سرد

جزء من رواية بروبرز

The Post War Dream 2019 Adnan Meatek Ink on paper Detailes

تدهورت حالة مستر “أرون” النفسية وبات الأمر واضحا للعيان، أهمل هندامه انحنى ظهره، نحل جسده، اجتاح رأسه الشيب، هالات سوداء تحوط عيناه الزرقاوين، مضطرب ومشتت نادرا ما يخرج، وإن خرج يتلفت يمينة ويسرى أحيانا كثيرة يرجع دون مبتغاه، وإن واصل طريقه مؤكد إنه يقصد العيادات النفسية، حتى أنهم قالوا زار جل عيادات لندن ولم يعثر على ضالته المنشودة، لا أحد يعرف السبب الكامن وراء تردي أوضاعه النفسية والصحية، ولا يجرؤ الجيران على الاستفسار منه أو حتى الاطمئنان على صحته، ربما خوفا على مشاعره أو خوفا من ردة فعله، لكن الكل يخمن أن السبب وراء سوء وضعه الصحي قد يكون تعرض شركته السياحية لخسارة فادحة ما بعد الكورونا، لكن أنا لا أرجح هذا الظن أتذكر منذ ثلاث سنوات كلف أحد الموظفين بالإدارة واصبح حبيس البيت، وهناك من يرجع سبب تردي صحته لموت صديقته “مانا” بالكورونا، مستر “أرون” رجل يكتنفه الغموض هل كان يحبها لهذه الدرجة حتى ينهار بعد موتها؟ وإذ كان حبها تملك قلبه لهذا الحد هل تزوج “مانا” حقا؟ أم أنه أكتفى برفقتها طوال خمسة وعشرون عاما، يظل الخيار الأخير هو الاقرب للحقيقة لو كان تزوجها لعرف القاصي والداني وربما أنجب منها، نعم  هو شخص طيب القلب دمث الخلق بشوش الوجه لكنه متقلب المجاز دائما منطوي رغم هذا يساعد كل من طلب العون منه،  رجل يحمل صفات متناقضة كان ناجحا في عمله نجاح منقطع النظير حتى أصبحت شركته أكبر شركة سياحة في غرب أوروبا، لكن الغريب في الأمر كانت علاقته مع الموظفين يشوبها شيء من المد والجزر لذلك كان دائما يغير الموظفين ما عاد أثنين أحدهم: المدير الحالي للشركة وهو “بيتر” أخ “مانا” يعمل معه منذ ثلاثين عاما ويعتبر يده اليمنى، والثاني: خادم من غانا يدعى “أوبا” يرافقه كظله منذ خمس سنوات يعد صندوق أسراره فهو المسؤول المطلق منوط به التصرف بكل أمور البيت يطهو الطعام، وينظم البيت ويغسل الملابس والأواني ، لم أسمع أو أرى مستر “أرون” أعترض على شيء فعله “أوبا” هو الحاكم الفعلي لهذا البيت الجميل الذي يتكون من طابقين حيطانه الخارجية من الرخام الإيطالي يضفي جمال على طريقة بنائه التي ترجع  للقرن السابع عشر فهو نسخة مصغرة من كاتدرائية القديس بولس، يضم الطابق الأول مطبخا كبيرا جدرانه من القراميد ومكتبا فارها لم يدخله مستر “أرون” منذ ثلاث سنوات، وصالة كبيرة في المنتصف لاستقبال الزوار والحفلات،  أما الطابق الثاني به ست غرف للمنامة ناهيك عن الحديقة الكبيرة التي تحيط بالمنزل. 

تدور أصابع الاتهام في سوء حالة “أرون” على المتهم الأول “أوبا” ومن يروج لهذه الإشاعة “بيتر” وبعض أقارب مستر “أون” من الدرجة الثالثة يقولون إن “أويا” سحره بسحر أسود جاء به من غانا ليستولي على ثروته، حاولوا أكثر من مرة طرده وكاد ينقلب السحر على الساحر تصدى لهم مستر “أرون” مهددا بإقالتهم وقال: إن “أوبا” شاب طيب، مطيع، أمين، لا يتدخل فيما لا يعنيه، لا يتعرض له أحدكم وأنا على قيد الحياة. ها هو يخرج مستر “أرون” وجه طويل أبيض وأضح الارهاق عليه، أنفه معقوف الشيب تمكن من حاجبيه، يرتدي معطفا رماديا طويلا وشال أسود حول عنقه وبنطال رمادي  يسير ببطء شديد كمن يحمل جبال جرامبيان فوق عاتقه ويتبعه “أوبا” مشيا حتى ناصية الشارع أوقف الخادم تاكسي وفتح الباب ركب مستر “أرون” في المقعد الخلفي وجه شاحب خالي من التعبير، ما إن ركب حتى أغمض عيناه وسلم نفسه للمقعد  أغلق الخادم الباب وركب في المقعد الأمامي طلب من السائق الذهاب لمركز” آدكونسيل” بعد نصف ساعة تقريبا دخلا المركز ذهب الخادم مسرعا لقسم الاستعلام أخبرته الموظفة الشقراء أن الدكتور “هارلي” في انتظارهم. دخل مستر “أرون” يجر رجليه وقف الدكتور “هارلي” وعلى وجه ابتسامة ومد يده كي يصافحه لكن مستر “أرون” لم ينتبه أو إنه تعمد عدم مصافحته أرتمى على الكرسي المقابل للدكتور مباشرة ولم ينبس ببنت شفة.

حاول دكتور هارلى كسر الصمت قائلا: كيف حالك مستر “أرون” هل تمكنت من النوم؟ ظل صامتا لمدة ثلاث دقائق وبعدها كأنه أفاق في توا من غيبوبة مسح الغرفة بعينيه الغائرتين وحدجه بنظرة وتغيرت ملامح وجهه وتفصد منه العرق وقال بنبرة فيها شيء من الغضب والقلق انظر إلى وجهي وعيني كانت الكلمة عند خروجه تتحرك معها رأسه ويديه هل هاتين العينين وأشار بأصبعيه رأت سنة ولا نوم إطلاقا يا دكتور.

مقالات ذات علاقة

هب السوق كله على صراخ امرأة

خالد درويش

ماذا لوْ كانت معي

مهند سليمان

رواية: اليوم العالمي للكباب – 9 (الأخيرة)

حسن أبوقباعة المجبري

اترك تعليق