طيوب عربية

لماذا تزعجنا المكتبة؟

مكتبة
أرشيفية عن الشبكة

المكتبة؛  هي ذلك المكان الساحر الذي أخرج للعالمين عظماء ومفكّرين،  وأي عظيم لم يمتلك مكتبة؟

أقول دائما “إنها لسفاهة أن يحلم أحدهم بالخلود ولا يفكر يوما في إنجاز مكتبة”

تلك الحقيقة البديهية تجعل كل عظيم يصر إصرارا منقطع النظير على سرقة جزء من البيت،  ولو كان رواقا، واتخاذه مكتبة. غير أن تلك المكتبة الصغيرة ستزدريها العين وتصغر في عين من يود أن يكون عظيما،  فلا يدري حينها كيف فكر، واشترى رفوفا أخرى، ووضع عليها كتبا لا يدري كيف اشتراها،  وإني لأجزم أن كل أدباء العالم لا يدرون على وجه الدقة كيف تمكنوا من تجميع تلك الكتب، عبر تلك السنوات الطويلة. وكيف تحولت تلك الكتب الخمسة المتواجدة على طاولة الطعام إلى كتب لا عد لها.

ولعل كل أمر يفعله الإنسان بشغف ينسيه طريقة فعله؛  لأنه ركز على متعة فعله، لا على التفاصيل وحفظها.

في خضم هذه المكتبات الكبيرة،  ينزعج أغلب الأدباء العالميين من نسيان مكان الكتب، خاصة إذا كانت مكتباتهم فوضوية وها هو ذا الفيلسوف الإسباني فرناندو ساباتير يعلنها صراحة:  إذا لم أجد الكتاب الذي أبحث عنه في مكتبتي أشتر نسخة منه،  ولا أضيع وقتا في البحث عنه.

إنها لمأساة حقيقية أن تمتلك كتابا وتحتاجه ثم لا تجده،  خاصة إذا كنت تحتاجه لأمر طارئ؛ كتصحيح معلومة، أو التأكد من الاسم الكامل لشخصية ما،  أو التحقق من نسبة كلام لها، فإنك حتما ستنزعج،  وتتمنى لحظتها لو أحرقت المكتبة كلها ووجدت ذلك الكتاب،  أو أنك ستشمئز من كثرة الكتب ويخيل إليك أنه لا طائل منها،  وأن الكتاب المفقود هو وحده من يستحق التواجد في هذه المكتبة، وتنظر إليها فتحس بلا جدواها،  ويخيل إليك أنها تسخر منك وقد خبأت ما تبحث عنه عنوة لتزيد من حدّة غضبك.

والكثير من الأدباء،  حين يبحث بين الرفوف عن كتاب مهم،  ينساه في لحظة حينما يجد كتابا بحث عنه قبل شهر مثلا،  ويتذكر الفكرة التي أراد استخراجها منه،  لينزعج من الكتاب مجددا،  ويتهمه بالاختباء،  ويتعكر مزاجه؛  لأنه وجد ما بحث عنه بعد فوات الأوان.

والمكتبات- الشخصية- في العالم أغلبها لا تخضع لترتيب دقيق على نسق واحد؛  فأحدهم يرتب بعض الرفوف ترتيبا أبجديا،  ثم يرتب الرفوف الأخرى حسب حجم الكتاب،  ثم الرفوف التي تليها حسب بلد الكاتب، أو ربما حسب المادة العلمية كالتاريخ،  والشعر، وغيرها،  أو حسب حجم الكتب.

أو كما كان يرتب الكاتب ماركوس خيرالت تورينتي مكتبته:  كتب الأحياء في جهة،  وكتب الأموات في جهة،  وربما مات الكاتب فبقي في جهة الأحياء،  أو تسلل كتاب من كتب الأموات خطأ إلى رفوف الأحياء.

فيصبح ترتيب المكتبة فوضويا، ومنهم من يجمع إصدارات دور النشر،  كل دار في رف.

  وأنت إن دخلتها يعجبك تناسق رفوفها،  لكنك حتما ستنزعج إذا ما بحثت عن كتاب؛  لأنك لن تجده على الأغلب.

 وكان الشاعر الكوبي غاستون باكيرو إذا ما أراد أن يعير لأحدهم كتابا،  أتى به إلى المكتبة وأمره بالبحث عن مراده.

وهب أن الكتب رُفَّت على طريقة واحدة،  فإن الانزعاج ملازم لمالكها لا محالة؛

لأن أغلب الأدباء يتقاعس عن إعادة الكتب إلى مكانها الصحيح،  فتجده يدرجها في أول مكان فارغ يراه في الرف، خاصة إذا وجد المعلومة وسارع إلى الكتابة عنها وإدراجها في مقال أو كتاب.

المهم في لحظتها أن يتخلص من الكتاب. وينساه.

ولك أن تتخيل أن يضع عشرين كتابا في غير مكانها،  فإذا بحث عن كتاب في المرة القادمة ووجد الترتيب قد اختلط،  سيخيل إليه أن المكتبة كلها غير مرتبة،  ويصاب بالإحباط.

وقد يقول أحدهم يكفي أن يستعين الكاتب بمكتبي ليحفظ له ترتيب مكتبته،  لكن  أغلب من يمتلك مكتبة شخصية يرى بأنها مكان سري لا يمكن أن يلجه أحد،  وأحيانا، يرى بأن المبلغ الذي يعطيه لمن يشرف على مكتبته يكفي لشراء كتب جديدة. أو يرى بأنه لا يمكن لأحد أن يرتب مكتبته كما يحب هو.

حتى أن فكرة الاستعانة بشخص آخر لا تأتي على البال إلا في لحظة الانزعاج من عدم وجود الكتاب المبحوث عنه،  ثم تغيب نهائيا.

مقالات ذات علاقة

علال الفاسي والقضية الفلسطينية – الحلقة الثالثة

المشرف العام

لا تتعجب

المشرف العام

المسرحي

المشرف العام

اترك تعليق