إبراهيم خيراني | الجزائر
ما جدوى كلّ هذه المناهج القائمة على أنقاض بعضها؟!
سؤال يتحاشاه أغلب النقّاد الأكاديميّين، المهووسين بالتّنظير للمناهج؛ سواء السّياقية منها والنّسقيّة. ويركّزون على مسألة سجن الإبداع، وتكييفه وفق أهوائهم (سرير بروكوست) مثالا. بل إنّ النّقد يريد فرض هيمنته على النصوص الإبداعية وحجزها في قوالب تنظيرية مخضّبة بمصطلحات مبهرجة، ليبدو كأنّه في أعلا علّيين، وأنّ النصوص هي من تتسوله ليرضى عنها، ويصفها بوصف يلائمها، ويؤوّلها تأويلا متساميا. والحقيقة في هذا أنّ النّقد واهم؛ فهو في أصله هامش خرج من عباءة النصوص ولا يمكنه أن يتطاول عليها أو أن يتجاوزها. وتجد بعض النقّاد قد تغوّل، وحاول تجاوز هامشيته بُغية إزالة المركز؛ وهو النصوص الإبداعية؛ وينزلها منزلة الهامش الخانع للنقد، فلا يسمى النص الإبداعي نصا ما لم يزكّه هو ويرض عنه، وهو في الحقيقة لم يكتب نصا إبداعيا في حياته، وهذا يمثل له عقدة؛ فالنقد في هذه الحالة يصبح أداة للتجني على النصوص وكبحها، ومحاولة ازدرائها، ونقول هنا بأنّ أسوأ نص يُكتب دون هوية تجنيسية أعظم من أيّ نظرية قائمة على منهج وإجراء ومصطلح، لأنّ المناهج تهدم بعضها بينما لا يمكن لنص أن يهدم نصا آخر أو يزيحه.
والملاحظ أيضا أنّ أغلب كلّيات الآداب اليوم أصبحت عقيمة إبداعيا، إذ انصرفت من تعليم الطلبة فنون الكتابة إلى تعليمهم المناهج النقدية، فتخرّجوا متعجرفين مهووسين بالمصطلحات، بينما أضحى إبداع الكتابة لمن هم خارج تخصص الآداب، فالروائي والشاعر اليوم، تجده طبيبا ومهندسا وفيزيائيا، ونادرا ما تجده متخرّجا من كلّية الآداب، بل إنّ النصوص الرصينة والمحكمة تأتي عادة من أناس لا علاقة لهم بالنقد. فماذا استفاد الذين درسوا الآداب من النقد؟!
إنّ النقد قد تخلى عن مهمته الطبيعية؛ وهي محاولة مقاربة النصوص وتأويلها، وتقويمها، إلى مهمة عدائية أصبحت اليوم كامنة في ثنائية ضدية (النّقد/ النّصوص الإبداعية)، ومحاولة النّقد على أن يقفز على هذه النّصوص فيصيّرها هامشا خاضعا يأتمر بأمره، والحقيقة أنّ الإبداع لا يمكن حجزه.
فالنقد في طريقه ليتسوّر الإبداع، نسي بأنّه (النقد) لفئة مخصوصة من البشر، بينما النصوص الإبداعية يقرؤها ملايين من الناس لا أحد فيهم يعرف بأنّ هناك مصطلحا يدعى بالسيميائية أو التداولية، أو حتى الانطباعية نفسها التي يمارسها القارئ العادي على النّصوص دون وعي منه.