1
ذات مساءٍ كأنها سمعت ما تنطق به الريح عندما تعدو خلف الرمال السّافيات، أحسّت بعناد مدينتها تملأ الوادي رهبة لرذاذ المطر السارح في ليلٍ دامسٍ، تستمع لموسيقى ” راخمانوف”، تقرأ رواية العجوز والبحر، امتلأ عقلها بالشك وأهوال نهنهات النوم في ليل طويل وفي قلب العجوز أمل.. احتدمت خواطر برأسها كزفرات ريح ليس فيها من مجال لليأس.. ربتت ابتسامة سحرية في ثغرها وبين سياط عينيها، أحست برذاذ بحر الراوية الهائج واِصرار العجوز لتجلِدَه في وجه الظلماء والدم القاني ومقادير البشر..
2
منذ الصباح ومدينتها تنام في رغدً تحت فيافي الرياح الغضّة القادمة من شرفات السماء تهفو لنسمة من سبات الليل أضنتها مهابة القمر الشّاحب، ومع كل ريح من الرياح تظهر السماء مبهورة بالنجوم الصغيرة، فضاء الأنترنت المُبعثر في متاهات المزن.. الغمام يغطي سحائبها، كل بيتٍ تحشوه الفضائيات بالانتظار العنيد وحكايات الأماني الجافلة..
3
أحسّت بأنّ كل المدينة تسبح في بحارٍ من بريق الوهم، وثب أمامها الزمن من دون استئذانٍ كزحوف الثلج ونتف الفراغ، زرع بينها وبين الفراغ نبع من الماء النقي والأماني الزاهية، اِنهمرت الأسئلة في ذهنها، تأملت فراغاً أمامها ما تأملته من قبل، تراءت لها ضواحي المدينة ناعسةً حُبْلى بالبشارة، تحدث نفسها إلى نفسها وتسأل: تُرى: أيّ فراغٍ أجوفٍ يقودك يا هذه المدينة الزاهرة، فراغٌ من نفس جوف الفراغ الباهت؟ أليس الليل جسر الطامحين؟