقاري في مقاله الاخير “حوار هادي حول الامازيغ”، في موقع ليبيا المستقبل يقول فيه بان ليبيا قبل ان ياتيها الصحابي عمروبن العاص ومن معه من العرب فاتحين لليبيا لم يكن في ليبيا عربي واحد بل كان كل سكانها من الأمازيغ والرومان. طبعا، هذه حقيقة تاريخية يعلمها الجميع، لكن لان بعض الحقائق تصدمنا فليس من السهل علينا قبولها، ويترتب على هذه الحقيقة ان نقبل بان الامازيغ هم من شكل نسيج هذه الارض، وان العرب وافدين، لهذا يكتسب مطلب الامازيغ صفة الحق الطبيعي دون الحاجة الى الولوج في جدلية الاقلية والاكثرية العرقية. ورغم اني ارى مطالب الامازيغ حقوق طبيعية تختلف عن الحقوق السياسية، وقضيتهم قضية وجدانية صرفة لا تبنى على المصالح المادية والادارية التي يأمل تحقيقها عن طريق رفع سقف المطالب السياسية، الا اني لا اوافقهم على اعتصاماتهم وتعريضهم لمصالح الدولة للخطر بسبب عدم تفهم مطالبهم، وارى في قفلهم لانابيب الغاز جريمة يجب ان يعاقب مرتكبها. فالغايات مهما على نبلها وسما قدرها لا تبرر الوسائل التي تسلك في سبيل الوصل اليها وتحقيقها، وهذه قاعدة اخلاقية، والحقوق تخضع للاخلاق ولا تعارضها، والا فقدت قيمتها في ان تكون حقا.

نحن كشعب، قدر لنا ان نعيش تحت نظام مستبد قمعي لاربع عقود طويلة، غييب فيه عقولنا، وكرس سبل الجهل فينا. لا شك اننا لا نعى معنى الدولة، ولا نستطيع تقدير قيمتها، وهذا ليس عيب في حد ذاته، لكن العيب ان نعيش به ولا نعمل على تغييره. كلنا نأمل ان تكون اوطاننا كاوطان الغرب، ننعم فيها بخيرها، ويسود فيها بيننا الامن والامان. كلنا نتمنى ان تكون بلدنا كسويسرا مثلا، رغم ان القليل منا قد زار سويسرا وتعرف عليها، الا ان سيرتها لم تحجبها الابواب المغلقة، ولم يمنع سردها جهلنا بما هو خارج عنا.

لكل صاحب مطلب، مشروعا كان او حتى غير مشروع، حقا كان او منحة، عليه ان يعلم بان المكاسب التي تتحقق في غياب الدولة لا تدوم، وان المكاسب غير المشروعة لا يطول امد الاستحواد عليها، علينا ان نتدكر قانون رقم (4) وما ال اليه. ان الدولة هي اكبر ضامن للحقوق، ففي غيابها تضيع الحقوق، لذلك علينا ان نجعل “بوصلة الامان” تشير الى طريق واحد، هذا الطريق هو طريق بناء الدولة، علينا جميعا ان نناضل من اجل هذا الامر، وليعلم كل الصادقين ان هذا الطريق تعترضه الكثير من العقبات ليس اقلها الانتهازيين والمنافقين، فالنفعيين بمختلف تيارتهم وتوجهاتهم مادية كانت او ايدلوجية، هم اكثر اعداء بناء الدولة، لانهم اكثر الناس ادراكا بان لا مكان لهم فيها حين تقوم، لذلك اجعلوا بوصلتكم الدولة اولا.

والله من وراء القصد

احمد معيوف (اميس انتمورا)

