قصة

لا ترد ولا تستبدل

من أعمال التشكيلية الأردنية مها الذويب
من أعمال التشكيلية الأردنية مها الذويب

انه اليوم الذي انتظرته طويلًا، سأشتري الحذاء الذي جعلني أقف لمشاهدته أمام الواجهة الزجاجية (الفترينة) في كل ذهاب وعودة من المدرسة، أتأمله وهو في قدمي تلك الدمية البلاستيكية والذي تمنيت أن يكون يومًا ملكاً لي وأنا على قناعة بأنه سيكون أجمل بكثير على قدمي النحيلة…

لقد كان ثمنه باهظًا بالنسبة لي، إلا اني قررت أن أجمع مصروفي اليومي وأحرم نفسي من افطار المدرسة لأجمع ثمنه، لم يكن حذاءً عاديًا، فهو جميل له كعب عالي ولون أحمر داكن به نقوش من السلك بلون الفضة، أعرف أني لن البسه أمام أحد فأنا في نظرهم مازلت صغيرة، لم يحن الوقت بعد لأنتعل مثل هكذا حذاء لا يليق إلا بالكبار، لم ينتبهوا إني قد تجاوزت الخامسة عشر، عندما لفت نظر أمي اليه ذات مرة، قالت لي انه جميل، ستشتري مثله يومًا لجهاز أختي الكبرى، يومها قلت في نفسي لو اشتريته لن يراه أحد علي، سألبسه لأمثل به فأنا أحب التمثيل جدًا، فعادة ما فعلت ذلك وأنا وحيدة، سأجربه أمام المرآة في الغرفة التي تجمعني مع اختي…

ها أنا اليوم وبعد شهور أجمع ثمنه، أخرجت حصالتي المعدنية، وبدأت أُعد رغم أني أعرف ما هو المبلغ الذي بداخلها، ولكن ترددت قليلًا كيف أذهب الى المحل بهذا المبلغ الذي يبدوا وكأني أخذته من صندوق متسول في الشارع، هنا قطع معدنية وأخرى من العملات الورقية الممزقة قليلاً عند حوافها، يبدوا ذلك غير لائق!! ولكن ليس هناك من حل أخر، جمعت كل المبلغ الذي بعثرته على السرير وضعته في كيس صغير، خبأته في حقيبة المدرسة فغدًا وفي طريق عودتي سيكون لي…

– أريد رقم سته وثلاثين ونفس اللون الذي في (الفترينا)…

نظر إلى مستغربًا وأنا أناوله المبلغ الذي في الكيس، استغرق البائع وقتًا وهو يعد ثمن الحذاء، ثم نظر إلى قائلًا:

– لماذا لا تجربيه، فلا يمكنك استرجاعه…

ثم أشار الى لوحة خلفه مكتوب عليها (البضاعة لا ترد ولا تستبدل).

كنت خائفة أن أتأخر على موعد عودتي الى البيت فيقلقون عليّ فهززت رأسي بالنفي وقبضت على الكيس وخرجت مسرعة، وأنا في الطريق أخرجته من علبته، رميت العلبة الفارغة وحشرت فردتي الحذاء على جانبي الكتب…

لم أكل بشهية على الغداء رغم إني جائعة، فقد كنت مشغولة بحذائي الجديد، اتحين الفرصة لأكون وحيدة في الغرفة وأجرب كيف يكون مظهري بحذاء عالي مثل (فاتن حمامة) في فلم (سيدة القصر) …

دخلت الى الغرفة، لم يكن هناك مفتاح لأقفل الباب وأحتفي بحذائي، حاولت جرّ الخزانة الصغيرة ذات المرآة المكسورة وأسندتها على الباب، وأخرجت حذائي من مخبأة، جلست على حافة السرير، نظرت إليه، بدا مختلفًا عن شكله في الواجهة الزجاجية ومدبباً أكثر، أدخلت قدمي ووقفت وجدت صعوبة في ذلك فقد كان ضيقًا جدًا من الامام، وشعرت بالألم في أصابعي وكدت أقع، حتى أن لونه الذي شدني إليه بدا مختلفًا، نزعته بقوة حتى أتأكد من المقاس المكتوب أسفله وجدته نفس الرقم الذي طلبته من البائع!!!

نظرت إليه وهو مرمي على الأرض، شعرت وكأنه يبادلني العتاب والندم.

مقالات ذات علاقة

اللعبة

علي الجعكي

ابنـتي وأنـا

عزة المقهور

القلم

فتحي محمد مسعود

اترك تعليق