من أعمال الفنان محمد الشريف.
قصة

ذو المعطف الأحمر

مروان بن جبودة

من أعمال الفنان محمد الشريف.

 

فور أن فُتح الباب بطريقة مفاجئة وقد اندفع تيار من الهواء البارد إلى داخل الحافلة ,  شدّ الشال الملفوف على رقبته واعتصر بيده اليٌسرى حقيبته الصغيرة , أما في اليد اليمنى جواز سفره وقد برزت منه تذكرة الركوب , ونزل من الحافلة .

أثناء صعوده سلّم الطائرة صادما لفحات الهواء البارد مُطبقًا على فكّيه بإحكام – سَرت في جسده رعدة خفيفة , شعر على إثرها بإحساس لذيذ لم يدري كنهه , هي المرة الأولى التي يسافر فيها عبر الطائرة , لحظات وابتلعته الطائرة مع آخرين وصاروا في جوفها , ابتسامة صغيرة تغتصب شفتيه وهو يحاول أن يخفيها , أشارت له المضيفة الحسناء على رقم مقعده , كان خلف الجناح مباشرة , شكرها وجلس  وقد أراد أن يقول لها أن المساحيق التي تضعها على وجهها مبالغ فيها لدرجة أنه يراها كالمهرّج الذي كان يأتيهم في العطل أيام المدرسة صغيراً .

جلس في منتصف الصف الأيسر من الطائرة محشورا بين كرسيّين , لم يكن يعتقد أن المكان صغير بهذا الحجم , بعد مرور بعض الوقت أخرج من الحقيبة كتاب سميك ” مُذلون مهانون ” رواية للأديب الروسي دوستويفسكي وقد وصل للمقطع الذي يقول ” كانت ملابسي فقيرة خلقة وكنت أشعر بأنني مريض , كنت قد نحلت وهزلت وجهاً وجسماً , كنت قد أصبحت شاحباً ” لم يكن يلجئ للأدب الروسي إلا حينما يريد أن يرى ذاته عبر الأحاسيس المفرطة في الكلمات , وانغمس بكل جوارحه في الكتاب حتى إنه لم يلحظ الشخص الواقف عن يمينه منتظراً منه المرور , فكرسيّه بقرب النافذة البيضاويّة الصغيرة , اعتذر من الشخص الواقف ونهض ليفسح له مجالاً للعبور , وعندما عاود النظر للنافذة ابتسم وقد تذكّر أستاذه في كليّة الهندسّة والذي يخرج دائماً عن مسار المحاضرة عندما سأل ذات يوم عن سرّ تصميم نافذة الطائرة بشكل دائري دون غيرها من الأشكال ؟ ولأنه لم يرغب حينها في إكمال المحاضرة قال له : حتى لا يعشش العنكبوت في إحدى زواياها , وضحك الجميع , أما أستاذه فقال له كلمة واحده : اخرج ! .

في الجو وبعد أن أُذن للجميع بفك الأحزمة وقد شاهد بنفسه لأول مرّة كيف تبدو الأشياء من الأعلى , عاود القراءة مرّة أخرى دون أن يفسح المجال لفتح حوار مع الجالسين بجانبه كعادة الجميع في كلّ مكان , لكنّ الجالس عن يمينه , الشاب الذي يرتدي معطفاً أحمر اللون وقد تورّد وجهه المنتفخ نتيجة الحرارة – فتح الحوار :

– ها ماذا تقرأ ؟

– رواية لكاتب روسي كبير , لديّ كتاب آخر إن أردت , لتمضية الوقت .

تململ ذو المعطف الأحمر وزمّ شفتيه ثم قال :

– لا , أنا لا أقرأ لكاتب كافر .

–   نعم ؟!

–  أنا أقرأ للشيخ ****** اب و الشيخ ******ز أما هؤلاء فلا حاجة لي بهم .

– هل ستمكث طويلاً في اسطنبول ؟

– ثلاث أيام فقط ثم سأغادر نحو لندن لأبقى فيها ثلاث سنوات لأحضّر الماجستير في هندسة الاتصال .

قهقه قليلاً ثم نظر إلى الشخص الجالس يساره وقال له :

– هو سيبقى في لندن ثلاث سنوات أما أنا سأعود بعد أسبوع إلى ليبيا.

_____________________

نشر بمدونة الكاتب.

مقالات ذات علاقة

كوشي يا كوشة

محمد ناجي

قصة الحاج الزروق والحاجة مدللة وثورة فبراير! (3)

المشرف العام

الْمنْجَل

أحمد يوسف عقيلة

اترك تعليق