مقالات ذات علاقة

شواطئ أمان غير أمنه

نجوى بن شتوان

هرطقات ليبي معزول (8): في يوم الوثيقة العربية 17 أكتوبر 2018

مصطفى بديوي

ثنائية الإسلام والغرب

عمر أبوالقاسم الككلي

2 تعليقات

علي الخليفي 16 نوفمبر, 2013 at 08:34

الحقوق تخضع للاخلاق ولا تعارضها ؟؛؛؛

إذا أخدنا بهذه القاعدة التي يحاول أن يرسيها الكاتب دوم أن يقدم لها أية شواهد تاريخيه تدعمها فهل لنا أن نتسائل عن اية حقوق في ليبيا لهؤلاء الذين يعتزون بإنتمائتهم إلى قبائل بدو الحجاز ؟
وهل لنا أن نعود أدراجنا الى الوراء كثيرا لنحاول تطبيق هذه القاعدة على الهجمات التي شنها بدو الحجاز على ليبيا وغيرها من دول المنطقة لنرى ونتفحص هده الاخلاق التي تتأسس وفقها حقوق هؤلاء البدو ومن ينتسبون إليهم اليوم في هذه الأرض.
اية حقوق تأسست على أخلاق من إقتحم بيتك وساق أبناءك كعبيد وبناتك كإماء لبلاط امير الإيمان المزعوم في يترب او دمشق او بعداد؟
اية اخلاق تأسست عليها حقوق هؤلاء الذين ياكلون من خيرات هذه البلاد ويعيشون فيها ولا يحلمون أية قدسيه لترابها لأن التراب المقدس الذي يقدسونه ويتمسحون به ويتبركون هو ذاك التراب الذي وفد منه أسلافهم الغزاة .
القاعدة التاريخيه والحقوقيه التي تدعمها شواهد التارخ والواقع المعاش تقول ووفق هذه القاعدة نتأسس التاريخ الإنساني وففقها أيضا تأسست لأسلاف هؤلاءالبدو حقوق في هذه الأرض وغيرها من الأراضي التي إجتاحوها بأسم الدين وبأسم إلههم الذي أوصاهم بإمتطاء رقاب بقية خلقه .
لو إعترفنا بحقوق أحفاد أولائك العزاة في ليبيا اليوم فما الذي يمنعنا من الإعتراف بحقوق اليهود الليبين الذين عمروا هذه البلاد قبل مئات السنين من مجئ البدو ؟
ما الذي يمنعنا أيضا من الاعتراف بحقوق الاتراك الذين حكموا هذه البلاد لما يزيد عن أربعة قرون متتاليه ووفقه أيضا ما الذي يمنع من الإعتراف بحقوق الإيطالين الذين ولدوا وعاشو في هذه االبلاد ولم يعرفوا بلدا سواه ثم تم رميهم في عرض البحر ليجبروا على العيش في دولة لايعرفون عنها شيئا .
دوي الأصول التركيه وحتى ما تبقى من دوي الأصول اليهوديه والمالطيه واليونانيه وحتى الإيطاليه لا يحاولون اتركت هذه البلاد ولا طلينتها ولا تهويدها بل يعيشون فيها تحت هوية وطنيه تجمع الجميع هي ليبيتهم .

لو نحى أحفاد البدو العرب الغزاة هذا المنحى وعاشو في هذه البلاد تحت الهوية الوطنيه لها ولم يصروا كل الوقت على تعريبها وتصديع رؤسنا بفخرهم الممض باسلافهم الغزاة لما كانت هناك مشكلة ولما ثار أصحاب الأرض الأصليين عليهم.
أما أن نقلب الموازين ونعطي الحق لورتث المغتصب للأرض والعرض بأن يعربد وبأن يظل يدكرنا بفظائع أسلافه الهمج وننزع الحق من احفاد صاحب الدار والأرض في أن يقتص من أحفاد ذاك الغازي الذين لا يكتفون بعدم الإعتذار عن جرائم أسلافهم بل يفتخرون بها ويمجدون قادتها من مجرمي الحرب ويدرسون وقائعها لأبننا في كتب تاريخهم الذي يحاولون جعله تارخ لنا وهذا هو قمة الإجحاف والظلم .
القوة تنشئ الحق وتحميه وهي التي أنشأت حقوق لهؤلاء البدو في هذه الأرض وموازين القوة اليوم تتغير ويقف عالم قوي قادر متحضر وراء مطالب شعوب هذه البلاد الأصليه باسترداد حقوقهم ووفق القاعدة العادلة التي أرساها المسيح والتي تقول من أخد بالسيف ف بالسيف يؤخد ولو بعد الف وأربعمائة عام.
لا يوجد عاقل أمازغي أو غير أمازيغي يطالب برمي أحفاد هولاء الغزاة في البحر أوإرجاعهم إلى تيه صحرائهم القاحلة ولكن عليهم أن يكفو عن مفتخارتهم السمجة وأن ينتسبو لهه البلاد وحدها وأن لايكون لديهم إنتمائات لأماكن أخرى خارجها .
هذا هو العدل وهذا هو القسطاس الذي تتوافق معه شرائع السماء والأرض.
عليهم جميعا اذا أن ينضوا تحت كلمة سواء تقول : أنا ليبي إذا أنا أمازيغي .

رد
علي الخليفي 16 نوفمبر, 2013 at 08:40

إستدراك ….. سقط السطر الذي حوى القاعدة التي أردت دكرها وهي تقول : القوة تنشئ الحق وتحميه .عذذرا.

ع. الخليفي

رد

اترك تعليق